الاثنين ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
مروة كريدية في حوار مع «الوقت»:
بقلم مروة كريديه

حوار الحضارات خطابٌ لاهوتي يواجه فقدان التوازن الحضاري

الوقت - نادر المتروك:

الباحثة اللبنانية في مجال الأنثروبولوجيا، مروة كريدية، تذهب إلى أن هناك خللا عميقاً في أشكال الحوار السائد اليوم، وفي نقدها لهذه الأشكال تذهب إلى أن هناك هيمنة لاهوتية متبادلة بين أطراف الحوار، وهو ما يُفقِد الحوارات قيمتها التفاعلية، ويجعلها مورداً غير مباشر لحرب التأويلات التي تنتهي إلى فقدان الحضارة لتوازنها. وفي الوقت الذي تؤكّد فيه كريدية على ضرورة احترام المقدّس عند الآخرين، فإنها تدعو إلى حقّ الانقلاب الثقافي انطلاقاً مع مقولة ‘’الإنسان الكوني’’ الذي يحمل قيمته في ذاته الكريمة، بغض النظر عن انتماءاته الأيديولوجية والنسقية.

 كيف تنظرين إلى مشاريع الحوار التي تنتشر هذه الأيام؟

 عند استعراض بعض مضامين مشاريع ‘’الحوار’’ الحالي، نجد انها ‘’شعارات مؤدلجة’’، تعتمد خطابا ‘’لاهوتيّا’’ يقابل خطابا ‘’لاهوتيا’’ مضادا، لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفشل الذريع. فالعمليات الحوارية السائدة حاليّا لا تؤسّس إلا لمزيد من التشنج، وذلك لعمق الخطأ الفكري والمنهجي الذي ترتكبه الأطراف المتحاورة، لأن مرتكزات ‘’ الحوار’’ ومنطلقاته دوغمائية عقائدية بحتة في معظم الأحيان، كما أن كلَّ طرف محاور ينظر للآخر على أنه ‘’شرّ’’ يجب أن يُقتلَع أو أن ‘’يُطوَّع’’، فالمتحاورون الآن يتحاورون من خلف السياج.

حرب التأويلات

 ما المضامين العميقة لهذا الخطأ الذي يعاني منه الحوار السائد في رأيك؟

 الخطأ في هذه الحالة مُركّب لسببين: الأول أن المنطلقات الحوارية هي نصوص ‘’مقدسة’’، وبالتالي فهي تُفرَض بشكل غير قابل للنقاش أصلا، الأمر الثاني والأخطر هو أنها تُطرح على أنها إلزامية وحتمية بحقّ الآخر، وبالتالي فالأطراف تخرج من الحوار أشد عداءً وأكثر انغلاقاً.

 لابد أن المشاريع الحوارية هذه تقوم على بنيةٍ سياسية سالبة لكي تصبح على هذه الحال السلبية التي تصفين. فما هي في تصوّرك؟

 يمكن القول ان الخطاب السياسي المنبني أو المرتبط بمشاريع الحوار السائدة، هو خطاب مرتكز على قراءة ‘’النص الديني’’ القائم على قراءةٍ أيديولوجيّة بحتة، علماً أن الحضارات بطبيعتها لا تعترف بالحدود السياسية التي تنضوي تحتها لأنها تقوم على ديمومة زمنية، في حين أن موازين القوى السياسية منظورها آني لا ينسجم مع المنظور التاريخي، الأمر الذي يحوّل العالم إلى بؤرة نزاع وصراع لا ينتهي.

هذه القراءة السائدة حاليّا تتولّد عنها أمور خطيرة، ومنها تعميم حقائق أي ‘’أيديولوجية سياسية’’ لا يكون إلا عبر الفوز بالسلطة، فالسلطة هدف مباشر وأساسي. كما تتحول النصوص الدينية في هذه الحال إلى مكان مركزي ‘’لحرب التأويلات’’، وبالتالي لحرب ‘’الحقائق’’ وتحصيل حاصل لحرب ‘’السلطات’’.

وفي هذه الحال أيضا؛ تتماهى الحقائق والقوة، فتصبح المعارف سلطة، والسلطة معرفة، وتصبح معها ‘’القراءة الأيديولوجية’’ وسيلة سيطرة وتفوّق. وينبني على هذه الأمور؛ أنّ منْ يدعي ‘’المعرفة’’ يمتلك ‘’السلطة’’ لأنه يمتلك ‘’الحقيقة’’، وهي تمثل بالنسبة له ‘’الحقّ’’ المتمثل ‘’بالنص الديني’’ الإلهي، وبناءً عليه فهو يُفسّر أي تعارض مع هذه ‘’السلطة’’ بأنه تعارض مع ‘’الحق’’ وبالتالي تعارض مع ‘’الإرادة الإلهية’’، وبالتالي هو يمتلك الحق في ممارسة ما يراه ضروريًّا لإحقاق ‘’الحق’’ فتصبح ‘’الحرب’’ مسوّغة ويصبح ‘’العنف’’ مشروعًا وحقًّا وتطلق على ذلك المسميات المعروفة، مثل ‘’الحرب العادلة’’ أو ‘’المقدسة’’ أو غير ذلك من التسميات المؤدلجة.

إذن فإن ما نشهده اليوم على الساحة العالمية، هو أننا نسير باتجاه عالم مغلق تتحرك فيه ‘’أيديولوجيات’’ و’’عقائد’’ بل و’’مذاهب’’ متصارعة ومتنافرة، وأن ما نشهده هو باختصار ‘’لاهوت سياسي’’ وحروب متوالدة.

فقدان التوازن الحضاري

 هناك فقدان توازن حضاري، وبالتالي لا معنى للحوار. هذه نتيجة حاضرة من كلامكِ السابق.

 إن السبب الرئيس في فقدان التوازن الحضاري، هو انعدام الحوار بين الثقافات والحضارات العالمية، والذي يتحمل مسؤولية فشله كلُّ أطياف الحضارة الإنسانية. نعم، هذه هي نتيجة الكلام السابق.

 وكيف الخروج من ذلك؟

 التواصل والتفاعل الإيجابي يُعد من أفضل المناهج للخروج من أزمة اختلال التوازن والانتظام الذاتي للحضارات وللإنسان على حدّ سواء، وهو التفاعل القائم على تقديم ما هو عملي، وهو دليل على أن الثقافة قابلة لأن تستجيب لحاجات أبناء الثقافات المغايرة، وتقديم الحلول للمشكلات التي تعجز بعض الحضارات عن حلها، ولن يحصل ذلك إلا بوضع المشترك بين أبناء هذه الثقافة وأبناء الثقافات الأخرى لتكون بمثابة الجسور التي تؤدي إلى الاندماج الإيجابي المنبني على أساس الخصوصية والاستقلال والفعل والتفاعل.

إنّ عملية احتواء الصراعات الثقافية والحضارية ونشدان الصيغ الإنسانية للقضايا المتنازع عليها لهي ضرورة حضارية أكيدة.
ومن جانب آخر، فإن على الأطراف كافة التخلي عن ‘’الفوقية’’ ونزْع وهم ‘’النخبوية’’، وعلى حكومات الدول الغربية السعي الجدي لإحداث التواصل الفعلي والبناء، إنْ هي أرادت أن تحافظ على مصالحها كافة بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، وأن تتعامل مع العالم الإسلامي من باب التواصل لا أن تتعامل معه بعقلية المتفوّق المستعمر المسيطر، وعليها أن تقدم لشعوبها مفاهيم واضحة عن أبجديات الثقافات الأخرى، وتفتح لهم أفق التحاور الجاد، وعدم المساس بما هو ‘’مقدس’’ عند غيرهم من الحضارات الأخرى .

حق الانقلاب الثقافي

 لكن الأزمات لا تزال مستمرة، والأخبار كلّ يوم تقدّم الجديد على هذا الصّعيد!

 إنّ الخطوة الأولى في تخفيف حدّة الأزمات تبدأ بالإقرار بأنّ الانقلاب الثقافي العميق مطلوب للحضارات الإنسانية كافة للتغلب على الصراعات الدائرة.

واليوم نشعر بالحاجة القصوى لاستخدام كل مناهج العلوم الاجتماعية وإمكانياتها المعرفية بل ونتخطاها من أجل التفكير بالمضامين التاريخية الموضوعية، وبالثقل الجيوبوليتيكي، وبالمثل العليا، وبالآفاق المستقبلية، خصوصا فيما يتعلق بعلاقتنا مع الحضارات الأخرى، ولا بد من التركيز على جدية الطرح وعلميته، وليس الاكتفاء بتلك الخطابات الأيديولوجية التي تهيمن حتى على بعض المفكرين، ولهذا السبب لا بد أن نعيد التفكير في هذه الخطابات؛ لكي نحِلّ الواقعية محلّ الصورة الأيديولوجية، وينبغي أن ننظر إلى الأمور من خلال منظورات لم تُعرف من قبل، وذلك لكي نقدّم صورة أخرى عن الإنسان أينما كان سواء كان في المشرق ام المغرب وبغض النظر عن معتقده.

الإنسان الكوني

 بصورة إجمالية، ما هي رؤيتك الفلسفية للحوار المنتج في هذه المرحلة الراهنة؟

 رؤيتي الشخصية تتبلور من خلال طرح مُقترب علمي وثقافي واجتماعي جديد يتناول الأنساق المؤسِّسة لمناهج المعارف الإنسانية كافة، فيتخللها جميعها ويتخطاها في آن معاً، وذلك من خلال افتراض مُسبق لذهنية منفتحة فتتحاور وتتصالح مع كلّ ما يحيط بها، وترتكز على صوْن كرامة الإنسان، بغض النظر عن أي انتماء له، سواء كان انتماء فكريا عقائديا أم جغرافيا سياسيا، لأن الإنسان - بنظري - ذو بُعد كوكبي كوني، وهو مظهر من مظاهر التجلي الوجودي، وظهوره على الأرض وانتمائه الى حضاره واعتناقه لأية عقيدة ليس إلا مرحلة من مراحل تاريخ الكون، ولكلّ إنسان الحقّ في انتمائه إلى ثقافة متجسدة من خلال طرح عبر ثقافي قائم على التأسيس لاحترام التنوعات الفردية والجماعية التي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض.

وهذه صيغة جديدة للعلاقة بين الثقافات والحضارات الإنسانية تمرّ عبر تصحيح علاقة الانسان بالطبيعة بالواقع بالآخر، وقبل كل شيئ بنفسه وذاته التي تنطلق من مفهوم أنه لا وجود لـ ‘’أنا’’ و’’هو’’، وفكرة الذات مقابل ‘’الذات’’ لتتعارض معها غير موجودة، والآخر هو أنا، والذات قابلة للتغيير والتبديل، وبناء عليه فإن الحضارة الأخرى والمفاهيم والأيديولوجيات كلـــها وكلّ ما يحمل هذا الآخر من مخزون حضاري ممكن أن يدخل ويمتزج مع الذات فيغيّرها ويطوّرها أو لا يطوّرها.

الوقت - نادر المتروك:

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى