الأحد ١٣ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أمان أحمد السيد

دبي..امرأة فوضوية الحب

ما حكاياتي مع المدن، والأمكنة؟ تلك التي تشدني؛فأتعثر وعندما أعلن التوبة أعود فأشهر العصيان، ورغم أن لي تجاه دبي مشاعر متمردة،أمام عبثها، وكينونتها التي دفعتني أن أجدني فيها "أليس في بلاد العجائب" لكنني لم أستطع يوما إلا أن أعبر عن إعجاب مسقطه استغراب في مدينة جمعت كل تلك المتناقضات، ثم تهادت بثوب لا يمكنك أن تنسبه إلى مصدر، وبروائح لا يمكن إلا أن تدثرك، وترسم فيك توهجات من الفرح!..

دبي.. مدينة لا كتلك المدن..غريبة هي في احترامها لذاتها.. منظورها جديد في التقدير لأنوثتها ..دبي امرأة فوضوية الحب، فوضوية التحرر.. لنفسها صنعت مقاييس أنحلتها جسدا في كل يوم ينشق عن جديد يزيدك غموضا، وأنت تلاحق تفاصيل ما إن تبدأ بأولاها إلا وتجد ساقيك تجلدان بفعل الريح! ..

هل رغبت يوما أن تلاحقَها؟ أتحدّاك إن استطعت !.. تظل تحلم بها ..تظل تقتات ُ حضنها، وهي تلوح لك من بعيد.. تغريك بفتنة طاغية، وبخروج عن المألوف.. فتجد نفسك ذاك العاشق المهذار الذي غفا يحلم، واستفاق يرتل أحلاما أروع!

دبي ..اليوم،وغدا أخشاها.. أكثر، وأتمرغ في إسارها أكثر.. دبي سكينة الإيمان في جوامع تمتد متنهدة في فضاءات من الفضة، ومن ذاك الذي قال إن المرأة الفوضوية لا تمارس طقوس إيمانها جهرا،وخفاء..

في دبي كل الطرقات مهدّرة أمامك..دروبُ هواها لها نكهة الفلفل،وووقارالألق ساعة انعتاقه في حضن السحر..

أنطــِــقْ روحك بكلّ ما تشتهي..أخشى أن َّ لروحك اليوم شكلا مختلفا! أتراها تتكهن ُالغيب؟! أتراها تتقمصُ أرواح العابثين،والغافلين،والموحدين،والمكذبين؟!

دبي اجتماع اللامعقول في الواقع الحي ..دبي ..دبي ..دبيّ !..

يكون لك فيها ما تشتهي ..تمارس حرية لم تمارسها يوما في مكان آخر، حرية تستدعيك أن تقف أمامها مبهورًا ببساطة مضمونها،وعمق مكنونها.. دبي التي تعيش فيها كما أنت،وكما لم تكن مرة تفكر أنك ستكون!..

شارع السطوة.. يحاور الجميرا،ويشرف غير بعيد على الأبراج التي تفجر سطح الليل .. شارع السطوة، مسمى أراه بما يكتظ فيه من سطو التنوع البشري،وأنفاس الناس بين عابرين، وراحلين..شارع يغصّ بعنف الأرجل في البحث عن القوت ..شارع له نكهة أشجار الموز في أوراقها العريضة الفياءة.. شارع يشعرك أنك في مكان ترتاح نعالك إليه إن كنت ممن يهوون لعبة تأمل البشر، ولهاثهم في صدى الأيام.. وحين تنطلق من شارع جانبي غير بعيد تشعر أنك انعتقت أمام الفسح في الرقي،فتشدّ ُ قامتك، وتمضي.. تنسى أنك المسافر منذ بريهة بين بوذا،وتلال العرق تفترش الشوارع..تشعر أنك انتـُقيت َ إنسانــًا آخر قادمًا من السحاب، وحللت َ شخصه ومشيته،وتصرفاته..

ولعل ما يغريك -أن تكون أنت ذاك المخلوق الذي افتقدته في جوانحك- رؤية تلك المساجد التي تفوق قصور "أليس" في اندهاشها، وحين تشعر برغبتك أن تتفيّا ظل الله في نفسك تدخلها،وتصلي..

ومــا أجمله من مكان تقتادك إليه روح الله مهما كنت، فتظهر ما تخفيه عن العيون حين تتملق،وما أروعها يدُ رجل ذي صوت شجيّ تفتح لك قسمًا خصص لصلاة النساء في شارع الجميرا،وقد كان أقفل خشية الفضوليين المتكاثرين بين آلات تصويرهم يسجلون بعدساتهم حضارة لم يشهدوها في بلدانهم حين سطرت تحت مسمى لا يمت إليها بصلة، يرونها اليوم مسالمة تسبغ عليهم نورا ينقادون إليه طائعين، فيسحقون كل المسميات الهمجية،وينهلون في فضاء الروح المموّه بعطورالحناء،ودفء الصحارى الذي يسبغ على البسيطة من المناهل ما لا ينتهي..

تلك دبي.. فمنْ منـّا عرفها، لا تسأله لمَ ظلّ مشدوهًا ،ومن منا لم يعرفها،اسأله: لماذا تظل ضالة يشتهيها ويكتري عطرها بعمره!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى