الأربعاء ٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد البوزيدي

حوار مع الموساوي

فقد المثقف دوره التحريضي أو التبشيري

في حوار مع الكاتب جمال الموساوي عضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب على أبواب المؤتمر السابع عشر

1. كثر العزف مؤخرا على سمفونية تراجع القراءة في المغرب، هل فعلا أصبح القارئ لا يجد ذاته في المطبوعات المختلفة، أم أن الأمر مرتبط بتقديم الكاتب لاستقالته العملية وعجزه عن التأثير في الشأن العام؟ أم الأمر مرتبط بالطفرة الإعلامية المتجلية في القنوات الفضائية؟

موضوع القراءة شائك بلا أدنى شك. وهو موضوع تتضافر عدة عوامل لجعله إشكالا عويصا، ويتحول إلى واحد من المؤشرات الأكثر دلالة على أن ثمة خللا ما. هل في النظام التعليمي؟ هل في العقلية المتحكمة في التفكير العام والتي تعتبر الكتاب ترفا؟ هل في الأوضاع الاجتماعية التي لا تسمح بشراء الكتب؟ وهلم أسئلة. أسئلة تحتاج إلى أجوبة شافية ربما من مراكز دراسات متخصصة. ولكن مع ذلك فإن ما يمكن أن يتفق عليه الجميع هو أن العزوف عن القراءة أمر واقع، وفي رأيي فقد ساهم في هذا التدني أكثر، نوع من الثقافة التي تُشِيع الميل إلى الجاهز والسهل، وتنظر إلى الكتاب وإلى القراءة باعتبارهما جهدا لا لزوم له. وقوَّى هذا التصور أكثر هيمنة ما يمكن تسميته بالثقافة البصرية المستمدة من الفضائيات وأيضا من الإنترنت. هذه الثقافة ذهبت بالذوق العام الراقي ودفعت به إلى الانحطاط، لأن ما تبثه الفضائيات في الغالب إما سمج أو سطحي. ولأن "عامة الشعب" من جهة أخرى لم تدرك فضائل الإنترنت الحقيقية بعد.

وأما ما يتعلق بعجز المثقف عن التأثير في الشأن العام فهي مسألة ينبغي وضعها في السياق العام الذي يعيش فيه المثقف نفسه. هو سياق يحكمه ما سبق، أي طغيان الابتذال وانحطاط الذوق العام. أضف إلى ذلك أن السياقات الاجتماعية والسياسية وقع فيها الكثير من التحول، وهو بالضرورة ليس تحولا نحو الأفضل، ففقد المثقف مثلا دوره التحريضي أو التبشيري، الذي كان محكوما بمد إيديولوجي معين، وهو الآن يحاول التصالح مع نفسه ومع العالم،* وأحيانا يحصي هزائمه، ولعل أكثر هذه الهزائم إيلاما ألا يجد لما ينتجه صدى لدى الناس، ليس لأنه لا ينتج ما يؤثر فيهم، بل لأنهم منشغلون بأشياء كثيرة تبدو أهم في نظرهم. منهم من ينشغل بالبحث عن لقمة طيبة ليومه، ومنهم من يربي الثروات، وبين هاتين الفئتين ثمة فئة ضئيلة هي التي تقتني كتبا وتقرأ.


2- كيف ترى وضعية بعض المثقفين الذين اختاروا السكن في البروج العاجية وفضلوا الركون إلى الإبداعات الرومانسية وتهربوا عن معالجة القضايا الاجتماعية التي تجعل منهم مثقفين عضويين بتعبير انطونيو غرامشي؟ وهل الأمر مرتبط بصيرورة تاريخية لوضعية المثقف؟ أم انضباطا لإملاءات معينة؟

أولا، جميل أن السؤال يقول بعض المثقفين وليس كل المثقفين. ثانيا لا بد من التسليم بأن العالم عرف تطورات، وأن نموذجا إيديولوجيا مات أو تمت إماتته قسرا ليفسح المجال أمام النموذج المهيمن حاليا. هذه التطورات غيرت أيضا وبلا أدنى شك من وظيفة المثقف لكن دون أن تحمله إلى النقيض أو المقابل الذي وضعه غرامشي للمثقف العضوى أي المثقف التقليدي. لهذا من غير الممكن حاليا على ما أرى الحديث عن أبراج عاجية وما شابه ذلك. إن المثقف هو ابن المجتمع، وما ينتجه من أفكار يأتي من وفي السياق الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه. الآن لم تعد هناك طبقة عمالية بالشكل الذي طرح في الأدبيات التي كانت تبشر بثورة البروليتاريا. الآن المجتمع يعيش حيرة أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من ذلك يعيش ازدواجية في كل شيء. في التفكير وفي ممارسة الحياة بشكل عام. والمثقف يقف بين الحدين. وهو لا يعيش في برج من العاج بقدر ما هو عاجز عن التأثير بسبب انشغال الناس باللهاث خلف الحياة اليومية، وخلف من يمنحهم فرصة للعمل أو للعيش ولو بدون كرامة. ولسوء حظ المثقف أنه ينتج أفكارا، قد تكون قابلة للتطبيق، وأكثر من ذلك قد تكون من صميم ما ينفع الناس، لكنها تبقى أفكارا فقط لأن تنفيذها ليس بيده.
ثم هناك أمر آخر في غاية الأهمية في نظري، هو أن الدولة اهتدت إلى تبني نفس الخطاب الذي يتبناه المثقف، سواء تعلق الأمر بالحداثة أو بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان أو بأي قيمة إنسانية أخرى يدافع عنها المثقف الحقيقي. هذا يطرح إشكالا ويولد التباسا لدى الناس، فيبدو لهم الأمر كما لو أن المثقف تماهى مع الدولة. فإذا هم سخطوا عليها سخطوا عليه. وإذا هم رضوا عنها فإنه لا ينال نصيبه من هذا الرضا، لأنه لا يملك ما يوصله إلى الحياة اليومية للناس، فهو لا يبني طرقا ولا يعلن عن وظائف ولا ينشئ مؤسسة صحية، بينما يرون أن الدولة تفعل كل ذلك.
لهذا إذا كان المثقف غير قادر على التأثير فبسبب سياق عام متشابك ومعقد، وليس لأنه يسكن في برج من العاج. هذا لا ينفي أن "بعض المثقفين" كما أشرت إلى ذلك في السؤال قد يكونون كما تقول.

3- أثار موقف أحمد بوزفور حول جائرة المغرب للكتاب ضجة كبرى في الساحة الثقافية وجعل مصداقية الجوائز على المحك بحكم أن لها وظائف خفية، هل فعلا تساهم الجوائز الحالية في الرفع من مستوى الإبداع؟ أم أنها وسام خاص يحيل على التقاعد أو الاحتواء من طرف الدولة أو التجنيد والاصطفاف وراء بعض الإطارات؟

غالبا ما ننظر للجوائز بارتياب. لكن يفترض في الجائزة بالفعل المساهمة في الدفع بالإبداع نحو الأفضل، بأن تكون حافزا،إضافيا، على العمل والمثابرة. إلا أنها قد تكون وبالا أيضا على صاحبها وهاجسا يعوق اشتغاله العادي بكتابته. ومع ذلك لا أريد أن أذهب في الاتجاه الذي أشرت إليه في السؤال، فالجائزة لا تخدم دائما أهدافا خفية، كما أن نتائجها ليست موجهة دائما، دون أن أنكر أن ذلك قد يحدث أحيانا لسبب أو لآخر ويكون ذلك سيئا ولا يخدم الإبداع ولا نبل فكرة الجائزة. وأذكر أنني كنت عضوا في لجنة جائزة المغرب للكتاب دورة 2005، ولم أشهد فيه أي شائبة، بل على العكس كان هناك الكثير من النقاش داخل اللجنة، وتم تسليمها دون أن تثير أي رد فعل يشكك في مصداقيتها.
لهذا لا بد في نظر من حمل الأشياء على محمل النسبية، وأن الأخطاء تحدث أحيانا، وربما تكون هذه الأخطاء في أحيان أخرى مقصودة وربما موجهة،لكن أفضل النظر إلى الزاوية التي يأتي منها الضوء.

4- كيف تقيم الوضعية الراهنة لاتحاد كتاب المغرب في ظل الإطارات الثقافية الجديدة التي تجمع عددا من الكتاب؟ هل مازال يمتلك التمثيلية الوحيدة للكتاب بحكم الرصيد والإرث التاريخي؟

اتحاد كتاب المغرب يعقد مؤتمره السابع عشر نهاية هذا الشهر (28 نونبر 2008) بالرباط. ولا أعتقد أنه ادعى يوما تمثيلية كل الكتاب المغاربة. بل هو إطار ظهرت الحاجة إليه في تلك الفترة من الستينيات من القرن الماضي فتأسس ليكون للكتاب صوت قوي في المجتمع. وأعتقد أن تلك الحاجة إلى تأسيسه لا تزال قائمة، لأنه ثمة الكثير مما ينبغي العمل عليه ليحظى الكاتب المغربي بالاعتبار اللائق به كمنتج للثروة والقيم الرمزية. وإذا كانت هناك إطارات معينة برزت إلى الوجود فمن شأن ذلك أن يغني المشهد الإبداعي، والثقافي عموما، في المغرب، لأن ما يحكم أو ما ينبغي أن يحكم هذه الإطارات، بما فيها اتحاد كتاب المغرب، ليس هو الصراع كالذي يحدث بين الأحزاب السياسية مثلا، بل التكامل من أجل أن تحظى الثقافة بالاهتمام الرسمي والشعبي معا، ومن أجل أن يروج الكتاب الشعري والقصصي والفكري والروائي أكثر، ومن أجل الرقي بالذوق وإشاعة القيم التي يمكنها السير بالإنسان وبالمجتمع نحو الأفضل.

5- عرف دور الإتحاد انكماشا خاصا مع مطلع الألفية الثالثة من حيث قلة أنشطته المركزية منها والمحلية وكذلك عدم صدور مجلة آفاق بصفة منتظمة بماذا تفسرون ذلك؟ وهل له ارتباط بالهجوم الكاسح للثقافة الرقمية على الثقافة الورقية خاصة أنه إطار يتمتع بالمنفعة العامة

باعتباري عضوا في المكتب الذي سهر على تسيير هذه المؤسسة خلال السنوات الثلاث الأخيرة أود أن أقدم بعض الأرقام عساها تضيء قليلا مما انبهم بخصوص نشاط الاتحاد خلال هذه الفترة. بمعنى آخر لا أريد الدفاع بشكل فج عن حصيلة، وإنما سأترك الحصيلة تدافع عن نفسها. وهكذا فقد تم تنظيم 42 نشاطا ما بين ملتقيات وندوات ومحاضرات وصيغ أخرى، وهو ما يعني نحو 14 نشاطا في السنة. كما صدرت 6 أعداد من مجلة آفاق، إضافة إلى نشر 26 كتابا أغلبها كتب إبداعية، إضافة إلى هذا عمق الاتحاد العمل بمنطق الشراكات مع العديد من الجهات، وقد أتاحت هذه الشراكات إنجاز الأنشطة المذكورة، وهي أنشطة حقق العديد منها نجاحا كبيرا، يمكن أن أمثل لها بمحاضرة الأستاذ عبد الله العروي حول "عوائق التحديث" وب"ملتقى العيون" الذي استقطب اهتماما واسعا نظرا لحساسية الموضوع والزمن والمكان، ولجرأة الآراء التي نوقشت هناك، كما يمكن التمثيل أيضا بلقاء"الإبداع والهجرة" حيث جمع الاتحاد عددا وافرا من الكتاب والمبدعين المغاربة المقيمين بالخارج في سابقة من نوعها. وقد شارك في كل هذه الانشطة ما يناهز 600 كاتب وكاتبة من أعضاء الاتحاد وغير الأعضاء.
وبالضرورة وكما قال أبو البقاء الرندي فإن لكل شيء إذا تم نقصان، فما بالك بالعمل الذي لا يكتمل، أي إنتاج الأفكار وتنفيذها، لكن مع ذلك أعتقد أن ما أنجز كتن مهما جدا، وينبغي تعميقه.
ولعل ما ينبغي الإشارة إليه هنا، هو أن القول بقلة الأنشطة، وهي فكرة سائدة للأسف راجع في جانب كبير منه إلى أن هذه الأنشطة لم تحظ بالحد الأدنى من التغطية الإعلامية الضرورية لمجرد الإخبار والإعلام، هذه الوضعية جعلت الكثيرين يعتقدون أن الاتحاد لم ينجز شيئا ذا بال.
أيضا بقيت نقطة المنفعة العامة، أود الإشارة إلى أنها حتى الآن هي صفة على الورق فقط، ولم تنفع الاتحاد منذ حصوله عليها، بل على العكس جعلت كل من ينتقد الاتحاد يقول "علما أنه يتمتع بالمنفعة العامة". إن تفعيل هذه الصفة يلزمه توفر شروط محددة، لم تتوفر للاتحاد ومرتبطة في جانب منها بالقانون الأساسي للمؤسسة. ولتدارك هذا وبالتالي إعطاء دينامية في اتجاه تفعيل هذه الصفة، أعددنا في المكتب تعديلات سيتم عرضها على المؤتمر للمصادقة عليها، وإذا تم قبولها فسيكون على المكتب المقبل القيام بالخطوات الأخرى للاستفادة من مزايا صفة المنفعة العامة.

6- يوما عن يوم نلاحظ هروبا للمثقف المغربي نحو المواقع والصحف المشرقية هل هو اغتراب داخلي أم اعتراف بمصداقية الكاتب خارج وطنه أم دعاية وتعريف بالمنتوج المغربي؟

الهروب، كما تسميه، إلى المواقع والصحف المشرقية، تمليه ضرورة الانتشار على نطاق واسع، بيد أن الجواب الجاهز بالنسبة لهذا السؤال يتشكل من مجموعة عناصر، منها انحسار مساحات النشر داخل المغرب. لسبب ما تخلت الصحف عن الكثير من الزخم الثقافي الذي كان فيها. وعدد الملاحق الثقافية تقلص، والمجلات المتخصصة أو الجامعة غير موجودة، تضاف إلى ذلك محدودية القراءة، كل هذا أملى البحث عن منافذ أخرى لتصريف الإنتاج الفكري والأدبي المغربي، وكان طبيعيا أن يتجه الكتاب نحو جرائد ومجلات متخصصة في الشرق، ويلاحظ باستمرار حضور الأسماء المغربية في مختلف المطبوعات في مصر ولبنان والخليج، والجميل ذلك أن هذه الأسماء تنتمي إلى مختلف الأجيال.

7- كيف تقيم وضعية المنتديات الأدبية هل فعلا ساهمت في الرفع من جودة الإبداع أم فتحت الباب لاختلاط الغث بالسمين؟ وما السر وراء غياب منتديات مغربية وازنة في الساحة الالكترونية؟

لا أتابع كثيرا المنتديات الأدبية وغير الأدبية على الأنترنت. ربما حاولت ذلك من قبل، لكن لم يكن ممكنا الاستمرار، لأن الكثير من النقاش الذي يدور فيها ضحل، ولا يتعدى في الغالب مجاملة عابرة، أكثر من ذلك قد لا يجد المتصفح لهذه المنتديات كتابات رصينة فعلا بإمكانها اجتذاب القارئ. وهذا لا يمنع أنه من الممكن العثور على منتديات جيدة.
أما بالنسبة لغياب المنتديات المغربية، فأعتقد أن للأمر علاقة باستخدام الأنترنت نفسه، أولا هو ليس منتشرا على نطاق واسع وثانيا أن أغلب المستخدمين إما يدردشون أو يسمعون أغاني أو يبحثون عن معلومات، أما ثقافة إنشاء المواقع والمدونات والمنتديات فلا تزال في بداياتها، خاصة أنها تحتاج إلى جهد ذهني وإلى وقت، وهما لا يتوفران دائما.

فقد المثقف دوره التحريضي أو التبشيري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى