الثلاثاء ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم تركي بني خالد

خاطرة غير عادية!!

هل أنت شخص عادي؟ ستبادر فوراً بالإجابة وسنقول: نعم. ولكني أقول لك، أنت وهي وهم وأولئك إن كانت إجابتك بنعم، فأنت لا قيمة لك.

إن كنت عادياً فاقرأ على نفسك السلام، فأنت بلا وزن. وإن كنت عادياً، فأنت مثل ملايين الآخرين من المخلوقات، لا تصنع فرقاً، ولا تترك أثراً.

من الأسهل لك أن تكون عادياً، ومن الأسهل لك أن تكون رقماً في سجل الإحصاءات الرسمي. فأنت مجرد ولادة عادية، حالة ولادة، تولد بشكل عادي، لكي تحصل على شهادة ميلاد عادية. ومن الأسهل لك أن تولد لأبوين عاديين، يؤديان حياتهما بشكل عادي، فلا هما يشكوان، ولا هما يرغبان، ولا هما إلا أسرة عادية، تزوجا بطريقة عادية، وربما يريدان أن يربيانك بأسلوب عادي، لكي تكون برأيهما مواطناً عادياً صالحاً.

أنت عادي جداً، وربما ما زلت تتمنى أن تبقى كذلك، فما أحلى أن تكون عادياً. لن تناقش شيئاً، ولن تحتج على شيء، فكل من حولك عادي، وكل شيء عادي، فالحياة عادية تماماً، والمياه تسيل في مجاريها.

تعيش في ظروف عادية، تذهب إلى الحضانة، إلى الروضة، أو يرسلك ذووك إلى تلك الأماكن العادية، وستأتي مربية عادية لتقول لك أشياء عادية، وتعود إلى البيت عند المساء، لتتناول وجبة عادية، وستحكي لك أمك أو جدتك حكاية عادية قبل أن تنام.

ستشاهد التلفاز كل يوم، وستؤدي واجباتك المدرسية التي تعطى إليك بشكل دوري، وستكبر بشكل عادي، لتصبح مواطناً عادياً جدا. تغادر الروضة إلى المدرسة، ولا فرق إلا في التسمية. يظنون أنهم يعلمونك، وتظن أنت أنك مثل كل الناس، تتلقى المزيد من الجرعات العادية في حياتك.

يريد لك الجميع أن تكون عادياً، فالضحك دون سبب، من قلة الأدب، وطاعة الجميع قمة التأدب، ستقبل يدي من هم أكبر منك سناً، وستؤدي ما هو متوقع منك دون جدال، فأنت إما أن تكون عادياً في نظرهم، وإما ألا تكون كذلك مطلقاً.

ستذهب إلى المدرسة، وستجلس على مقاعد عادية، في صفوف عادية، وغرف صفية عادية، يدخلها معلمون عاديون، يقصفون حياتك بأشياء عادية، بمعلومات عادية، نقلت من كتب عادية، تداولها من قبلك، وستؤول إلى من هم بعدك.

وستطلب منك امتحانات عادية، وستجيب عن أسئلة عادية، وستنجح إذا درست لها بشكل عادي. فلا شيء غير متوقع، ولا شيء خارج المألوف.

سيقول لك المعلم كل شيء، وسيخبرك أبوك كل شيء، وسيوضح لك الكتاب المقرر كل شيء، وسيرشدك المدير إلى كل شيء، فلماذا القلق؟ ولماذا التفكير؟ فكل الأشياء عادية من حولك.

سيقول لك الحكماء من حولك ما هو العيب، وما الخطأ، وما هو الصحيح. وما عليك إلا السمع والطاعة، فمن هو أكبر منك بيوم، أعلم منك بسنة. سيخبرك الكبار أنهم هم عندما كانوا في مثل سنك قاموا بكذا وعملوا كذا وسيطلبون منك أن تحذو حذوهم إن كنت تريد أن تكون ابناً صالحاً، أو بنتاً صالحة.

أنت تولد ولا علم لك عن شيء اسمه المجتمع، وتكبر ولا تعرف أن هناك ثقافة، فأنت شخص عادي، تولد ولا لغة لك، وتنتظر أن يأتيك من يعلمك اللغة، ويرشدك إلى ما يسمونه الصواب. تكتشف فيما بعد أنك ذكر، وربما أنثى، ثم يقال لك أشياء كثيرة عن الفرق بين الجنسين تتجاوز حدود الجسم إلى مجال الواجبات والأدوار ونمط الحياة.

تتعلم البنات كيف يتصرفن كبنات، وكيف يتعاملن كأخوات، وزوجات، وأمهات وغير ذلك من الأدوار. ويتعلم الأولاد كيف يكونون أولاداً، وفيما بعد أزواجاً وغير ذلك من الأدوار. يتعلمون كيف يتكيفون مع كل شيء. وهم يفعلون كل ذلك بشكل طبيعي من أجل أن يتحولوا إلى أناس عاديين.

لماذا يريد المجتمع من أفراده أن يكونوا عاديين؟ ولماذا تتحدد سلوكات الناس حسب ما تريده الجماعة وليس الفرد؟

حتى ذلك الشاب الذي اشترى بأموال عائلته رقماً مميزاً لسيارته المميزة بمبلغ (14) مليون دولار قال أن هذا المبلغ "عادي جداً". فالفقر في عالمنا عادي، والثراء عادي كذلك.

نذهب إلى جامعات عادية، ونتعلم أشياء عادية و نصغي إلى أساتذة عاديين، فلا يستقيم لنا شأن، لأن كل الأشياء مألوفة وعادية تماماً.

نحصل على عمل عادي، ونتلقى راتباً عادياً لنحيا به حياة عادية. نتزوج بنات عمومتنا العاديات مثلنا، وننجب بنين وبنات عاديين. بيوتنا عادية وجميعها متشابهة في كل شيء. نكبر في العمر، ونحكي لأحفادنا قصصاً عادية، لكي نموت بعدها بشكل عادي، فتقام لنا طقوس عادية تكررت منذ آلاف السنين. ثم يطوينا النسيان إلى لا شيء، وتتكرر الحكاية كل يوم، كل شهر، كل سنة، عند كل الناس، فلا جديد تحت الشمس.

باختصار, نحن أمة عادية ولذلك لا مكان لنا في هذا العالم الذي يتغير كل يوم آلاف المرات، فليرحمنا الله!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى