الاثنين ١٨ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بعد قرار محكمة القضاء الإدارى..
بقلم أشرف شهاب

حجب مواقع الإنترنت الإباحية فى مصر.. أين تبدأ المواجهة

قضت محكمة القضاء الإدارى يوم الثلاثاء قبل الماضى 12 أيار (مايو) 2009، بإلزام جهة الاختصاص بغلق، وحجب جميع المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت، واعتبرت امتناع الجهة الإدارية، وهى وزارة الاتصالات فى هذه الحالة عن حجب تلك المواقع اعتداء صارخا على أحكام الدستور والقانون.

واستندت المحكمة فى قرارها إلى: "أن ما تعرضه تلك المواقع الإباحية لا يمكن أن يدور فى فلك حرية التعبير، ويعد أبرز صور الإخلال بالمصالح العليا للدولة، والأمن القومى الاجتماعى".

ومع احترامنا الكامل لأحكام القضاء إلا أننا نود أن نوضح مجموعة من النقاط حول قضية حجب المواقع الإباحية على الشبكة.

فى البداية نؤكد أننا لا نؤيد بأى حال من الأحوال انتشار مثل تلك المواقع، إذ أننا نعارض الاستغلال الجنسى لأى إنسان سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا. ونعتقد أن تجارة الجسد من أبشع أنواع الجرائم التى يجب أن يتكاتف الجميع ضدها، لوقفها، ووضع الأسس الأخلاقية والقانونية، لمواجهتها ليس فقط بمحاربة الجزء الظاهر منها، وهو مواقع الإنترنت الفاضحة، بل بمحاربة الأسباب الاقتصادية التى تدفع بالنساء والأطفال دفعا إلى الجنس. كما نطالب بالوقوف فى وجه العصابات المنظمة التى تتاجر بأجساد النساء والأطفال، وكلها ممارسات شجعتها منظومة الاقتصاد، والإعلام الرأسمالى البشع التى حولت أجساد النساء إلى تجارة، وابتسرت صورة المرأة، ومكانتها، وحولتها إلى مجرد ترس فى ماكينة الدعاية، وآلة لاجتذاب الرجل، بتركيزها على الجانب الجنسى.

كما نؤكد أن سياسة المواجهة بالحجب والمنع لن تجدى كثيرا، فبالإضافة إلى استحالة حجب جميع المواقع الإباحية، فإن الأفلام والصور لن تعجز عن الوصول إلى الشباب سواء عن طريق البريد الإلكترونى كملفات مرفقة، أو عن طريق برامج المحادثة، أو عبر برامج نقل الملفات، وغيرها، وكلها وسائل يستحيل على جهة الإدارة مراقبتها أو السيطرة عليها، خصوصا مع عقلية الممنوع مرغوب التى تسيطر على الشباب المصرى. وهنا سيلجأ الباحثون عن تلك المواد إلى ابتكار طرق جديدة للحصول على تلك المواد، كاللجوء إلى برامج كسر الحجب، والدخول فى سباق تكنولوجى للحصول على تلك المواد التى ستتحول فى نهاية الأمر إلى تجارة رائجة لها ملايين الزبائن، الذين سيدفعون الأموال سواء أردنا أم لم نرد. وسنفتح المجال واسعا أمام سوق سوداء جديدة للتجارة فى المجلات والسى ديهات، وهى التجارة التى كانت قد انتهت منذ زمن، وهكذا سنكون قد استبدلنا مشكلة صغيرة بمجموعة من المشاكل الأعمق والأخطر.

كما أن الحفاظ على القيم والأخلاقيات، وما يسمى بالأمن القومى الاجتماعى لا يمكن أن يتم اختصاره فى قرار بحجب تلك المواقع، فحماية قيم المجتمع وآدابه هى سلسلة لا تنتهى تبدأ من التربية السليمة للأبناء، وتحصينهم أخلاقيا ودينيا، وتدريبهم على المواجهة الإيجابية للمشاكل، وهى مشاكل لن تتم معالجتها بقرار قضائى أو بشعارات أخلاقية، لأن المجتمع المنهك اقتصاديا، والمتهتك اجتماعيا لن تردعه عمليات حجب المواقع، فنحن وبكل أسف نحتاج إلى وعى أخلاقى جديد، وتربية هادفة. نحتاج إلى زرع القيم والأخلاقيات الحرة التى تخلق فينا رادعا ذاتيا يمنعنا من دخول تلك المواقع الإباحية. نحتاج إلى جهود عملاقة تبدأ من البيت، وتمر بالمدرسة، وصولا إلى المجتمع ككل. وكلها جهود تحتاج إلى سياسات جديدة.

إن حجب المواقع ليس سوى مواجهة سطحية لقمة جبل الجليد العائم، ولا أدرى لماذا استسلمت وزارة الاتصالات للحكم القضائى، وهل لديها النية لاستئنافه ونقضه أم أنها ستستسلم خوفا من المواجهة، وتقرر الهرب من المواجهة خوفا من أصحاب الصوت العالى، وخوفا من وصمها بأنها وزارة تشجع على الإباحية وقلة الأدب.

أيها السادة، إذا كنتم تريدون حجب المواقع الإباحية بمنطق قررت المحكمة حجب وغلق ومنع، فلا تنسوا أيضا أن تغلقوا جميع خدمات البريد الإلكترونى، ولا يفوتنكم تجريم استخدام جميع برامج المحادثة على الإنترنت، ولا تتوانوا عن حظر جميع برامج نقل الملفات.

أغلقوا جميع القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية لأنها منافذ للخلاعة والمجون.

امنعوا الاتصالات التليفونية المحمولة والأرضية المحلية لأنها بوابة الشيطان للاتصال غير المباح بين الشباب والفتيات الذين يمكنهم استغلالها فى أحاديث غير مباحة. وحبذا لو منعتم أيضا خدمات كروت شحن الموبايل لأن العديد من الفتيات المصريات يقدمن المتعة للراغبين مقابل كارت شحن.

امنعوا الاتصالات الدولية لأن الشباب سيستخدمها للاتصال ببائعات الهوى فى الخارج. أوقفوا استيراد جميع أجهزة التليفونات المزودة بكاميرات،

وامنعوا دخول أى تليفون مزود بتقنية البلوتوث لأنها تتيح للشباب تبادل الملفات التى يمكن أن تكون إباحية..

خذوا ما تريدون من قرارات، لأنكم وبكل أسف لا تدركون أو لا تريدون أن تدركوا أن الشر لا يأتى من الخارج فقط، وأن المجتمع السليم هو المجتمع الحر الذى يمارس فيه كل فرد اختياراته بوازع أخلاقى يكتسبه من المجتمع ومن البيئة المحيطة به، وكلها اختيارات لا علاقة لها بالقرارات الإجبارية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى