الخميس ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥
بقلم نهار حسب الله

بيدق في لعبة الشطرنج

قذفني الزمن داخل رقعة لعبة شطرنج المربعة... احترت في نفسي واختلفت معالم الكون في رأسي..
حاولت استرجاع قواي، لملمتُ نفسي ووقفت مرغماً على واحد من المربعات الاربعة والستين المميزة عن بعضها بالابيض والاسود..

أيادٍ خفية حَركتْ البيادق المبعثرة من حولي، وأحدثت صراعاً كبيراً وتدافعاً غريباً بين البيادق قبل بدء المعركة..
اصطف الجيشان، الأبيض والأسود، على نحو متقابل.. وقف كل في مكانه متأهباً لأوامر الحرب.
وكعادة لعبة الشطرنج وكأي حرب طائشة .. زج الجنود الشبان في صفوف الموت الامامية.. فيما اختفى الملكان وحاشيتيهما خلف السواتر التي شُكلتْ بالجنود الثمانية لكل طرف..

وجهي الأسمر وقصر قامتي، نسباني الى الجيش الاسود ، وسرعان ما تحولت الى بيدق مستعد للموت..
تنبهت لنفسي ومن معي من الجنود في الصف الاول المواجه للموت.. كنت مسحوراً بتلك الوجوه الصامتة من حولي، لا احتاج لتخمين الحكايات التي يخفيها الصمت بداخل كل واحد منهم.. ربما يكون لكل واحد منهم حكاية تشابه حكايتي..
اختلفت ملامحي والجنود من حولي على الرغم من تعاون القلق والخوف على صبغ وجوهنا بلون باهت مُتعبْ...
قفز أو دُفعَ جندي أبيض من مكانه في الجهة المقابلة.. تحرك خطوة مرتجفة واحدة، معلناً بداية اللعبة..
الخوف احساس عدمي، غير مرئي.. ولكنه كان يختلط مع عرق زملائي ويقطر من مساماتهم في تلك اللحظة..
اشتعل فتيل الحرب وسرعان ما تحولت المربعات داخل رقعة الشطرنج الى فخاخ تتصيد الضحايا وتبعث بهم الى الهلاك..
شبح الموت بدا مرئياً، يتحرك ببطء ما بين الخطوط، يتصيد الضحايا ويسلب حياة من دفعته تعاسة قدره للمرور بجواره..
سقط جندي هنا.. وآخر هناك.. محاصر هنا.. ومقيد هناك..

لم تُفرز دماء البيض والسود عن بعضهما.. ولم تعزل الجثث حسب اللون والفريق.. وإنما تعانقت على الارض، رغم خصامها وشكلت رُكاماً بشرياً.. وابعدت عن لعبة الموت الى الهامش خارج البلاط.. واعتلى منها رائحة بخور المقابر..
كان الخوف يغتالني آلاف المرات.. يجرد الروح ويبعدها عن الجسد كلما لمست رأسي تلك اليد الخفية وغيرت موقعي..
حاولت الخلاص من مأزقي ولو بالموت العاجل.. تخيلت أساليب الموت كلها.. شاهدت أبشع الجثث.. حلمت بأقلها وجعاً..
تغيرت وجهة اللعب الى الزاوية الاخرى.. ابتعدت الانظار عني ..

يبدو ان القدر أمهلني فرصة الخلاص.. لم انتظر طويلاً.. رميت نفسي بين الهالكين على الهامش.. حبست أنفاسي مراقباً مجريات المعركة بصمت ثقيل، متحملاً قساوة الجثث التي ترمى على جسدي بين لحظة وأخرى..
أفرغت ساحة المعركة من الجنود البسطاء وسيطر الملكان وحاشيتهما على الارض..

تقابلا وجهاً لوجه بمواجهة تاريخية لم اشهدها من قبل.. مواجهة حاسمة دامية لمحاصرة احدهما والاطاحة به..
انتظرت لحظة نطق (كش ملك) من أحد الطرفين.. غير انهما قالا بصوت مسموع (كش يا شعب) وتعانقا عناق الاحبة، وشربا نخب النصر من بقايا الدم المنهمر على البلاط.. واختنقا بضحكة لم اسمع لها مثيلا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى