الجمعة ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم نورالدين فريش

حب محكوم بالإعدام

بكت عين طائرجريح،من آلام الماضي، طائر زجت به الريح في عالم الظلم و الألم، انطفأت أنوار قلبه لسنوات لتشتعل من جديد، معلنة عن الصمود والتحدي بعزيمة تكاد تكون أقوى من الحديد، وقع الطائر في شباك صيادة ماهرة، إنها إنسانة بدت أمام أعينه كجنة الخلد، إلتهمته بنظرات حرقت قلبه، وحركت مشاعره، نظرات البراءة، فسأل نفسه هل وقعت في الحب؟ لم يجد جوابا سوى أنه أصبح في ملك إنسانة ربما تكون ملكة أحلامه، ليبدأ قلبه بالنبضان من جديد، بعد ما ظل خائفا من الحب إذ لم يعرف له طعم في هذا الواقع السوداوي المليء بالشوائب و الظلم.

قرر أحمد السباحة في بحر الحب لإكتشاف أسراره رغم علمه بأنه بحر صعب، إما أن تغرق أو تصبح ذا عاهة دفينة داخل الروح مدى السنوات، إذن إنجلت أوهام الواقع، و تخلص الطائر من قيود ظلت تطارده معلنا الحرب من أجل الحب، لا قيود بعد اليوم، أصبح الطائر حرا، ليبحث عن نفسه داخل هذا الكون، سلم أحمد أمره للخالق، ناسيا أتراحه و دموع السنين الماضية، من أجل مستقبل أفضل رسمه داخل مخيلته المليئة بالآمال و الطموحات، يعرف أن الواقع لا يرحم أحدا. لكن عليك أن تحارب من أجل البقاء... إزداد الشوق و الحنين لتلك الحسناء التي بعثت فيه الروح من جديد، تلك التي أخرجته من عالم الظلمات إلى النور. لم يتحمل أحمد عدم الجول داخل روح حنان لإكتشاف ما بالأعماق من أسرار، ليقرر مفاتحة الحبيبة بعد ما إقتنع أن حياته لا تساوي شيئا من دونها.

فاتح الطائر ملهمته في صباح يوم جميل، ليلقى تجاوبا ملحوظا رغم أن حنان كانت متكتمة جدا، لا يمكنك أن تعرف ما يروج بداخلها. لكن رفع أحمد شعار التحدي و الأمل في الخالق... ظل دوما خائفا من كلمة " إنساني" التي تخرج من بين شفتي حنان تاركة آلاما تنسيه النوم، أصبح إنسانا حاضرا مع الآخرين جسدا لا روحا، والسبب أن الحبيبة إمتلكت روحه النقية، أخذت كل شيء إحساسه، قلبه...كل شيء، لم يعد يحس إلا بأنه ينجذب إليها دون أن يدري، فقد شعوره، عقله إذ لم يعد يتحكم في تصرفاته، ليخطأ الخطأ تلوى الآخر دون قصد إلحاق ضرر بحنان، الإنسانة التي أحب بجنون ولم يجد لحبها دواء، لأنها ملكت حتى الوصفة التي لها فعالية شفائه... استمر العذاب و القلب يبكي بالدم و يسأل: ما ذنبي؟ لم يجد لسؤاله جواب لتقتله الحيرة، لا خيار أمامه سوى مرارة النسيان، إستمر في حرب حب لا له بداية و لانهاية، اضطر لقول كذبتين من أجل جلب حنان أو بمعنى آخر إن حكى عن واقعه في تلك اللحظة ستصده، ربما ستظن أنه من ذوي العقلية السيئة، كتم سرا أضاق جريان الدم داخل شريانه. هل يقول الحقيقة أم يصمت؟ طرح أمامه خيار النسيان و الصبر على الألم و الإبتعاد عن الحبيبة دون قول الحقيقة لكن الضمير كان يطارده.

استمر أحمد في المحاولات لجلب قلب حنان بشتى الطرق، كان مستعدا لشق الحجر من أجل الوصول إلى مفتاح قلبها حتى لو تاه في صحراء لا طريق لها. ليدخل في دوامة الصراع الداخلي، صراع بين القلب و العقل فما يوجد في قلبه هو على لسانه، لكن لا أحد أصبح يحب الصدق، الإخلاص و النية الصافية، كأنهم يتفقون حول مفهوم أن الظلم و الشر هما لغة هذا العصر الأسود الذي لا مناص للهروب منه سوى بإتباع طريق الرحمان التي تنير القلوب و تحيي الأفئدة.

فيا رب ما الذي وقع للطائر المسكين؟ لماذا هذه الأحزان المتوالية، يوما بعد يوم؟ لا يعرف كيف يعيش، أصبح يضحك رغما عنه، والألم يخنق أنفاسه، كان يظن أن وحدة قلبه ستنجلي مع وجود الحب الصادق، الإحساس المرهف، الصفاء القلبي، حيث ترتاح ذاته مع حنان الإنسانة التي أحب بجنون، كان دوما إنسانا حنونا،غدرت به الدنيا، أصبح لا يرتاح منعزلا عن الآخرين، خائفا من أفواههم الجارحة، لا أحد يسلم من ذلك، فإما أن تمشي معهم في طريق الظلم أو يعتبروك شيطانا خرج من جماعة محكوم عليه بالقسوة و التعليقات المتتالية، حتى على أبسط الأشياء لابد من نقذ كأنك أقصوصة لم يلتزم كاتبها بأسس الرقابة، لكن هذا هو الواقع الذي ينبغي ان ننسجم معه رغم أن أنفسنا و أرواحنا ترفضه جملة و تفصيلا...

بدأت تدور عجلة الأيام بسرعة الصوت، بدأ يزداد العذاب و الأنين داخل قلب أحمد فكلما قابل الحبيبة في الثانوية نسي ما يعانيه و ازداد رصيد الحب تضاعفا داخل القلب المجروح المملوء بالحب و الحنان و الشوق...
حتما القنبلة قريبة من الانفجار، و مصير هذا الحب الضياع فأي إنسان يحب بصدق يصبح أسير الألم و الأحزان والمآسي التي لا تنتهي، فكأن حنان تقول لأحمد لا أريدك أن تحبني بقلبك و جوارحك، أريد أن أتعذب في حبك، لم تقدر النعمة التي و هبها الخالق، كأنها تقول للحبيب المعذب، ذق العذاب جزاء حبك لي، ذق ثم ذق و سأزيدك مع الأيام، لم ترحمه رغم علمها بأنه متيم بها حتى النخاع، حاولت قدر الإمكان إحراجه بعنادها، بلامبالاتها، لكن كانت تقتله بكل نظرة تتجه إلى عينه الحزينتين لتزيد العذاب نارا على نار، كم كان بحاجة إلى عطفها، إلى تسامحها و حنان قلبها الذي لم يدر بألم المسكين الذي عانى من ويلات الماضي الذفين داخل سطور ذاكرة مأساوية،

كان بالإمكان أن تبقى قريبة منه، لو أحست به و لو قليلا، لملكت الدنيا، كان أمله كبيرا في حنان لتخرجه من دوامة الحاضر المخيف، ظن أنه سيرسم بقصة حبه لها أجمل اللوحات بأقلام ذهبية، ترك لقلبه الحرية في رسم معالمها، لم يكن أحمد بارعا في المراوغات و التمثيل، تكلم بلغة الصدق التي لا يعرف غيرها، إضطر لقول تلك الكذبتين رغما عنه، لكن مصير حبه ذاك الضياع ثم الضياع في هذا العالم، الذي تسيره الأيادي الخفية، عرف فيما بعد أحمد أن حنان ممن يستمعن للأصدقاء قبل القلب، مع العلم أن القلب و الروح هما الجديران بالتصديق فلا يمكن لهما أن يكذبا عليك أبدا، ظل حائرا، يبحث على أي خيط قد يوصله إلى قلب الحبيبة التي سيطرت على أفكاره و كيانه، فلو كان قلب أحمد بيده لنسيها دون تردد فما يضر بالنفس هو أنه لا يجد دواءا ناجعا مقاوما للحب، دواء إسمه إنسى أعز الأحباب، دواء يخلصه من العذاب، تلك هي لمسة الحب العظيم التي تترك آثارها طيلة العمر، تجاوز أحمد أقاويل الآخرين التي تسير في طريق أن حنان لا يهمها سوى نفسها و غير رحيمة، لأنه كان يصدق دقات قلبه، لأن حنان هي حبه، حب كان يتمنى أن يعيش إلى الأبد ليقضي على أي عقبة تصادف طريقه.

كان الأمل كبيرا أن تعود حنان لرشدها، لتعطيه فرصة يستحقها بكل إمتياز، كمكافئة على ذلك الحب العظيم الذي سكن الفؤاد، لينسي الطائر الدنيا و ما فيها، فكم هي صغيرة الفرحة في قلب أحمد، لا تكاد تبتدئ حتى تنتهي معلنة عن هطول دموع غزيرة من عيون أحمد المعذب في حياته، فكل لحظة تمر دون أن يرى فيها الحبيبة كأنها عشرة سنوات من الوحدة، رغم أن العين تلتقي بالعين كل يوم، ليحاول الطائر أن ينسى حب من جانب واحد، حب عذبه، واضعا حدا لذلك بتغيير الثانوية و العودة، لمسقط رأسه قصد الإبتعاد عن نظرات الحبيبة القاتلة، من أجل النسيان، لكن كأن القدر يقول له عد لا تبتعد فمصيرها أن تقدر يوما ما ذلك الحب العظيم، عاد المسكين لعله يجد الدنيا قد تغيرت و لو جزئيا حاملا معه معاناة لا تنتهي.

… يجد أحمد الحبيبة سائلة إياه عن دواعي محاولته الإنتقال، ليحاول التهرب من قول أنها السبب في ذلك، يقول أنه ضجر من هذا الحي الذي لم يحمل له سوى الذكريات الكئيبة.

...الآن ظهر أن حنان متخوفة من إظهار حبها لأحمد، ربما شعورها اتجاهه متبادل، لكن قد تكون عانت في الماضي ما يجعلها تتخوف من إظهار مشاعرها، فتصرفاتها توحي بعكس ما تقوله، لأن كلامها جلي أنه غامض، فهي تحكي بنبرة إنسانة جربت الحب فآلمها، أقسمت على عدم الاستسلام له من جديد.

ظلت الإتصالات جارية على قدم و ساق بين أحمد و صديقات حنان عله يجد أي جديد يوصله إلى نتيجة ايجابية، لكن دون فائدة، فالنتيجة الإيجابية بدت بعيدة المنال، لأن الوصول إليها يعني الكثير من الحرب بأسلحة فتاكة لا تقاوم.

أدرك الطائر أنه سيفقد حنان بمجرد نهاية السنة الدراسية فمن خلال العطل الدراسية القصيرة بدت لامبالية بالسؤال عن أحمد، الذي كان في أمس الحاجة إلى سماع صوتها كل ثانية، اكتفى المسكين برسم صورتها المحفورة داخل قلبه و مخيلته كل لحظة.
دارت الأيام و يئس الطائر من الواقع مدركا أنه سيفقد حنان على أي حال، لكن يجب أن يخبرها بالحقيقة لو كان أحبها فعلا، تأكد أنه سيخسرها، قرر المجازفة بخسارتها على الاستمرار في الكذب عليها لأنه أحبها بصدق.

كان يظن أن حنان ستتفهم موقفه على الأقل، فلا يهمه أن يخسرها، فقد أذنب في حقها، وحان وقت دفعه الثمن، سارع المسكين بعينين تخفيان الدموع والألم أخبرها بالحقيقة أخيرا، أبدت أنها إنسانة متفهمة فتضحياته كانت بالجملة إحداها قول الحقيقة هاته، ذهبت إلى المنزل تاركة إياه يتخبط في دوامة الندم والخوف من تقلب حالها...
في المساء قرر أحمد الاتصال بصديقة لحنان راجيا إياها أن تذهب عندها لأنه يريد أن يسأل عن حالها. فأتصل الطائر الجريح بحنان ليجدها قد تغيرت بسرعة البرق، وجد إنسانة تخاطبه بلهجة لا يعرف التجاوب معها ليقفل الهاتف، عرف أن كل شيء انتهى لكنه لم يندم لأنه أحب حنان و قدرها بل ندم لأنه أحب من لم ترحمه من رسمها بأبهى الحلل، فقرر العيش بعيدا عن الناس متحملا النظرات المليئة بالاحتقار و الشفقة، وما أفرح أحمد و جعله يتخلص من أحزانه و لو جزئيا هو أنه أراح ضميره، فرضى الله عنه كان أهم من أي شيء في الدنيا حتى إذا كان يساوي ذلك أن تفقد أعز من أحببت إذ لو كان يستحق ذلك الحب لقدر فعلا كل ما قمت به من أجله، لكن أحمد كان إنسانا يستحق الرحمة من الحبيبة لأنه رفض الكثيرات من أجلها، رافضا خوض غمار الحب من جديد، محاولا العزلة و الانطواء داخل الذات لعله يعيش بسلام فالحب أشبه بحفرة عميقة تسقط فيها دون أن تدري فإما أن تصعد منها ناجيا أو تصعد محمولا بجراح و آلام ترافقك طيلة العمر، لهذا حاول أحمد أن يرمي جزءا من الماضي في سلة النسيان الأبدي، وكما قال فيكتورهيجو:"من لم يشرب من بحر التجربة مات من عطش الجهل".
و تستمر الحياة لكن بعلامات استفهام؟؟؟؟؟؟ أبرزها هل كانت ستتمنى أن يكرهها لو كانت في مكانه؟.

و هكذا انتهت قصة حب كان محكوم عليه بالفشل لأنه كان كبيرا، كبيرا لكن من جهة واحدة، لتصبح الذكريات هي مؤنسة أحمد اليومية، واضعا ثقته و أمنياته في الخالق بالنسيان القريب لحبيبة دمرت حياته و انعدم فيها مفهوم التسامح، والرحمة بطائرعانى الكثير جراء الحب العظيم، الذي حمله داخل روحه لها، فحاسبته قبل أن تحاسب نفسها و هي التي حكمت عليه بالإعدام بعدم رحمتها و في الختام وجه أحمد رسالة لحنان كي تبصر في ذاتها إن كانت منزهة عن الكذب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى