الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم رائدة ياسين

تأثير الرواية الجزائرية في الرواية الفلسطينية

تأثير الرواية الجزائرية في الرواية الفلسطينية عنوان رسالة ماجستير انجزتها الباحثة رائدة ياسين ، وقدمتها إلى قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية ، في أيلول من العام 2005م

تأتي هذه الدراسة في العلاقات الأدبية بين أبناء الشعوب العربية ومدى انعكاس التشابه التاريخي والسياسي على الفنون والآداب، كما تبحث في مدى مواكبة الرواية الفلسطينية لمثيلتها في الوطن العربي، ومدى تمكن الفلسطيني من متابعة الحركة الثقافية على الساحة العربية، على الرغم مما يمارسه العدو من حصار وقمع للفكر والثقافة .

وعلى الرغم من كثرة النصوص التي يلحظ قارئوها أثر كتاب آخرين فيها، تقتصر الدراسة على البحث في مدى تأثير الرواية الجزائرية في الرواية الفلسطينية من خلال الجزائرية " أحلام مستغانمي " والفلسطيني " يوسف العيلة ".

ويعود اختيار الباحثة للجزائر وفلسطين دون غيرهما، لما خبره كل من الشعبين الجزائري والفلسطيني من ثورات وحروب أهلية جعلت الهم والحزن قاسماً مشتركاً بين روائييهم ومثقفيهم، حيث تشابه الشعبان في حزنهما وثوراتهما فتشابهت نصوصهما الروائية.

أما اختيار الكاتبين، فيعود إلى التشابه الكبير بين رواية " ذاكرة الجسد " لـ"مستغانمي " و " غزل الذاكرة " لـ " العيلة "، وهو تشابه يغري بالدراسة لا سيما أن لكل نص شخصيته الخاصة ورائحته الوطنية وكأنه قائم بذاته ولا علاقة له بغيره، إضافة إلى تأكيد " العيلة "، في اتصال اجرته الباحثة معه ، على تأثره بـ " مستغانمي "، بوعي منه.

ولأن الأثر الفني لـ " مسـتغانمي " لا ينحصر في رواية " غزل الذاكرة " بل يمتد إلى " زمن المرايا " الرواية الثانية لـ " العيلة " تتناول الدراســة أعمـال الكاتبين الأخرى، وهي " فوضى الحواس " و " عابر سرير " لـ " مسـتغانمي " و " زمن المرايا " لـ " العيلة".
فقد حققت الروائية " أحلام مستغانمي "، عبر رواية واحدة، نجومية عربية وعالمية؛ إذ حظيت بتشجيع كبير من عدة كتاب وشعراء عرب، فهي روائية تربط في أعمالها أحداث الثورة الجزائرية مع الحب والخسارات التي تتوالى على وطنها وبخاصة المثقفون اشتهرت بجدة ما تكتب، وبقدرة هائلة على المزج بين التاريخ والفن، والواقع والخيال، وهي ذات ثقافة واسعة باللغتين الفرنسية والعربية.

ولا يقل " العيلة " عن " مستغانمي " ثقافة، فقد درس الأدب الإنجليزي في بيروت، وحصل على درجة الماجستير من الجامعة العبرية،له كتابات منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية، كما عرف بآرائه السياسية؛ فلم يستطع الفصل بين الفن والسياسة، بل جعل أدبه مرآة لواقع وطنه.

أما عن المنهج الذي اتبعته الباحثة في دراستها ، فقد اعتمدت على النظريات النقدية الحديثة التي تناولت عناصر الرواية، وعلى نظرية التناص والتأثير والتأثر. وقامت بتطبيق هذه النظريات على أعمال كل من الكابتين ابتداءً بأعمال المؤثر " مستغانمي " وانتقالاً إلى أعمال المتأثر " العيلة "، للوقوف على حقيقة التعالق النصي ومدى الالتقاء والافتراق بينهما.

وتأتي هذه الدراسة في أربعة فصول ومقدمة وخاتمة، تنوِّه المقدمة بأهمية التأثير والتأثر، وســبب اختيار موضوع الدراسـة واقتصارها على الجزائر وفلسطين، وعلى " مستغانمي " و " العيلة " تحديداً، إضافة إلى منهج البحث ومحتوياته ، وأهم الدراسات السابقة.

وتتناول الباحثة في الفصل الأول ، التأثير والتأثر في العنوان، علىعنوان " ذاكرة الجسد "بالدراسة والتحليل، في محاولة للوصول إلى دلالة كل من الذاكرة والجسد، كما تبحث في التعالق اللغوي والتعالق الدلالي بين العنوان والنص، وترصد عدد مرات ورود كلمات العنوان في النص وصيغه كل مرة ومعناها، وكذلك عدد المرات التي ورد فيها العنوان كاملاً بنصه وكلماته، ومعنى كل مرة، كما تبحث في العنوان الغائب ودوره في تشكيل المعنى. ثم تنتقل إلى رواية " غزل الذاكرة " لتطبيق ما سبق ذكره على هذه الرواية، لرصد مدى التناص بين العنوانين في التركيب، والمكونات والمعنى.

أما الفصل الثاني الذي جاء بعنوان: التأثير والتأثر في تقنيات السرد واللعب الروائي، فتتناول الباحثة فيه تقنيات السرد باعتبارها ثاني محطات التأثير والتأثر بين الكاتبين، فتأتي على البنية الشكلية لكل رواية من روايات " مستغانمي " من حيث عدد صفحاتها، وأحجام فصولها، وعلاقة كل فصل بما يليه. كما تتناول الصيغة السردية والضمائر التي تسرد بها كل رواية، وتفصل الحديث عن السارد والمسرود له، وعلاقة الراوي بالمروي؛ إذ يجعل السارد نفسه محوراً لسرده. كما تبحث في زاوية الرؤية، وما ينتج عنها من تعدد في مستويات السارد. ثم تنتقل لدراسة العناصر ذاتها في روايات " العيلة "

تشير الباحثة في بداية هذا الفصل إلى روايات عربية وفلسطينية، اتخذت ضمير المخاطب صيغة سـردية، ومارست لَعباً روائياً، كالذي عند " مستغانمي "؛ لإثارة تساؤل فيما إذا كانت "مستغانمي" قد قرأت لهؤلاء وتأثرت بهم، أم كان تأثرها بالأدب الفرنسي، فقط؟ كما تشير إلى تأثر " العيلة "، باستخدامه الرمز في روايته " زمن المرايا "، بالروائي الفلسطيني " اسحاق موسى الحسيني "، وذلك لبيان مدى دائرية التأثير والتأثر.

كما تأتي على اللعب الروائي عند " مستغانمي " وأثره في " العيلة " ومن ذلك تماهي الكاتب مع أبطال روايته وعدم تماهيه، ومدى التشابه والاختلاف في روايات كل منهما، ومدى تعالقها الذاتي.

ويأتي الفصل الثالث: بعنوان التأثير والتأثر في بناء الزمان
تقف فيه الباحثة على البنية الزمنية لكل رواية من روايات الكاتبين، و على ملامح اللعب الزمني عندهما، وأثره على نفسية الراوي والشخصيات كما تتناول تداخل الأزمنة، زمن الكتابة، وزمن الحاضر الروائي، والزمن الماضي، وترصد أهم المفارقات السردية، لتوضيح علاقة الاسترجاعات والاستباقات، بالزمن الحاضر وزمن الكتابة، لبيان مدى تشابك الأزمنة وتداخلها.

وتقف الباحثة في الفصل الرابع الذي جاء بعنوان التأثير والتأثر في بناء المكان ورمزية المرأة تفصيلات بناء المكان عند كل من " مستغانمي " و " العيلة "، وذلك من خلال دراسة حضور المكان وغيابه في كل فصل من كل رواية، ودلالة ذلك، كما تبحث في تغير رؤية الشخصية للمكان عبر الأزمنة والأحداث، وتأتي على ما في كل رواية من مقارنة بين الأمكنة، لكشف مدى المفارقة التي تطال السكان والنساء والعادات، كما تبحث في أنسنة كل من الكاتبين للمكان، وعلاقة الأخير بالشخص الذي يسكنه، وفي الإيقاع المكاني وعلاقة الأمكنة المفتوحة والمغلقة بالأحداث.
ثم تأتي الباحثة على رمزية المرأة وعلاقتها بالمدينة، الأمر الذي حضر عند كل من الكاتبين، وقبلهما عند " درويش " الذي جعل المرأة رمزاً للمدينة.

وتورد الباحثة في الخاتمة أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة فتؤكد حتمية تلاقح آداب الشعوب وتعالقها فلا يستقل عمل بذاته، بل يتأثر بما سبقه ويؤثر فيما بعده، فقبل أن تؤثر " مستغانمي " في " العيلة "، تتأثر بكتاب عرب وفلسطينيين، أيضاً، بوعي أو بغير وعي، الأمر الذي أشارت إليه الدراسة، فهي مثلاً، تتأثر بـ " محمود درويش " في جعل المرأة رمزاً لمدينتها، إضافة إلى استخدام ضمير المخاطب صيغة سردية لنصها، فقد استخدم " درويش " هذا الضمير في كتابة النثري " يوميات الحزن العادي "، واستخدمه، أيضاً، الكاتب الفلسطيني " عادل الأسطة " في روايته " تداعيات ضمير المخاطب "، كما مارست " مستغانمي " لعباً روائياً شبيهاً بذاك الذي مارسه الروائي الفلسطيني " إميل حبيبي " في روايته " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل "، إضافة إلى أسلوب الرسائل الذي اعتمده هذا في روايته، وجعلته هي إحدى تقنياتها السردية، ومن ذلك تأثرها باللعب الروائي الذي مارسه الروائي الفلسطيني " جبرا إبراهيم جبرا " في روايته " يوميات سراب عفان "، وبما فعله " نجيب محفوظ " في روايته " ثرثرة فوق النيل ".
وعلى الرغم مـن كون نصوص " مسـتغانمي " هـي صاحبة التأثير الأكبر عـلى
" العيلة "، يتأثر بغيرها من الأدباء فهو ، مثلاً، يتأثر في استخدامه للرمز في " زمن المرايا " بالروائي الفلسطيني " إسحاق موسى الحسيني " في روايته " مذكرات دجاجة "، ويتأثر في لعبه الروائي الذي يمارسـه في الفصل الأول من هذه الرواية، بالروائي الأردني " مؤنس الرزاز " في روايته " اعترافات كاتم صوت ".

وتؤكد الباحثة أن التأثر الذي عكسه " العيلة " في رواياته لم يكن تأثراً سلبياً، ومجرد تقليد لما جاء في روايات " مستغانمي "، بل هو إيجابي أدى إلى إنشاء نص فلسطيني متميز يوازي النص الجزائري ولا يكرره، يسير على خطاه، ويستعير تقنياته ولكن بنكهة فلسطينية بحتة، كما كان الأول بنكهة جزائرية، ولعل افتراق " العيلة " عن " مستغانمي " في بعض المواطن وتأثره بغيرها، يدعم هذا الرأي؛ إذ يفعل، أحياناً، غير ما تفعله، أو يتوسع بجزئية أوجزت هي فيها، أو يستخدم تقنياتها بأسلوب مغاير، ما يشير إلى قدرة إبداعية لديه؛ إذ يجدد ويحوِّر ولا يكتفي بمجرد التقليد.

وتجمل الباحثة مواطن الالتقاء والافتراق بينهما بالآتي:
يتناصّ " العيلة " في عنوان روايته مع عنوان رواية " مستغانمي "، ليس فقط في كلمة ذاكرة، بل في كلمة الجسد، أيضاً، التي يعثر عليها في داخل نصه، ويتشابه معها في تركيب العنوان، ومكوناته، ومعناه. كما يتناصّ مع " مستغانمي " في بنائه للنص الموازي؛ فيحيله غلاف روايته إلى غلاف روايتها.
وهو إذ يستلهم كلمات العنوان عندها، يوظفها في نصه لتحمل معاني متقاربة، لأشخاص آخرين من شعب آخر، ولتحكي قصة معاناة فلسطينية لا جزائرية.

ويستعير " العيلة " تقنيات " مستغانمي " السردية، ويحوِّر فيها ليعبر عن همومه الفلسطينية؛ فيسرد بطريقتها تاريخ وطنه وألم شعبه.

بيد أنه يوظف في روايته هذه تقنيات " مسـتغانمي " في روايتيها " ذاكرة الجسـد " و " فوضى الحواس "، فبينما يستعير البناء الشكلي للأولى ليشكل الإطار السردي العام لروايته، إذ يتولى " نبيل " زمام السرد متوجهاً به إلى " عايدة "، نستمع إلى كل منهما يسـرد عن ذاته بالأنا، يحكي طفولته وشبابه وأفكاره وانفعالاته، مخاطباً الآخر، فنتعرف عليهما من الداخل وكأنهما يتناوبان على السرد، على الرغم من أن حديثهما لا يعدو كونه حواراً، الأمر الذي تفعله " مستغانمي " في روايتين.

وفي مجال اللعب الروائي يتماهى كل منهما مع أبطاله، " مســتغانمي " مع " حياة " و " العيلة " مع " نبيل "، وتتعالق نصوصهما وتتناص أجزاؤها في الأحداث والأبطال ومصطلحاتهم الكلامية، ويكون لكل نص حضور مثبت في الآخر.

وبينما يتشــابه " العيلة " في روايته " زمن المرايا " مع " مســتغانمي " في روايتها " فوضى الحواس " حيث يجعل فصله الأول خارج قصة نصه، يختلف عنها في طبيعة المضمون؛ إذ تجعله هي قصة قصيرة كتبتها البطلة، ويجعله هو مكاشفة بين شخوص الرواية وراويها
وبينما تقتصر المقارنة بين الأزمنة عند " مستغانمي " من خلال " خالد "، على حال الجزائر قبل الاستقلال وحالها بعده مباشـرة، وبعد ربع قرن، تتسـع المقارنة في " غزل الذاكرة " باتساع مراحل صراع الشعب الفلسطيني، فيقارن " نبيل " بين أحداث 1948، وأحداث 1967، وبين حال الوطن قبل حرب 1997 وحالة بعدما، وبين حال الوطن في أثناء الثورة والمقاومة وحاله بعد توقيع اتفاقيات السلام.

ويتناصّ " العيلة " مع " مستغانمي " في بناء المكان، يفتّته مثلها، فلا يلتزم مكاناً واحداً، بل يراوح بين مكان حاضر وآخر مستحضر، كما تختلف دلالة المكان عنده باختلاف الزمان والأحداث. ويلجأ في بنائه للمكان في " زمن المرايا " إلى الرمز الذي لم تفعله هي، فيطلق على أماكن معينة في روايته، أسماء أماكن أخرى من الواقع، كان لها وضعية خاصة، ويدمج مجموعة من الأماكن في اسم واحد يعبر عنها.

ويجعل كل من الكاتبين المرأة رمزاً لمدينتها وللوطن كله، ترحب المرأة بهذه الرمزية وتؤكدها عند " العيلة "، وترفضها وتفضل واقعيتها عند " مستغانمي ".

كما تؤكد الدراسة فشل العدو الصهيوني في عزل فلسطين عن البلدان العربية؛ فظلت، على الرغم من وسائل القمع التي يمارسها، نجمة في سماء العروبة، وظل أدباؤها يتابعون ما يجري على الساحة العربية، يؤثرون ويتأثرون.

وانطلاقاً من اعتبار الكتابة فعل مقاومة، يكون الأدباء الفلسطينيون قد نجحوا في مقاومة الحصار الصهيوني المفروض على أقلامهم.
وتأكد الباحثة في نهاية الدراسة أن الباب يظل مفتوحا ً لدراسات أخرى، تكمل ما في هذه الدراسة من نقص، إن وجد، وتسد فجواتها، كما يظل الطريق متاحاً لمزيد من السالكين، ولكل من أراد أن يضيف؛ فعلاقة الأدب الفلسطيني بغيره من الآداب الأجنبية والعربية، يحتمل أكثر من دراسة ويحتاج غير قلم.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى