الجمعة ١٠ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم صبحي فحماوي

حاتم السيد رائداً مسرحياً

عقدت أمس في منتدى الرواد الكبار ندوة مسرحية بعنوان (حاتم السيد رائداً مسرحيا) تحدث فيها صبحي فحماوي حول المسرح وتجربة حاتم السيد فقال: المسرح هو الحياة، أو الحياة هي مسرح كبير، والتمثيل هو ممارسة الحياة، فعندما نلبس ملابسنا نحن نمثل، وعندما نغير ملابسنا فنحن نمثل، وعندما نتحدث بلباقة فنحن نمثل، وعندما تختفي لباقة الواحد منا فيُهَدد ويتوعد غاضباً فهو يمثل أيضاً.. وعندما يدخل المعلم إلى مدرسته مشدود القامة فهو يمثل، أو الأستاذ إلى جامعته مظهراً قيمته العلمية، فهو يمثل، والخداع تمثيل، وعندما يستلئم القط متحفزاً لاصطياد طائر أو فأر، فهو يمثل، وعندما يتظاهر الذكر نحو أنثاه بالمبادرة والقوة والشجاعة وحسن التصرف، فهو يمثل، وعندما تتظاهر الأنثى بالتجاهل والابتعاد والتمنع أمام الذكر فهي تمثل، وعندما يضع تاجر الخضار بضاعته المتميزة على وجه الصندوق بينما الخضار أو الفواكه التالفة في الطبقة السفلى فهو يمثل، وعندما وعندما وعندما. ممارسة الحياة أيها الإخوة هي مجرد تمثيل في تمثيل..

أعتقد أن الانتباه إلى هذا السر الدفين، هو الذي شغل حاتم السيد منذ طفولته ليقوم بدور الموجه أو المحرك أو المخرج الفني لهذه الحركات الحياتية التي توجز بالتمثيل..خاصة وأن المسرح هو أبو الفنون، ففيه نجد الحوار بالكلمات، والحركات الجسدية بالرقص والانحناء والكبرياء والتذلل والارتماء، وفيه نجد الأغاني، والشعر، والنثر، والقصة والحكاية، والرواية، والحفلات، والرسم، والنحت، والموسيقى، والأرواح، والأشباح، وفيه النواح، والحقائق والخرافات، والفكر، والحكمة، والنور، والظلام، وفيه نعيش فن الحياة.

وحسب ما قال لي، فإن والدة حاتم السيد كانت تريده أن يكون طبيباً أو مهندساً لتكون تكون أم الطبيب أو أم المهندس، ولكنه رأى أن يكون مسرحياً، منذ أن نبتت في ذهنه بذور الفن من خلال المذياع ومضافة أبو محمود والحاج مازن، وفي صوت العرب كانوا يقدمون ألف ليلة وليلة، فكان يقلق في نومه منتظراً ماذا سيصير غداً.

ثم شاهد السينما، وفي مدرسته في الكويت 1964 كان الطلاب يمثلوا تمثيليات وكانوا يشاهدون تمثيليات فؤاد المهندس ومسرح نجيب الريحاني وماري منيب وعادل خيري، فصار لديه دافع لدراسة الفن أكثر من أي دراسة أخرى، فاتجه إلى القاهرة ودخل المعهد العالي للفنون المسرحية، مخيباً ظن أمه. ومن بين أربعة آلاف متقدم كان منهم نور الشريف، ومحمد صبحي وآخرون، قبلو ثلاثة طلاب عرب 1966، ليعودوا إلى بلادهم، فيعملوا نهضة مسرحية، كان أحدهم حاتم السيد.

وبالفعل فبعدما تخرج عاد إلى عمان عام 1971، فوظفه الشاعر عبد الرحيم محمود ليكون مخرجاً في دائرة الثقافة، قسم المسرح، فأخرج حوالي خمسة وعشرين مسرحية في مسارح الجامعة الأردنية، وقصر الثقافة، وفي مسرح المشيني، والمركز الثقافي الملكي، هي حصاد عمره الفني، أذكر منها مسرحيات: الزير سالم، ومسرحية (السحب) لارستوفنيس، ثم عمل مسرحية (عفاريت القرن العشرين)، ومسرحية (الصعلوك) لعلي سالم، ثم مسرحية (قراقاش) لسميح القاسم، ثم مسرحية(المسامير) لسعد الدين وهبة، ثم مسرحية (المهرج) لمحمد الماغوط ، وكان من خلال عمله في وزارة الثقافة يكتب في جريدة الرأي، نقداً للسينما والمسرح والتلفزيون. وأخرج للأديب المصري محمود دياب مسرحياته كلها وهي؛ (اضبطو الساعات) 1976ومسرحية(الغرباء لا يشربون القهوة) 1977، ومسرحية (رسول من قرية تميرا) 1978، ومسرحية (ليالي الحصاد) سنة 1981، ومسرحية (الرجال لهم رؤوس) وهكذا صار عندنا في الأردن مسرح بتعليم من الشقيقة مصر، إذ لم نكن نعرفه هكذا مستقلاً.

وكان محمود دياب قد أعطاه مسرحية (الزباء) ولكنها كانت تحتاج لممثلين كثر يقول فيها بعد سلام السادات(إن أرضاً ارتوت بالدم لا يمكن أن تنبت فيها زهرة حب) ثم أخرج مسرحية (حال الدنيا) لممدوح عدوان سنة 1974 فعرضها في مسرح أبو غريب (الدائري) في المركز الثقافي الملكي، ثم مسرحية(ثمن الظل) لعبد اللطيف شما المأخوذة عن مسرحية (ديرنمات ظل الحمار) فعرضها في المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي ثم في مهرجان جرش ثم في المدرج الروماني في عمان. وأخرج مسرحية (نجيب سرور) بعنوان(أفكار جنونية من دفتر هاملت) وعرضها في المركز الثقافي الملكي 1988 ثم في مهرجان بغداد المسرحي، أخرجت مسرحية (الزبال) لممدوح عدوان فعرضها في المسرح الدائري- أبو غريب- 1993 وأعاد عرضها عام 2009. وفي عام 1992 أخرج مسرحية (نار البراءة) عن قصة قصيرة لمحمود شاهين والتي تتحدث عن عادة عند البدو إذ يلسعون المتهم بنار المحماس ليعرفوا ما إذا كان صادقاً أو كاذباً وعرضها في مسرح (أبو غريب) الدائري. وفي عام 2003 أخرج (انسو يا عالم) عن مسرحية (انسو هيروستراد) للكاتب غاري غوري غرين، وعرضها في المسرح الرئيس للمركز الثقافي، وفي عام 2010 أخرج مسرحية (الميزان) للسوري محمد سليمة وهي ميلودراما ضمن مهرجان الفجيرا، النتيجة 25 مسرحية.

وحاتم السيد ذو شخصية جادة، فهو لا يتقن الديماغوجية، ولا اللف والدوران، ولو كان في مصر صاحبة المسارح العريقة في الستينات، لكان له شأن كبير..وحتى المسارح في في عصر ما بعد السبعين في مصر، لم يُكتب لها التطور، بل واجهت الانهيار، وبالمقابل انطلق المسرح التجاري الكوميدي الرخيص، وهذا ما لا يتقنه حاتم السيد لا في الأردن، وحتى لو كان في مصر أو غيرها، ولهذا استمر بتقديم رسالته بإخراج المسرح الجاد، وأتقن أداءه فيما قدّم، ولكن السباحة في هذا المضمار لم تعد ممكنة، ما دامت الرأسمالية المتوحشة قد جففت معظم مصادر الدعم للمسرح الدرامي والتجارب الجادة، ليس في الأردن وحدها، بل في كل الوطن العربي، وظهرت مؤسسات غربية جديدة تسوق (الحداثة وما بعد الحداثة)، فصارت المشاهد المسرحية تحت مسمى مونودراما، أو المسرح التجريبي، وأصبحت النصوص المسرحية متشظية، وغير مفهومة، وتم تهميش دور الأدب والفنون، لكي لا يبقى لها أثر في تصوير جشع رأس المال، الذي أكل الأخضر واليابس، ولم يبق رغيف خبز للفقراء، الذين صاروا هم البنية التحتية للمجتمع المعبر عن انهياره بما يسمى الربيع العربي.
ولقد حصل حاتم السيد على عدة جوائز هامة أذكر منها؛ جائزة الدولة التقديرية في المسرح سنه 1997، وكُرِّم في مهرجان قرطاج الدولي في تونس، وفي مهرجان الجزائر الدولي للمحترفين 2009، وفي القاهرة 1994 في الملتقى العلمي الأول للمسرح ، وكان عضو لجان تحكيم عربية ودولية في بغداد 1985، وفي تونس 1985، وفي الكويت 2000، وفي عُمان 2004، وفي الجزائر 2009، وشارك في معظم الندوات الفكرية المسرحية التي عقدت في المهرجانات المذكورة.

وحسب رأيه فالمسرح لا يسدد مصاريفه، وطول عمره لم يكن يسدد مصاريفه. ويقول إن هناك معاول هدم كثيرة للمسرح، مثل القنوات الفضائية، ولبقاء المسرح، علينا توظيف تكنولوجيا التلفزة لتخدمنا..وتقديم من خلال التلفاز أعمال روايات عالمية، من المسرح الإغريقي والشكسبيري، لنضخ من خلاله هذه الأعمال، فإننا سننقل الفن المسرحي، ونطوع تقنيات التلفزيون للمسرح..فتصير ثقافة مسرحية عند الناس. لكننا مضطرون للتفاعل من خلال التلفزيون، والحميمية لن نصل إليها إلا من خلال تشويق الناس للمسرح، ولا ننسى أن الجمهور هو جزء لا يتجزأ من العمل المسرحي، ومن إيقاعه.
وأما عن علاقة المخرج حاتم السيد بعمله، فإن أحاسيسه تكون باتجاه العمل. تجده يراقب لمعرفة هل الجمهور متفاعل مع العمل، وهل الممثلون يؤدوا أدوارهم بدقة، ويهمه كمية التصفيق النهائية للعمل. ويكون قلقاً لتحسس مواطن النجاح أو الفشل، وهل الجمهور منفعل أم غير متفاعل، وحسب قوله؛ تجده يكتئب إذا خرج أحد الجمهور من المسرح أثناء العرض، حتى لو ذهب إلى الحمام..
وعن التجريب في المسرح، يقول السيد إن من يملك التجريب هو الذي لديه تجربة طويلة في المسرح وأصبح لديه فلسفته الخاصة به، وممتلك لأدواته الفنية، هذا الذي يحق له أن يجرب، أما واحد خريج أمس، وليس لديه خبرة، فلا يحق له التجريب، بل هو يفعل التخريب وليس التجريب..لأن التجريب هو ابتداع وسائل جديدة لإيصال الأفكار أو المعاني المراد توصيلها من العمل المسرحي إلى الجمهور .الذي هو صاحب المصلحة الحقيقية من المسرح... وعن مستقبل المسرح، يقول حاتم: إن المسرح عمل جماعي يكمل بعضه بعضاً، وهذا يحتاج إلى دعم الدولة، ودعم المبدعين وليس المدعين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى