الأحد ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
تصريحات بابا الفاتيكان
بقلم مروة كريديه

بين الواقع الثقافي المأزوم والحوار الحضاري المنشود

إنَّ المُتابع لردود الأفعال الشعبية منها والرسمية التي غرقت بها وسائل الإعلام العالمية في الآونة الأخيرة إثر تصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر ، يجد أنها تراوحت بين خطابات الإدانة والمواقف الشاجبة والمستنكرة في الأوساط العربية والإسلامية والمسيحية غير الكاثوليكية ، وخطاب مقابل يدافع عن موقف البابا الذي يدخل في اطار موقف اكاديمي قدّم في محاضرة علمية جامعية .

وأمام تلك المعطيات لابد من ان نطرح تساؤلات عدة منها: : هل أن الأمر الحاصل برمتّه يتطلب كلّ هذه المواقف، سواء "الشاجبة" منها ، ام "المدافعة" ؟؟؟؟
وما هي الجدوى من اتخاذ "موقف" ؟؟؟ وهل "الاعتذار"كما يطالب البعض له قيمة ؟؟؟ وما هي قيمته ؟؟

وماذا قدّم أبناء الحضارات المشرقية والغربية من دورحقيقي وخطوات في ارساء قواعد حقيقية للحوار ؟؟؟؟
وهل قدرنا كشعوب أن نبقى تحت رحمة التصورات الأيديولوجية الى ما لا نهاية ؟؟؟؟
وهل سيبقى خطاب اللاهوتين هو المحرك الأقوى الشعوب ؟؟؟
ومتى سيتحول دور الشعوب من دائرة ردود الفعل الى دائرة الفعل الحضاري المنتج ؟؟؟

وبغض النظر عما قاله البابا وبعيدًا عن تفاصيل دلالاته الفكرية والسياسية والدوغمائية... فإن المشهد الثقافي العالمي يعكس صورة متأزمة لأزمة قديمة جدّا قدم الديانات السماوية نفسها، و هي أزمة ثقافية عميقة وحقيقية ، كما أن سببها ا الرئيس- من وجهة نظري - هو انعدام الحوار بين الثقافات والحضارات العالمية من جهة، وسلطة "اللاهوت " من جهة أخرى.

و تتحمل كافة أطياف الحضارة الإنسانيةدون استثناء مسؤولية فشل الحوار الحقيقي ، بالرغم من كثرة المؤتمرات والندوات التي تُعقَد هنا وهناك
لمواجهة أطروحة "صدام الحضارات" ، فإن معظمها في الحقيقة لا يقدم مضامين فكرية جادة، بل أشبه ماتكون هذه المؤتمرات بكرنفالات استعراضية خالية من المحتوى، و تهدف الى تقديم صورة تخدم البروباغندا الاعلامية أكثر من تقديمها لحلول عملية لاشكاليات العلاقات الثقافية.

فعند استعراض مضامين مشاريع "الحوار"نجد انها "شعارات مؤدلجة"تعتمد خطابا "لاهوتيّا " يقابل "خطاب "لاهوتي مضاد" لا يؤدي إلا لمزيد من الفشل الذريع ...

وفي ظل هذا الواقع المأزوم ، يبقى التواصل والتفاعل الإيجابي خير طريق، وهو التفاعل القائم على تقديم ما هو عملي برغماتي مبني على أن أي ثقافة ومفردات أي حضارة قابلة وقادرة لان تستجيب لحاجات أبناء الثقافات المغايرة ، وتساهم في تقديم الحلول للمشكلات التي تعجز بعض الثقافات عن تقديم حلول لها .
وهذا لن يحصل إلا بوضع المشترك بين أبناء هذه الثقافة وأبناء الثقافة الأخرى، لتكون بمثابة الجسور التي تؤدي إلى الاندماج الإيجابي المنبني على الفعل والتفاعل .... وان عملية احتواء الصراعات الثقافية والحضارية ونشدان صيغ إنسانية للقضايا المتنازع عليها هي الأجدر بإنسان أن يتحلى بها .

ولهذا السبب لا بد أن نعيد التفكير في هذه القضايا من جديد وأن ننظر إلى الأمور بواقعية أكثر من خلال منظورات لم تُعرَف من قبل، وذلك بهدف تقديم صورة أخرى عن "الإسلام" و"الغرب" غير الصورة السائدة، فالصورة المتبادلة حاليًّا بين كلٍّ من المسلمين والغربيين والتي يمتلكها كل طرف عن الآخر غير مجدية على الإطلاق، بل تكرسّ الإيديولوجيات المؤسسة للنزاع وجاءت التصريحات الأخيرة في هذا السياق نفسه .

فالتصورات الماضية شائعة جدًّا لدى كلا الطرفين وتشكِّل أحكامًا مسبقة تمنعنا من رؤية الأمور بوضوح، أي أنها تمنع من بناء نظرة حقيقية تاريخية كما تمنع من لقاء حقيقي بين الطرفين.

فبعض التيارات "الإسلامية" تعتبر أن "الغرب" بكلِّ رموزه معادٍ له بشكل منتظم ودائم،و بالمقابل فالإنسان "الغربي" ينظر بشكل عام إلى المسلمين أنهم غريبين في عاداتهم وتقاليدهم ومحبين للحروب في معظم الأحيان...

إن عملية ترسيخ الحوار الحضاري المنشود ،تتطلب منَّا فهم التاريخ فهما" واعيا" ، كونه ذاكرة الأمم ومخزون تراث التراكم الحضاري ،وهو الوسط الكرونولوجي الذي عبره تمََّت الإنجازات الحضارية, فالحوار هو مؤشر حيوي على ديناميكية الشعوب , ونحن الآن نواجه عصر جديدا " وحقبة جديدة ومتميزة من تطور البشرية قي الصعد كافة , وهي تفرض علينا استقراء أبعاد هذا المستقبل حيث تصبح عملية الاتصال والتفاعل الحيوي ضرورة إنسانية، و ذلك من خلال الفهم الواعي للحضارات ولتاريخنا الثقافي.

فالعمليات الحوارية السائدة حاليّا لا تؤسس الا لمزيد من التشنج وذلك لعمق الخطأ الفكري والمنهجي الذي ترتكبه الأطراف المتحاورة لأن مرتكزات " الحوار" ومنطلقاته دوغمائية عقائدية بحتةفي معظم الأحيان ، كما أن كلَّ طرف محاور ينظر للآخر على انه "شرّ " يجب أن يقتلع او أن " يُطوع " ، فالمتحاورين الآن يتحاورون من خلف السياج، والخطأ في هذه الحالة مُركّب لسببين : الأول أن المنطلقات الحوارية هي نصوص " مقدسة " وبالتالي فهي تُفرض بشكل غير قابل للنقاش أصلا, الأمر الثاني والأخطر هو أنها تطرح على أنها إلزامية وحتمية بحق الآخر، وبالتالي فالأطراف تخرج من الحوار اشد عداءًا وأكثر انغلاقًا.

في حين ان الحوار الفاعل يفرض بالدرجة الأولى نقد الموروث على الصعيد الأيديولوجي، والنظر الى التاريخ الحضاري بوصفه تراكم مستمر وسيرورة دائمة،وهذا يحتم الدخول في تفسير النصوص "المقدسة" التي تؤسس لمأسسة الدين و تجليه في جماعات.

وفي الوقت التي تتجه فيه البحوث الحضارية لاعتبار التنوع غنى" و مجالا إنسانيا" للإبداع , لابد من التوجه للتأكيد على أهمية الترابط والتواصل علاوة على التساند إذا اقتضى الأمر بين الحضارات والثقافات للأمم المتنوعة، الأمر الذي يُغني التجربة الإنسانيةمن جهة ، و يحقق منظومة اوموجانية في ظل التنوع والتعدديةمن جهة أخرى ، كما يؤدي إلى صياغة عادلة توفر لجميع بني البشر الحقوق القانونية والإنسانية لتحقيق الأمن والسلام العالمي المنشود .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى