الاثنين ١٦ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم ثامر إبراهيم المصاروة

تجليات المقاومة والصمود في «حلم المسافات البعيدة»

رصد الراوي سليمان القوابعة صورًا للصمود والمقاومة للجيش العربي الأردني بجميع فئاته، سواء أكان على صعيد صمود الإنسان العربي الأردني في فلسطين أم في بلدان عربية أخرى محتلة من قبل العدو.

ففي تلك الرواية سجّل القوابعة صورة كفاح الجيش العربي الأردني، واستماتته في الجزائر والقدس، وتضحياته في الخليل ورام الله وباقي مناطق الضفة الغربية لنهر الأردن، دفاعًا عن عروبة فلسطين.

كما نجد فيها صورًا دقيقة للعمليات العسكرية ومبادرات الجنود الشجعان اللذين استبسلوا لفك الحصار، وتحقيق الاقتحام الناجح، وهذا بالتنسيق مع المناضلين الطوعيين في جميع أنحاء البلاد العربية.

فظلت صورة مذبحة (سطيف) في الجزائر تراود الكاتب؛ لأن أخرج لنا هذا العمل الروائي المناضل، فجسد صورة بطله (خلف بن خلف بن جابر) في الالتحاق مع المتطوعين في الجزائر دفاعًا عنها، وطلبًا للتحرير والاستقلال.

وتظل تلك الصورة الزاد الذي يدفع هذا البطل بالاستمرار لمواصلة طريق الكفاح والمقاومة والتحدي، فلقد عقد الكاتب على البطل كل الآمال في التحرير والنجاة، وفي رأيي كذلك القارئ إذ عقد آمالاً كبيرة على عاتق البطل في الدفاع عن تلك البلاد المحتلة.

فكان البطل الذي انسلخ من ذهن الكاتب بطل جماعي، أي بطولة جماعية أو يمكن أن تسمى بـ(بطولة شعب)، على الرغم من أن البطولة الفردية لم تنجح عند الكاتب وهي بطولة (خلف بن خلف)، إلا أن حركة الجماهير الكلية، والفعل العام في مواجهة العدو هي من نجحت في الجزائر وغيرها.

فتبدأ صورة المقاومة والتحدي منذ قوله"مذياع المساء جالس في محرابهِ في صدر الشق.... تتوالى عبارات المذيع، تشير لمظاهرات في يافا وحيفا والقدس... ويقرع سمعي خبر مذبحة (سطيف) في الجزائر".

وتتعمق صورة المقاومة عند الكاتب من خلال كثرة الشهداء"الناس هناك يضعون للشهداء لحودًا جماعية"، فأصبحت مجزرة سطيف التي نادى بها المذيع حلمًا يراود البطل"تراءى لي الدم ينزف من جوارحي ويحط على الشوارع في سطيف... ونسيت ما رأيت البارحة في المنام من دم أفزعني يغطي وجه ليلى".

ومن هنا تبدأ مقاومة ذلك البطل وترحاله البعيد إلى تلك الأراضي البعيدة تلبيةً للنداء"لم أقل... إن ضجيج المظاهرات والخطب التي تطلب (عودة الأندلس)"، فالبطل يتمنى الوصول مبكرًا لتلك البلاد من أجل حمايتها والدفاع عنها"اللهم زد في عمري كي أصل حد البهجة، وأرد مع الرجال الصاع صاعين وأكثر لمن يستبيح حرمة الوطن".

وهناك يلتقي هذا البطل بمقاوم آخر جاء كذلك الأمر دفاعًا عن الجزائر وهو (فتح الله الزين)،"يا خلف... تسألني... لكني لا أعلم عن أخبار فصائل المقاومين في المطارح الأخرى فهي في مرحلة التكوين... ونحن كذلك".

ويدلنا ذلك على أن المقاومة كانت في كلِّ مكان، إلا أن قوتها ما زالت في نضوجها المبكِّر، فيسرد لنا أمكنة المقاومة هنا وهناك،"فيكون لمجوعتنا حراك بين السفوح الجنوبية لجبال أطلس وهضاب أولاد سيدي الشيخ وقفار الرمل الشرقية التي يوصلنا إلى وادي الميزاب ووادي النسا".

ويواصل البطل حراكه وترحاله لكي يطالعنا على المقاومين هناك، حيث جاء السرد على لسانه فبدأ يوصف لنا مقاوم وصفًا عامًا"أن من يتقدمنا رجلُ طاعن في الزمن، يلتف حول هامته منديل ترتسم عليه خطوات صفراء باهته ومتباعدة، ملامحه الحنطية ضربتها الشمس من وقتٍ بعيد... جبهته تخددها التجاعيد، نظراته الغامضة تلوب بحذر، إنه (العربي بن صالح)".

وتتعمق المقاومة لدى الشعب في مشاركة المرأة في القتال والتجسس على الأعداء،"ثمة نظرة من امرأة ملثمة تلتحق بإزاء... أرسلت لي غمزه، وأنا في طريقي للمركز..."سي خلف... تبارك الله عليك قل لصاحبك امرأة تنتظر"، فقال"اطمئن... هي من فصيلنا الخفي... ومعها لنا حاجة... سيلقاها أحدنا".

فشاركت المرأة بدور الجهاد والتجسس على الأعداء، كما أنها شاركت بتقديم المعونات للمقاومين،"هذه معونة نقلتها لنا (للاّربيعة) فلتتوجه إلى المركز..."، وكذلك قوله"ليتني أرى المناضلة (للاّربيعة)... عادت لي من الخيال ذات الهيبة وسمرة عينها".

والمرأة لم يقتصر دورها على تقديم المعونة والحاجة للمقاومين، بل نزلت إلى ساحة الوغى، واختلطت بالمقاومين والمناضلين، وتجّهزت على أسلحة الحرب،"وقيل... إنها تتدرب على استخدام ناري آخر... وتدير خليته نساء رافده للمقاومين".

كما شاركت المرأة بدور التحفيز والتشجيع للمقاومين من خلال ترديد القصائد والأغاني له في ساحة الوغى،"هي (رحمة)، عندها وعي وطول بال... في كتفها جراب فيه زاد... تعرف المناضلين من وجوههم وتردّد لهم القصيد".

وتتعمق تجربة المرأة المناضلة والمقاتلة في دخولها إلى ساحة الوغى واستشهادها، إذ قدّمت أولادها إلى تلك المقاومة دون خوف أو وجل،"ولم يُكتب لي نصيب أن استشهد في معركة عمواس مثل امرأة هناك... استشهدت كان معها ولدان في مرحلة البلوغ... الصبيان والأم تسلّحوا بالقنابل... وحصلت الشهادة لهم... يا عزة الله".

وتتعدد صور المقاومة والصمود للمرأة العربية، فشاركت في تأبين الشهداء، وممارسة طقوس الرقص والدفن،"هذه المرأة تواجه صف الرقص بخيزرانتها الراقصة، تمارس سطوتها، تتحدّى غياب النجم".

ويرسم لنا القوابعة صورة الوقت المرير، الوقت الذي افتدى به الأهل أولادهم في سبيل تحرير الجزائر،"الثبات في المطارح، أراه فرض عين، وإن اغتسلت بدم أطفالنا كي تحيا الجزائر".

ويعمق القوابعة صورة المقاومة، بمشهدٍ حي يوحي لنا أننا في ساحة حرب وجهاد ونضال،"سلاحي الخنجر تحت إبطي... رأيتُ مقاومًا مثل عفريت طيّار خرج من فوهة جدار، قفز بهراوته على كتف ضابط يقود السيارة، الضابط فرّ مرعوبًا من مقعده، لم يستطع أن يستعين بسلاحه... المقاوم امتطى الكتفين بمهارة.. يضرب بهراوته كأنه خيال في سباق... أنهك ركوبته... هزتني النخوة... ركضت خلف الاثنين، الضابط يلهث، يركض ويمدّ لسانه... أناخه المقاوم، برك الراكض مثل بعير أهلكه المشوار... يلتفت يتحدى بهدوء الأعصاب، تلّ غريمة من ناصيته... استل الخنجر وزرعه في المنحر"، ويوحي لنا هذا النص بعنصر الحركة القوية والسريعة، والتي تُنبأ عن مقاوم متحرر ثائر، أراد أن يحقق طلبه في مقتل ذلك الضابط، بجميع الوسائل والطرق.

فحاول القوابعة رصد مجموعة من صور المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الظالم، فبدت تلك الصور المحور الأساسي الذي تتمركز عليه الرواية، فمن هناك انطلق البطل، ومن أجل الجزائر ارتحل يحمل في قلبه حب المقاومة والانضمام للمناضلين هناك، ولكنّ نلحظ غياب صورة المقاومة له في فلسطين فلم تكن كما يريد المتلقي، وباعتقادي أن السبب في ذلك؛ لأن مذبحة سطيف هي النقطة المفصلية والمحورية في الرواية، ولهذا جاءت الأحداث جميعها من هناك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى