الأحد ١٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم محمد البوزيدي

حوار مع المبدع المغربي أحمد الكبيري

يعتبر الكاتب أحمد الكبيري من المبدعين المغاربة الذين يتميزون بمحاورة الواقع بلغة الفكر اليومي البسيط الذي يفهمه الجميع ،وفي كتاباته يلتقط كل التفاصيل ويطرح هواجس الفرد بلغة الجميع ،أسلوبه راقي يشد القارئ إلى النهاية ،لكنه في نفس الوقت ذا حبكة خاصة ليست في متناول الجميع.

إنه بشهادة المبدع عبد الرحيم العطري* ينحاز للهامش المقصي ، وينتصر للبساطة و الضوء العميق* و كما قال عنه الشاعر محمد بلمو* يعيد لمصابيح الزمن اشتعالها في عتمة البياض*.
في هذا الحوار الشيق نحاول استجلاء مواقف الأخ الكبيبري حول ملفات أدبية وثقافية مختلفة .
 ما هو تقييمك للمشهد الإبداعي بالمغرب؟ألا ترى أن النهضة الإبداعية الشاملة تخفي وراءها غياب إحساس جماعي و اجتماعي بأهمية الكتاب لدى مختلف الفئات المجتمعية لاسيما بعد تراجع دور وسائل الإعلام المكتوبة في تأطير المجتمع خاصة الشباب ؟
 إن المتأمل للساحة الثقافية المغربية، لا يمكنه الحديث عن نهضة إبداعية بالمعنى الذي يفيد وجود دينامية ثقافية فاعلة ومؤثرة في التوجه العام للمجتمع وكذا في سيرورته السياسية والاقتصادية وقيمه الحضارية، لكن يمكن القول أن هنالك مقاومة حقيقية من المبدعين المغاربة من أجل استمرارية فاعلة ومشرفة، وفي جميع الميادين ، سينما ،مسرح،تشكيل، شعر، قصة ورواية .. مع حرصهم على تقديم منتوج ثقافي يطمح في غياب أي دعم حقيقي، سواء من الدولة أو المجتمع، إلى الإسهام في تقديم صورة مشرفة عن المغرب الثقافي... ومع ذلك، فغياب استراتيجية حكومية واضحة في المجال الثقافي تشرك فيها كل القطاعات المعنية، من وزارات و جامعات ومدرسة وإعلام وجمعيات سيبقى الفعل الثقافي بمعنى المقاومة كما مارسه و يمارسه المبدعون المغاربة، موضوع تساؤل. ذلك إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا المنتوج الثقافي قادرا على التواصل مع الفئات العريضة من المجتمع، وبالتالي قادرا على التأثير في واقع الناس وحياتهم؟ فنحن في المغرب، ما زلنا نطبع من الكتاب ألف نسخة ولا نعرف كيف نوصلها إلى القارئ. فما بالك بالحديث عن التأثير فيما يزيد عن ثلاثين مليون نسمة، النصف الأكبر منها يعاني من الأمية والعوز.

 ألا تعتقد أن دور الإبداع النقدي للمجتمع في تراجع, فأغلب المواضيع يعتبرها بعض النقاد ترفا فكريا لا علاقة لها بالحركية السائدة في المجتمع المفترض أن يغير نحو الأحسن و الأصلح, أو بشكل آخر ألا ترى تأثير كتابة الكاتب منحصرة في نخبة معينة على خلاف المفترض أن يؤثر في كل الفئات الاجتماعية؟
- هذا السؤال مرتبط في شق كبير منه بالسؤال الأول، ذلك أن غياب استراتيجية ثقافية شاملة محددة الأهداف والشروط، مرصودة لها إمكانيات التحقق في زمن محدد، لا يمكننا بتاتا الحديث عن دور يمكن أن يقوم به الإبداع لوحده من أجل إحداث التغيير المنشود.. فماذا بوسع المبدع أن يفعل بمفرده. الكاتب مثلا يكفيه عناء، أن ينتج نصا إبداعيا جميلا.. لكن هذا النص الإبداعي كي يصل إلى القارئ لابد له من ناشر وموزع، وإعلام ومحفزات للقراءة. وهذا لا يمكن للكاتب أن يقوم به خصوصا إذا علمنا بأن فكرة التغيير نفسها، قد يكون الكاتب غير معني بها. فمع سقوط الإيديولوجيات والتحولات الخطيرة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، تغيرت مفاهيم كثيرة وهذا التغيير مس الذات المبدعة أيضا. وأثر كذلك على المسار النقدي .
لكن مع ذلك، أعتقد أن المغاربة، مبدعين ونقادا، حققوا في السنوات الأخيرة، وفي الغالب بإمكانياتهم الذاتية، تراكما ملحوظا وطفرة نوعية مقارنة مع بعض الدول العربية الأخرى.

 في إبداعاتك المختلفة ترنو كثيرا إلى استحضار أدق التفاصيل في الحياة العامة بطريقة مشوقة تجعل القارئ مقيدا لا يقدر على مغادرة النص حتى الانتهاء منه
ما الذي ملكك ملكة صيد القارئ و تقييده للاستمتاع بالنص إلى نهايته ؟

 بصراحة لا أستطيع الادعاء أني أملك سحرا خاصا يجعل كتابتي تشد القارئ إليها من أول النص إلى آخره. ببساطة، لأن ذلك يبقى معطى نسبيا. فليس القراء كلهم على نفس المستوى ولهم نفس الذائقة. فقد يكون البعض بمجرد ما قرأ الكلمات الأولى من روايتي " مصابيح مطفأة" مثلا، حتى ضربها مع الأرض حانقا: " هذه كتابة، هذه..." لكني أستطيع أن أؤكد لك من خلال الأصداء والردود التي وصلتني وتصلني أن كتاباتي من النوع الذي لا يمنحك فرصة تأجيل قراءته.. فأغلب من قرأ الرواية قرأها في نفس واحد أو نفسين. فالأحداث متداخلة ومترابطة واللغة سهلة والمحجوب لا يريد أن يكشف عن كل أوراقه دفعة واحدة.. وآخر رسالة توصلت بها باعتزاز كبير، كانت من الشاعر المغربي والعربي الكبير الأستاذ الجليل عبد الكريم الطبال الذي أول ملاحظة أبداها بخصوص روايتي" مصابيح مطفأة" لما انتهى من قراءتها هي: " استطاعت الرواية أن تشدني إليها من الألف إلى الياء، فقرأتها بنفس مسترسل". ومع ذلك، أكرر لك بأن لا سحر ولا ملكة لي غير البساطة والصدق.

 في روايتك مصابيح مطفأة كثير من المصابيح المشتعلة والمشعة بالحس الانساني لكن صيغة العنوان تدل على تغليب الجانب السلبي على الإيجابي لماذا؟

 لقد اعتقدت دائما أن العنوان هو أقصى درجات تلخيص النص، ولذلك اعتبرت مصابيح مطفأة عنوانا مناسبا لما تروم الرواية أن تقوله، ووجدته منسجما مع التيمة الرئيسية فيها. فالرواية تشي بواقع مغربي زاخر بالطاقات، لكنها طاقات وللأسف معطلة. وفي نظري كل طاقة كيفا كان نوعها سواء كانت طبيعية أو بشرية لم يحسن استغلالها، أو تم تعريضها للإقصاء والتهميش، كما هو حال فضاءات وشخوص الرواية، هي طاقة شبيهة بمصباح لا يضيء. ويمكنك أن تتصور النتائج حينما تصبح الطاقة المرصودة أصلا للإضاءة زادا للعتمة.. وإن كنت أتحدث في كتاباتي عما هو سلبي ، فلأن دوري كمبدع هو التنبيه للنقائص والثغراات والفوارق والمفارقات والمسكوت عنه، أما الإيجابي فله الجهات الرسمية التي لا تكف، وبكل ما تملك من إمكانيات، عن التطبيل والتزمير له.

 ما الذي يجعلك تهرب من الخيال الذي قد يرى فيه البعض برجا عاجيا و نسكا خاصا لعدم الاختلاط" بالرعاع" والحكي عنهم ؟؟.

 لقد سبق أن طرح علي مثل هذا السؤال في إحدى اللقاءات، فاعتبرت الخيال هو ذلك البناء الذي أشيده لعوالم من الواقع. بمعنى، كيف لي أن أقول الواقع في قالب حكائي متخيل لم يكن موجودا لكنه يوهم القارئ بحقيقة وجوده. وأعتقد أن الوهم الذي سقط فيه العديد من القراء باعتبار مصابيح مطفأة هي سيرتي الشخصية أكبر نجاح أفتخر به. أما الكتابة التي تجنح للاستهامات الميتافيزيقية المرضية، فلا أعرف لها طريقا ولا تعنيني. ثم إن الكتابة بالنسبة لي ليست هي الخيال وليست هي نقل الواقع وتصويره، ولكن هي الغوص في هذا الواقع بمتخيل يجعله يعبر بلغته وبإحساسه عما يعانيه وما يفكر فيه. فقارئي لابد أن يرى شخوصي ويحس بها وإلا فأنا كاتب رديء.

 كيف ننظر للتخصص في الأعمال الإبداعية؟ألا تعتبرها دعوات ضمنية لتقييد حرية الكتابة؟ خاصة أن الأديب قديما هو من تبحر في علوم مختلفة.

 حتى وإن كنا في زمن التخصصات، فأنا ما زلت أعتقد وخاصة في مجال الإبداع، بأن حرية الاختيار هي جوهر المسألة وروحها..فثمة أولويات واهتمامات وشروط، أحيانا تكون خارجة عن إرادة المبدع وتتحكم في اختياراته. ثم هنالك معادلات ترتبط بالنص الإبداعي نفسه، فالقصيدة ليست هي الرواية، والرواية ليست هي النص المسرحي، تماما كما هو الحال في سباقات ألعاب القوى، فكل مسافة تتطلب تداريب خاصة، وجهدا خاصا وطاقة خاصة. وهنا أتحدث عن الإبداع المضيف، الذي يطمح للتميز وليس عن الكتابة كيفما اتفق. وشخصيا اخترت الكتابة في مجال الرواية لأنني أحسست أنها هي الفن الوحيد القادر على تحمل ثرثراثي وحمقي.

 هل هناك تحول للأدب المغربي الحديث بين أواخر القرن الماضي و السبع سنوات من القرن الحالي؟أين يتجلى ذلك؟
 لقد عرف المغرب داخليا، وكذا في ارتباطه بالتحولات التي يشهدها العالم، تحولا كبيرا إن على المستوى السياسي أو الاجتماعي، أو على مستوى الحريات العامة. والأدب المغربي شأنه شأن الآداب في كل مكان، التي تتأثر سلبا أو إيجابا بالبيئة التي تنشأ فيها، هو الآخر عرف تحولا إن على مستوى تيمات النصوص أو أشكالها
أو حتى على مستوى الإصدارات وكمها أو طرق نشرها.. فاليوم أصبح الحديث عن الأدب الرقمي وتزايد اهتمام الأدباء المغاربة به وانخراطهم فيه، بتأسيس مواقع شخصية لهم، أو الانضمام إلى مواقع ومدونات إلكترونية صديقة والنشر فيها..
ويمكنني أن أؤكد، أن التحول المهم الذي حصل في السنوات الأخيرة، هو بروز أسماء إبداعية جديدة وفي كل المجالات تحمل تصورها الخاص لمفهوم الإبداع بعيدة عن كل انتماء إيديولوجي أو حزبي..وهي أسماء تحفر في ذاتها وبيئتها بجرأة وفنية ملفتة للنظر.

 لماذا لا تجتذب المواقع المغربية الإلكترونية الكتاب المغاربة؟

 قد لا أشاطرك الرأي، فهنالك مواقع إلكترونية مغربية كبيرة، حققت تواصلا منقطع النظير بين كتاب من المغرب وخارجه، وأذكر على سبيل المثال موقع المبدع المغربي محمد أسليم، لكن ربما تقنيات التعامل مع هذه المواقع ليست بالبساطة التي نتصورها بالنسبة للجميع..فهنالك كتاب يودون النشر في مثل هذه المواقع لكن قدرتهم في التعامل مع هذه العوالم الافتراضية ما زالت تتلمس خطاها في حذر وخجل.. ثم لا يمكنني أن أغفل الإشارة إلى أن النشر الإلكتروني لما يتيحه من إمكانيات للتعليق علي النصوص والتواصل مع أصحابها، يكون منفرا عندما يستغله بعض ضعاف النفوس للتشويش والإساءة إلى المبدعين الجادين.
وأصدقك القول أني في هذا المجال بالخصوص، لا أميز بين موقع مغربي أو مشرقي
فالمهم بالنسبة لي هو مصداقية الموقع وما يمكن أن يقدمه من خدمة للكتاب والقراء في الوطن العربي من الماء إلى الماء.

 كيف تقيم "الصراع" الخفي بين الثقافة المغاربية و الثقافة المشرقية و بروز إشكالية الريادة و محاولة الهيمنة؟

 أعتقد أن زمن الريادات والبطولات انتهى، نحن أمام تحديات كبرى، هي كيف نتجاوز تخلفنا، فقرنا، أميتنا، أمراضنا المجتمعية، وكيف نعيد للعربي كرامته ونحافظ على هويته واستقلاله .. وللثقافة والمثقفين في هذه المناحي جميعا، دورا كبيرا يتعين عليهم القيام به. وثقافيا علينا أن نكون من المغرب إلى المشرق ورشة عمل واحدة بأهداف كبرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى