الأربعاء ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم مروى هديب

انتحار مع وقف التنفيذ

في مثل هذا اليوم وقبل ثلاثة أسابيع من الآن خرجت من منزلنا في الصباح كعادتي بعد أن ودعت والدتي الطيبة الحنونة وهي تقف في المطبخ كعادتها كل صباح تعد القهوة وتشرب السجائر لا ادري لمَ خطر على بالي أن أعود واقبلها من وجنتيها وأضمها إلى صدري تفاجئت هي من تصرفي هذا وأخذت تقول لي ما بك يا ابنتي؟؟ هل تحسين بشيء ما هل أنتِ متضايقة؟؟ فأخبرتها بأنني بخير ولكنني شعرت فجأةَ برغبة في ضمها فودعتني وأنا على يقين من أنني قد سببت لها القلق لكنني وعدت نفسي وبعد أن أصل إلى عملي سأقوم بمهاتفتها وطمأنتها .

لا ادري لم اشعر بانني في مزاج جيد للذهاب إلى العمل فهناك أفكار كثيرة تدور في راسي أفكار تخطر على بالي لأول مرة في حياتي عبثا كنت أحاول أن أزيحها وادفنها في راسي ولكنها تملكت مني ورضخت في النهاية لها نعم لقد هزمتني أفكاري في صبيحة ذلك اليوم لا بل أستطيع القول بأنني قد خضت معركة نفسية وعقلية كانت الغلبة فيها لتلك الأفكار السوداء فخارت قواي على حين غرة وأحسست بتثاقل في خطاي وأصابني اليأس فجأة من الحياة فقررت على حين غفلة مني وبسبب لحظة ضعف رهيبة أصابت مني المقتل أن انتحر!!!!

نعم لقد قررت فجأة التخلص من كل تلك الأوجاع التي نالت من روحي كأنثى فالدرب أمامي كان مليئا باليأس حتى أنفاس فيروز التي تصدح من حولي والتي أحب سماعها يوميا بدت لي وكأنها أصوات الموت يناديني لكي استجيب... لم اعد أدرك معنى تلك الهبة التي جاءتني من الخالق عز وجل لقد دخلت في دوامة الصراع الأزلي الذي تخوضه أي نفس بشرية في لحظاتها الحرجة نعم لقد تداخل حب الحياة في نفسي مع رغبتي في الموت أو بالأحرى رغبتي بوضع حد لتلك الحياة التي أعيشها قسراً تراءى لي الانتحار كوسيلة سهلة اعبر من خلالها لأخرج نفسي من دوامة الخوف والقلق والتعاسة ومن ذلك التعب الطويل الممل الذي بدا لي في تلك اللحظة وكأنه أبدي لا نهاية له يلتف على روحي ويحاصرها تعب ما عاد لي قدرة على مقاومته أو مواجهته فكلما حاولت أن أبتسم صفعتني الحياة بقسوتها ،، وكأن الفرح لم يخلق لمثلي و كأنني أرتكب جرما اذا بت ذات ليلة قريرة العين،،او كانه لؤم أن يلم بي أي سرور.

كنت أدرك في تلك اللحظة أن تفكيري في الموت أقسى من الموت نفسه..لأن التفكير فيه شعور به في حين أن الموت هو فقدان التفكير والشعور .. لم يغب عن بالي في ذلك الصباح مقولة كنت قد قرأتها على التقويم الموجود في غرفتي وأنا من مزق تلك الورقة بعد أن قرأتها كانت الحكمة صغيرة لكن معناها عظيم ولكنني وعن سابق تصميم وإرادة تجاهلته كانت المقولة تقول الحياة هي الحق الأول للإنسان، به تبدأ سائر الحقوق، وعند وجوده تطبق بقية الحدود وعند انتهائه تنعدم الحقوق..

أخذت أقول لنفسي نعم بانتهاء حياتي لا يعود لي أي وجود وتنتهي كل تلك الواجبات الرهيبة وتختفي كل تلك الحقوق التي لم احصل عليها يوما ..

الفكرة تبدو سهلة ولكن تنفيذها عظيم ورهيب لكنني كنت عازمةً على قتل نفسي المثقلة بالاوجاع والممتلئة على اخرها بالهموم، قلبي لا يزال ينبض الى الآن حاولت ان اعدل عن الفكرة فلا زال في قلبي بعض الحب لتلك الحياة لكنني عدت وانهزمت مرة اخرى امام تلك الافكار فقررت اخيرا انه لا تراجع الآن عن الانتحار وقفت هناك على جسر مهجور آيلٍ للسقوط افكر أنه وبعد لحظات قليلة ساكون في احضان الموت ! لكنني عدت وفكرت بأنه لا يجب ان أغادر هذه الحياة دون وداع من احبهم..!!!

في البداية قمت بزيارة زوجة أبي رحمه الله مع انني لم اكن على وفاق دائم معها ولا اكن لها حباً عظيماً لكنني قررت زيارتها من اجل والدي الحبيب رحمة الله عليه بصراحة لم أسمح لأفكاري أن تبدأ بالتفكير في والدي الميت منذ زمن لأنني إن بدأت التفكير فيه فأنا على يقين من أنني سأتراجع عن قتل نفسي ولهذا قررت المضي قدما ووجدت نفسي أقف على باب منزلها استغربت هي من زيارتي لها وكنت ارى علامات الاستغراب والفضول تملئ عينيها ولكنني لم ارد ان اجيب على كل تلك التساؤلات فاكتفيت بالجلوس قليلا معها وسؤالها عن احوالها وتوديعها رغم انها رجتني ان أبقى ولكنني رفضت كل دعواتها لي بالبقاء فانا سأذهب للموت بعد قليل!!!

بعدها توجهت الى منزل شقيقتي قضيت معها ومع أطفالها ساعة من الزمن ومن ثم توجهت الى مقر عمل صديقتي العزيزة قمت بمهاتفتها وإخبارها بأنني انتظرها في المقهى الصغير بجانب عملها شربنا القهوة على عجل فهي لا تريد أن تتأخر وضممتها الى قلبي وقبلت وجنتيها وهي تضحك من فرط الدهشة إزاء بركان العواطف الذي تدفق مني فجأة ودعتني على امل اللقاء ووقفت انتظر دخولها لمقر عملها وقلبي يهمس بكلمة واحدة هي الوداع ...
نظرت الى ساعتي فوجدتها قد قاربت على الخامسة مساءا لقد زرت كل من اريد ان ازورهم وتحدثت الى جميع اصدقائي وأمي على الهاتف واطمأننت على احوالهم ، بقي لي مكان واحد يجب ان ازوره كان لا بد لي من ازوره لقد مضى وقت طويل لم ازر ذلك المكان فأنا لا استطيع ان اغادر هذه الدنيا دون ان ازوره للمرة الاخيرة.

بعد فراق دام طويلا قررت اليوم ان اراه واسمع صوته حملتني قدماي الى مقر عمله وقفت هناك انتظر قدومه لمحت سيارته التى احفظ نمرتها عن ظهر قلب تدخل الى الكراج لكن قدماي لم تستطع ان تقطع الشارع وتذهب للقائه الذكريات بدات تمر في مخيلتي وأنا أحس بالاحتراق صوته يوقظ أشجاني بلوعة واختناق دموعي تنهمر كنهرٍ دفاق استجمعت قواي وذهبت للقائه كان يهم بالصعود في المصعد عندما سمعت نفسي أهمس بأسمه لكنه لم يسمع همسي لأنني كنت أقف بعيداً أغالب دموعي التي تهدد بالنزول في اي لحظة كان هناك إحساس غريب وعميق ودافئ يتملكني ،عاد قلبي ليخفق فرحا مع انه توقف عن الخفقان منذ وقت طويل شعرت باضطرابات داخلية وأحاسيس مؤلمة وممتعة في وقت واحد حتى أنني فقدت الإحساس بالوقت وأنا أقف هناك مسمرة أطالع وجهه.. وأفكر لو لم يضعه القدر مصادفةً عند بوابات قلبي وفصوله ومنعطفاته لما كان هذا حالي ؟؟

لكنه القدر الذي له دائما دور البطولة في كل قصص العاشقين بمن فيهم انا لقد كان يتربص بنا في كل فصلٍ من فصول تلك الحكاية التي عشتها معه دائما كانت له الكلمة الأخيرة على أوراق محبتنا حتى أصبحتْ هذه الأوراق . مطفأةً لذاكرتي أتركُ فوقها رمادَ سيجارة الحنين الأخيرة .. وبقايا خيبتي الأخيرة للحظة أردت أن اصرخ فيه بأعلى صوتي كفانا فراقاً الم تمل روحك فراقي ؟؟؟ روحي ملت الفراق دعنا نعود معاً لنفتح للأمل باباً من الإشراق ... لنعانق بقايا عمر استنزفته الجراح لكنني بقيت صامتة الى ان صعد الى عمله فتحركت من مكاني ووقفت امام سيارته اطالعها وأسالها بحبنا وبأفراحنا وأحزاننا .. وبكلِ لحظةٍ جمعتنا بها دموعنا وجروحنا ما الذي اقترفته يداي فأنا كل ذنبي أنني أحببته.

أخذت يدي تتحسس السيارة وأنا أقول لها كم عشنا ذكريات جميلة في تلك السيارة وقفت اطالعها وكانني اتحدث الى كائن بشري اخذت اخاطب السيارة واتخيل بأنه أمامي كم ضحكنا في تلك السيارة ونحن ذاهبان للتنزه كم مرة أغضبني وجرحني في تلك السيارة كم مرة ضمني إلى صدره يواسيني ويعتذر مني آه من تلك الذكريات الجميلة التي عادت بي الوراء لم على ذكرياتنا أن ترافقنا دوما؟؟ لم لا تتركننا وشاننا لنرى الأشياء من حولنا دون أن تذكرنا بهم ؟؟ ألا يكفي ما ضاع من سنوات عمرنا ؟؟ لكن أشلاء الذكريات أكثر إيلاما من أصحابها الذين عشنا معهم تلك الذكريات.

لم اعد أعلم وأنا أقف هناك إن كنت لا أزال أحبه أم أنني بت أكرهه في كلتا الحالتين هو دائما في عقلي وقلبي منذ ان افترقنا وأنا أتساءل يا ترى لمِ مر في حياتي ؟؟ لمَ تعلقت به وأدمنت حبه اعتقدت أن الصدق والوفاء سيكون رفيقنا ولكن ومع هبوب أول هبة ريح اختفى وغادر لا بل احترق لم اعد اعثر عليه في حنايا وجودي رحل وترك وراءه لافتة مثبتةَ على باب قلبي بالجراح والحنين مكتوب عليها ... لا توجد أماكن شاغرة .. كل الأماكن بحاجة الى صيانة .. أحسست أن وقوفي هناك أتحدث الى كومة الحديد تلك بلا طائل فأنا لا أريد أن أغادر هذه الدنيا وأنا احمل في قلبي كل مشاعر الألم والوحشة والمرارة التي فرقت بيننا سأغادر وأنا احمل له في قلبي كل تلك الكلمات الجميلة التي قالها لي يوما وكل الرسائل التي أرسلها لي يوما . عدت الى ذلك الجسر المهجور لأستعد للقفز عنه كنت أشعر بأنني أخف وزناً من الهواء واكثر عمقاً من المحيط وأقوى من الجبال وأنقى من البياض كنت اترنح هناك واحاول أن اتعلق بتلك السحابة القادمة من بعيد والتي يطلقون عليها لقب الحياة قدماي بدأت ترتجف يا إلهي ما الذي دهاني لمَ كل هذا الخوف أغمضت عيني لبرهة من الزمن لكي أسترجع قواي التي بدأت تتهاوى و تضعف فتحت عيناي واخذت أسير بخطوات مرتعشة الى حافة الجسر وإذا بضوء أبيض بدأ بالظهور أمامي يمتد ويحاول أن يمد خيوطه الى يدي التي تجمدت من خوفها أحسست به يلفني ويشدني برفق الى الوراء لأعود بعيدا عن حافة الجسر كنت استمع الى صوت قادم من بعيد يقول لي لا تخافي أنتِ بأمان لا تجزعي أبدا"!!!! لا ادري صراحة ما الذي حدث؟؟؟ كل ما شعرت به هو أنني أطير إلى آفاق السماء البعيدة إلى فضاءاتها الرحبة أحسست بأنني حرة فجأة وأنا أدور بين عالم رسمته النجوم كان الصوت لا يزال قريبا مني ويقول لي انظري هناك انظري الى النجوم لكل نجمة هناك حكاية لكل همسة رواية شعاع النجوم اخذ يصل إلي فبدأت ابحث عن نجمة استكين إليها لكنني لم أجدها فتلك الخيوط عادت لتسحبني بعيدا فتحت عيناي فجأة لأجد نفسي على حافة ذلك الجسر الذي كنت أقف عليه وأنا على وشك مغادرة هذه الدنيا ..

لا ادري ما الذي دفعني لأوقف عملية انتحاري ربما هو حب الحياة الذي يدفع الإنسان الى التشبث بالحياة أكثر عندما يواجه خطر الموت!!!

يا ترى هل إعدامي لنفسي سيخلصني من أحزاني وان كنت سأفارق أحزاني هل سأتخلص من عقاب خالقي ؟؟ أصبت بالرعب فجأة عندما تذكرت عقاب ربي الذي توعد به من يقدمون على قتل أنفسهم انتابتني فجأة نوبة بكاء وضحك في آن معا ابكي من ألمي الذي يذبحني واضحك لأنني ما زلت على قيد الحياة كنت اردد لنفسي أن الأوجاع والآهات لا تموت بموتنا فنحن سنغادر ونورث من وراءنا تلك الأحزان والغصات اخذ يتراءى لي صورة والدتي الحبيبة وهي تبكي صورة أخي الصغير وهو يبكي مزقتني من الداخل صور أولاد شقيقتي وهم يبكون علي بعثرتني تماما فقررت في تلك اللحظة أن أوقف عملية انتحاري قررت أن أرمم نفسي وان أنتصر لإرادتي ،وان أقف بوجه لحظة الضعف تلك والاستسلام لكل ما سيجلبه القدر بفضولِ أمراه تريد أن تعرف الى أي حدٍ يمكن لهذا القدرِ أن يصل وإلى متى ستبقى هذه الحياة غير عادلة ؟؟ .

مؤلمة كانت تلك التجربة والمؤلم أكثر هو العودة منها حررت بلحظة ضعف كانت ستودي بحياتي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى