الأحد ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم مصطفى أدمين

جنّنتْه قرْعَة

جنّنتْهُ قرْعَة

أخي عبد الرحيم كان بعقله.
بعد موت أبينا، بقينا في الدار التي أفنى عمره في بنائها. والدتُنا غادرت الدنيا منذ زمن بعيد. هو اختار غرفة معتمة لأنه يحبّ النوم ويكره الضوء، وأنا اخترتُ غرفة لها نافذة صغيرة تُطل على الزقاق. هو يعملُ أيّ عمل يضمن له بضعة دراهم في اليوم، وأنا أشتغل في معمل تصبير السردين بالحدّ الأدنى للأجور. هذا كل ما لدينا.
ذات ليلة دخل وفي يده گـرْعَة بلون برتقالة وأكبر منها قليلا. ضننتُ أنها للأكل، لكنّه دخل بها إلى غرفته وأقفل.
لشهر كامل، صار عبد الرحيم أخي لا يدخل ولا يخرج من غرفته إلا بالمفتاح. إلى أن أطلّ عليّ ذات ليلة وصرخ:«ـ أخي مصطفى؛ تعال بسرعة...» دخلتُ، فتّشتُ، ولم أرَ أيّ شيءٍ يجعله يستسرعني.
ـ ماذا هناك؟ سألتْ.
ـ انظر إليها... إنها تنتفخ.
ـ أنظرُ إلى ماذا؟
ـ ... إلى الگـرْعَة.
تقدمتْ... فحصتُها.
ـ هذه الگـرْعَة عادية... أين المشكل؟
ـ هل تذكر حجمها الأول؟
ـ لا...
قلبتها بين يدي. هناك ثقب أحدثه فيها أخي لسبب مّا.
ـ إنّه خيالُك. قلتُ، وانصرفت.
مرّة أخرى جاء إليّ وعيناه جاحظتان من الرعب:« أخي... أسمعُ أصواتَ ناسٍ داخل الگـرْعَة...».
وفي المرة التي فقد فيها عقله بصفة لا رجعية، سمعتُه يصرخ:«خُويَا مصطفااا...إنّهم يخرجون منها... ها هو رجلٌ كسيح... وها هي امرأةٌ شمطاء... وها هو شابٌّ بندبة على وجهه وسكين في يده... خويا مصطفااا... أعتقني...ها هم عددٌ من الأطفال منهم الأشعث... والمُقلّش... والمخنّنْ... والمُقمّل... وها هو واحدٌ يحملُ حزمة من أكياس الميكا السوداء...وها هو آخر يحملُ علبة مسح الأحذية...»
حاولتُ تهدِئتَه، لكنّه دفعني بقوّة وهرب.
دخلتُ الغرفة... فحصتُ الگـرْعَةَ... لا شيء سوى ثقبٍ فيها صار أكثر اتِّساعاً من ذي قبل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى