الأحد ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد البوزيدي

حوار مع القاصة فاطمة بو زيان

لماذا الاحتفاء بالليل كعنوان خاص للمجموعة القصصية الجديدة؟

هذه ليلتي هو عنوان قصة من قصص المجموعة واختياري أن ينسحب على مجموع النصوص ليكون عنوان المجموعة، و ربما يمكن تفسير ذلك من زاوية رغبتي في أن تكون لي ليلة قصصية مثلما كان لشهرزاد ألف ليلة وليلة، وعلى المستوى الشخصي الليل هو المساحة الزمنية التي أشعر أنها ملكي بشكل مطلق لأني أكون قد تحررت فيه من سلطة اليومي مثل مواعيد العمل مواعيد الأكل ووو... ولهذا هو فسحة للتأمل والهدوء و الكتابة والتخيل.

من ناحية أخرى فعلاقتي الذهنية الأولى بالقصص ارتبطت بالأحاجي وحكايات الجدات، وقد جرت العادة أن النساء يروين الحكايات والأحاجي في آخر المساء بصوت هامس هكذا إذن اقترنت القصص في تصوري بالليل الذي كانت والدتي تروي لي فيه أحاجي خرافية لها أطياف مرعبة.

بعد همس النوايا تأتي المجموعة الأخرى هذه ليلتي مالاضافة النوعية التي حملتها المجموعة الصادرة حديثا :هذه ليلتي إلى تجربتك الشخصية والى المشهد الأدبي بالمغرب؟

رغم أنه من الصعب أن أتحدث أنا عن الإضافة التي تحملها المجموعة القصصية هذه ليلتي على اعتبار أن تلك مهمة النقاد، لكن أظن انه على مستوى التيمات هناك تيمات جديدة إذ أن المجموعة ترصد بأشكال مختلفة المفارقات الاجتماعية والتحولات العاطفية في عصر المحمول والفضائيات والانترنيت.

أما على مستوى الشكل أظنني نوعت إلى حد ما في تقنيات الكتابة وبذلت جهدا تقنيا في كتابة النصوص بشكل غير نمطي وتقليدي لممارسة تجريب متوازن في كتابة نصوصي القصصية -على حد تعبير الناقد محمد المعادي في ورقته التقديمية لمجموعتي في احدى الملتقيات - إذ في كل نص أكثر من حكاية وأكثر من عنوان وأجنح دائما إلى الخلط بين البدايات والنهايات، والتشذر والتمفصل وتوزيع النص عبر فقرات.

هذا التوجه كنت بدأته في همس النوايا لكني طورته بشكل يناسب قصص هذه ليلتي، أعرف أنها أشكال ربما ترهق القارىء المتلهف الى قراءة قصة فيها حكاية لها بداية وفي وسطها عقدة تنحل في النهاية، لكن يمكن تأويل ذلك من قناة تشظي الواقع والفراغ الايديولوجي وتشعب الحياة نفسها، ودخول التكنولوجيا على خط الحياة بشكل عميق واتمنى ان اكون وفقت في ذلك.

في إصدارك الجديد يتقاطع الشعر مع القصة هل الأمر مرتبط بجنس جديد في الكتابة الأدبية يمكن تسميته بالقصة الشعرية؟

في الواقع علاقتي بالشعر علاقة عشق دائم وكنت أتمنى أن أكون شاعرة ولكن غواية شهرزاد سكنتني رغم أني نشرت نصوص شعرية في بداياتي وفي همس النوايا عناية جيدة باللغة ومزج بين اللغة الشعرية والنثرية وأعتبر أن ميزة القصة كجنس ادبي أنها قادرة على الاستفادة من كل الأجناس الأدبية فتأخذ من الشعر انزياحاته وتناص صوره الشعرية ومن المسرح عنصر الدراما ومن الرواية دقة الانتباه ومنطقية الأحداث..

النص القصصي اذن ينفتح على كافة الطرائق السردية والاجناس الأدبية، ومنذ بدأت الكتابة كنت أعتني باللغة وقد اتهمت في مجموعتي الاولى بالافراط في شعرنة اللغة ولهذا خففت من ذلك في عملي هذه ليلتي، لكن اعتقد ان اللغة السردية الشعرية مسألة تناسب القصة لان اللغة الجافة المباشرة هي لغة المقال الصحفي، والقاص الجيد هو الذي يمنح لمفردات اللغة أبعاد مجازية وجمالية حتى تصبح الكلمات ذات مفكرة وليس مجرد كلمات لها معناها القاموسي فقط.

لماذا هذا الإقبال على القصة بالدرجة الأولى مقارنة مع الشعر والرواية والتشكيل؟

الملاحظ من خلال الاصدارت والملتقيات ان هناك فعلا اقبال على القصة وحركة قصصية نشيطة اعادت لجنس القصة اعتباره وربما لأن القصة بحكم حجمها وقدرتها على الاقتناص والتشخيص وشد الانتباه في وقت وجيز أنسب لعصر نا الموسوم بالسرعة والمفاجآت.


ما هي طقوس الإبداع لديك؟

ليس لدي طقوس ابداعية محددة بشكل صارم لكن يمكن ان اتحدث عن تفضيلي الليل للكتابة والإنصات للموسيقى الكلاسيكية اثناء الكتابة لكن بوسعي الكتابة في ظروف مختلفة إن نضجت الفكرة او توهجت في ذهني حتى وان لم تتحقق هذه الشروط.

كيف تنظرين لأدب الجسد الذي انتشر بكثرة في السنوات الأخيرة؟ألا يبخس الأدب بعضا من قيمته الإنسانية؟

أعتبر أن الاشتغال على الجسد كان ومازال موضوع الإبداع في الأدب الجاهلي كما في الأدب الحديث في النحت كما في القصة وفي الشعر كما في التشكيل ولدى الأقلام النسائية والذكورية على حد سواء إنما هناك أقلام لم تستوعب –أو لا تريد- التجربة الإبداعية وشروطها الفنية ومن ثم تسقط كتاباتها ليس في شرك الإثارة وإنما في شرك المباشرة، ويحضر الجسد بشكل مجاني لا ينتج أي دلالات إبداعية مغايرة، إن اشتغال المرأة على الجسد أشبه باشتغال الطبيب عليه فهو يفحصه ويعريه ويسأل صاحبه وقد يتحدث الطبيب عن العلاقة الجنسية بكل تفاصيلها والأعضاء التناسلية بكل تفاصيلها مع ذلك لا يمكن أن نتصور في ذلك إثارة لان المشهد كله محكوم بغاية وسياق معين لهذا أعتقد أن على المبدع وهو يشتغل على الجسد أن يكون محكوما بسياق فني وإبداعي وليس لمجرد الإغواء وإثارة الانتباه وعلى المتلقي من ناحية أخرى أن لا يتمثل الخطاب الإبداعي إلا في سياقه وضمن شرطه الفني وغايته وليس كتجربة واقعية وحسية من صميم سيرة المبدع أو المبدعة لأن سوء تلقي التجربة الإبداعية النسائية بالخصوص في الغالب الأعم هو ما يخلق وهم الإثارة وليس التجربة الإبداعية ذاتها.


كيف تقيمين الإبداع النسائي المغربي في الألفية الثالثة؟ وما مدى حضور المرأة في المشهد الثقافي والإنتاج الفكري؟

بالنسبة للكتابة النسائية عرفت الحركة القصصية في العقد الأخير دخول أقلام قصصية مؤنثة كسرت هيمنة الذكور، بالنسبة للألفية الثالثة هناك أسماء جديدة مثل خديجة اليونسي منى وفيق عائشة بورجيلة نجلاء البقالي.. ورغم أهميتها وجودة ما تكتبه القاصة المغربية بل والطريقة الرائعة التي تقرأ بها القاصات نصوصهن في الملتقيات مع ذلك يمكن أن نتحدث عن ندرة الأقلام النسائية التي تكتب القصة والتي تدخل غمار النشر ويمكن أن نتحدث أيضا عن عدم الانتظام في الكتابة والنشر إذا لم تحقق معظم القاصات إلى حد الآن تراكم فعلي في عدد المجاميع المنشورة ربما بسبب صعوبة التوفيق بين متطلبات الحياة الأسرية ومتطلبات الكتابة الإبداعية.

الملاحظ في الكتابة النسائية المغربية، أن كل قاصة تظل وفية لخطها السردي وهذا ما يسقطني كقارئة متتبعة للمتن القصصي النسائي في الروتين، ثمة حكايات وموضوعات أصبحت ماركة مسجلة مقترنة بأسماء معينة، أظن أن كل كاتب عليه أن ينتبه كي لا يستنسخ نفسه عدة مرات.

هل يمكن الكتابة بعيدا عن الايديولوجيا؟ ألا تفرغها في نظرك من حمولتها الضرورية ورسالتها المجتمعية الخاصة؟

أعتقد أنه لا يمكن الكتابة بعيدا عن الايديولوجيا بشكل مطلق إنما يمكن الكتابة من خلالها دون أن تكون هي هدف الكتابة أو لأجلها نكتب، من هنا الكتابة تكون فنية وإبداعية أكثر وربما لهذا علاقة بالوضع السياسي والاقتصادي والثقافي، مثلا في فترة الاستعمار انشغل القاص بهموم الوطن المغتصب على اعتبار ذلك هما جماعيا كبيرا تذوب أمامه وفي خضمه الهموم الصغيرة، لكن بعد الحصول على الاستقلال أصبح حلم تأسيس مجتمع قائم على الديمقراطية بعيد المنال و ستتراكم الخيبات التي ستفرض ظلالها على القاص الذي سيكتشف تراجع الوضع الاعتباري للمثقف في مقابل تنامي مركز السياسي وتضاؤل سلطة الثقافة أمام سلطة المال لهذا سيحضر الهم الفردي في المتن القصصي عوض الهم الجماعي والاحتفاء بالمعيش اليومي في تفاصيله الصغيرة عوض الكبيرة خاصة أنني وأنا اكتب أدرك أن الكتابة ليس بوسعها التأثير في المجتمع أو تغييره أنني أحاول فقط التعبير عن تفاعل لغة الذات المبدعة مع لغة المجتمع مع لغة المؤسسات الآمرة مع لغة الأخلاق، إن تراجع الوضع الاعتباري للثقافة والمثقف يجعل الكاتب من حيث لايدري منشغلا بالكتابة وأسئلتها وفنيتها ويحمل نصوصه همومه ككاتب وهموم الكتابة خاصة وانه لم يعد يؤمن بالمفهوم المثالي للفن والإنسان و الوطن واستتبع ذلك على مستوى الشكل تدمير قدسية اللغة من خلال المزج بين اللغة الشعرية والنثرية وبين العربية الفصحى والدارجة بل وتوظيف لغة الوسائط التكنولوجيا والاستعمال المكثف للضمير المتكلم وتداخل صوت القاص مع صوت السارد وتشذير النص والانفتاح على تقنيات السينما والمسرح لكن بالطبع هذا لايعني أن كتاباته بلا حمولة أو مترفعة عن هموم المجتمع لان الكاتب هو يتحدث رغم كل شيء عن ذوات من داخل المجتمع وهمومها في تفاعلها مع المجتمع فقط يفعل ذلك بشكل غير مباشر أو صارخ إنما بشكل فني وإبداعي مدروس

من أبرز الأنشطة المرتبطة بالقصة حفلات التوقيع على الإصدارات الجديدة، لماذا يكون الحضور قليلا ونخبويا مقارنة مع باقي الأنشطة الأخرى؟

بالنسبة لي أعتبر أن القصة القصيرة نخبوية وغير جماهيرية وأظن من الأفضل أن يحضر في أنشطتها المهتم بها والمتتبع لمسارها والعارف بتقنياتها إما لأنه يكتبها أو يعشقها اويبحث فيها كطالب جامعي أو ما شابه، لأن الأمر لا يتعلق بكرة القدم أو بشعر حماسي ثوري مثلما لا يمكن أن تنتظر حشود من الزوار في معارض الفن التشكيلي أو حفلات الموسيقى الكلاسيكية.

هل تعكس غزارة الإنتاج الأدبي نهضة أدبية حقيقية؟ أم أن الأمر يتكسر على ضفاف نسبة الأمية بالمغرب؟

هناك حركة أدبية لأن الأدباء والكتاب اختاروا التضحية بأموالهم وراحتهم كنوع من التحدي لحالة الجمود التي تعرفها المؤسسات الثقافية، في المقابل على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في محو الأمية وإعادة الاعتبار للفعل الثقافي لأن الاستمرار على هذا النهج قد يدفع الكتاب إلى اعتزال الكتابة وهذا موت حقيقي للمجتمع لأنه لامجتمع بلا قيم جمالية وإبداعية وممارسة ثقافية يومية

يعيش العالم العربي حاليا أزمة ديموقراطية، وبالمقابل يشهد نهضة إبداعية متميزة، أين تكمن المفارقة في ذلك خاصة أن الإبداع مرتبط بالحرية والديموقراطية؟

لاشك أن هناك حالة انفراج سياسي في العديد من المجتمعات العربية على الأقل لم يعد الاعتقال يطال الكتاب بسبب توجه اشتراكي أو إيديولوجي كما في فترة السبعينات، لكن أظن أن الحركة الأدبية في العالم العربي ليست بالغزارة الملفتة للنظر مع ذلك، خاصة إذا تتبعنا الإصدارات السياسية والتحليلية التي تكتسي طابعا انتقاديا مقارنة مع عدد السكان والإمكانيات الموجودة في العالم العربي وذلك عائد طبعا للجو السياسي والديمقراطيات المزيفة.

يحفل المشهد الثقافي بإطارات متخصصة في القصة نادي القصة القصيرة، مجموعة البحث، الكوليزوم القصصي، نادي الهامش القصصي.. في نظرك ما الذي يوحد هذه الإطارات، وما عناصر اختلافها؟

يوحدها الاشتغال على القصة القصيرة وقضاياها وتحولاتها، أما عناصر الاختلاف فهي إجمالا تخص درجة الفعالية وأساليب العمل ولكن المهم بالنسبة لي أنها إطارات خلقت وتخلق دينامية جيدة في المشهد القصصي المغربي، وتدفع بجنس القصة إلى واجهة المشهد الثقافي بعد أن كانت القصة القصيرة "محكورة" كما نقول بالدارجة المغربية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى