الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم عايدة نصرالله

رجل يهتك ليل الأسئلة

في روح امرأة السماء
يعكر كأسه
يغيب في الفضاء
ثم يبدأ مساءه بشبق على حروف القصيدة
لهاث متوحد حتى محو النقطة.

***

مطر على النوافذ
_ "ضميني"
مطر على النوافذ
"فككي لغتي"
مطر على النوافذ
_ "أغيب بك"
مطر على النوافذ
_ "فناء...
و نَزُففُّ الولادة "

***

أيها الجني
الذي اتكأت على فتات روحي
نورا... لتشعل عرائي
لم أع بدائية الأبجدية
واللغة غابت عن وعيها
على جبينك
كم مرة جثوت إلى عنق التراب..
إلى رغوة البحر
إلى عصفور لم ينبت ريشه
ليتدفأ في عشي
كم مرة استجديت اللغة أن تعنيني عليك؟!

آه أيها الزنديق الطاهر
الشيطان الإله
اسحب عنقي إلى نقاءك

يا وطنا مجرحا
شُلِختْ كل سعف النخيل
لم تعد رطب فيه
لم تعد في صحرائي تكويرة للماء
آه ... يا وطني المجزأ
الذي ارتوي بغضبه\ بسخطه\ بعبثه
يا صاحب الأسئلة
خذني\عبق أخير وفرته
من جوف يأسي،
أملي...
وارتقاب الصبح لك
يا وطنا حاولت رتقه؟
شدني إليك

شدني
حتى تخجل منا اللغة
شدني حتى تعجز اللغة
ذهب الشعراء
وانتهكت اللغة قبلك
يا كل "اللغة"
شدني
كرهت كل دروب العراء غير دربك

أججت مقلي\ ترابي
شربتك... يا وطني
عذابا مدلها
قبل أن أصلك
الوطن... نسيج فيك
كيف يلفني دونك؟!
وكيف اغزل له ثويا دونك؟

***

ذلك الرجل في الحلم كان شعره أبيض كالثلج، كانت تجلس بجانبه امرأة.
ذلك الرجل بحث عني ، طاردني في الحلم. فقد سرقت أوراقه
عبأتها في صدري
ذلك الرجل في الحلم رأيته
نجحت وهربت
أفقت من الحلم فعرفت كم هو اله كان ذلك الرجل في الحلم

***

في جبين الليل نبدأ حكايتنا رطبة أو مشاغبة، وعلى ذيله نكون قد التحمنا أو افترقنا.
ليلنا مختلف... ليلنا زنديق وعاهر، نبي ومبدع.. إلهان نسكنه. غرفتنا في الليل غريبة غرابة أوطاننا.
بحثت عن شبيه لك ولم أجد سوى أم الفحم شبيهة لك. هذه البلدة التي تهتك المساءات، وتعبئ الوجع في أثوابها نهارا. مثل بلدتي تنتفض لأدنى سبب ثم تصمت صمت المقهورين. هذه العاهرة القديسة. تنفي كل الأصوات إلا من صوت الصمت الخؤون.
ليلة الواحد والعشرين من أكتوبر ليلة كل الأزمنة/ مطرها مطر كل الأمكنة الصعبة\ مطر الشعراء وصاحب الأسئلة. أسئلة جنون المطر، تشكك في الكلام، في الهواء، في التربة وفي اللغة.
رجل الأسئلة في الليلة الواحد وعشرين بلغ الجنون الذي سحب الليل من عنقه في قبلة على الجبين وانتهي ملتحما بمدينة النار وختم ذيل الليل بلهاث من قاع الظلام فبج كل بطون اللغة

قََبْلَهُ.
كنت مدينة لم تشوهها الديانات ولا سموم السياسات. كان هوائي سلسا وماءي سلسلا ومذاق الأشياء شهدٌ حتى التعب ...مرعبة بوضوحها.
لم أدرك كيف تسلل إلى ماءي..
ولم هذا الإصرار الغريب على احتواءه..
"من كان معك\ هل الهواء يشاركنا \ هل الماء هو ماءك\ هل الغبار الذي نتنفسه لنا؟\"
تلك الأسئلة أذابت عقيدة الشيطان في الوسوسة. هزمتني...هزمت الملائكة في محاولة رتقها
في هذا الليل يجلس وطن جزأته الدروب... وأحالته لوجع أدمن السؤال عن مدينته:

"من معها؟ هل تتلاعب بي؟ هل تنسحب مني لتكون هنااااااك؟
يفتتني الشك. كيف أستطيع التوصل للحقيقة؟ لو أن هذه السماء تنزاح قليلا عن كتفي، لو أن المسافات ... المسافات... آه المسافاااااااااات..لو تنزاح عن ترابها لأراها.
أموت من حطامي، من بقاياي. من نزوة العشق التي تدق بخناقي ولا ترخيني. لا تشبه هذه المدينة أحدا. هل هي صادقة ونقية إلى حد الموت أم داهية إلى حد الموت؟!.
كأس آخر أتتلذذ بتعذيبها....أحبك يا طفلتي المشاكسة."

الشاعر يركب سفن الفينيق باحثا عن اللغة\ عن هتك عرض الأرض\ عن فتقها حتى الوصول إلى فسق الرطب من قشورها... ماسة هذه الأرض تتهادى بغلالة العاشق وتسحبه من عنقه لتدقه ليلا.

" طويل هذا النهار. ثقيل هذا البرد أيتها المرأة العلة في وضوحها. كيف الوضوح في زمن الخيانات، كيف الوضوح في زمن الشك. يصبح الشك وضوحا في زمن الغانيات فكيف لك بالوضوح يا حبيبتي\ لماذا لا تكوني من رحم هذا الزمان وتنتسبي للرعاة\ للزناة وللأمكنة الظلام.

غاب النهار يا حبيبتي وفجرنا ليل العاشقين\
نامت الأرض فينا تصهل في انتظارنا لنأخذها من غصات الحنين.
ألا تفهميني؟
من لحمة تمزقنا ألج إلى حرية التوقد فيك؟
من "لحمة تمزقنا" أصل إلى الحقيقة ... الألم والحزن الوثيق.
كيف سأرتادك.. انبجرمنك إذا لم أحزن فيك، إذا لم اضعف فيك. يا قوتي وضعفي؟
أغربي عن وجهي هذا المساء
فأنت كطهر الماء ووضوح الشمس. تعذبني الشمس فيك. "

***

في النهارات يحمل مشاعل العقل، شخص آخر ينفض غبار الحنين الليلي عن كتف مدينته\ امرأته\ يحصي الحجارة\ الأبواب المقفلة في وجهه
"لم يستوعبني المكان" قال
"ليستوعبك قلبي" قلت له .

على ذلك الحاجز... لاقوني الجنود الخضر "أين تذهبين؟"
أأقول "عند رجلي الوحيد، عند شاعر زنديق\ نبي"
نظر الجندي يغمز بعينيه لفلسطينية تبدو ليست من ذلك المكان...فلسطينية كل الأمكنة.

"لتكوني سعيدة"
عهر صارخ.. تناقض صارخ. بملابس الدم يتمنى أن اعشق الفلسطيني ويتمنى سعادتي
"ترى هل لو رآه لخلصه من البندقية؟"
وسعت عيناي
"لأنه سيخجل من بندقيته"
هيا يا صديقي.. تعال إلي لخلق عالم الحلم والجنون... هل يبقى للبنادق لغة في لغتنا؟!.
وأنا على الحاجز ذهبت بي تداعياتي إلى تلك الليلة ال-21 من اكتوبر.
"أنت معي؟"
"معكَ"
أنت معي؟"
"معكِ".
وكيف لا.. وأنت شبقت وضوحي الساذج؟! أحلته لهباء؟! شددت الأسئلة الغافية من عنقها وسكبتها في أضلعي؟.
" معكَ..معكَ..معكَ
_ في غيابي وحضوري
_ في جنونك وصحوتك.
_ وكيف لا...وأنا فقط التي ستلملم وترتق ما انفرط من الزمان معك؟!
يا صاحب الأسئلة أيها الزنديق العربيد \ الإله... أنا معك. ".

***

الطريق طويلة من أم الفحم لرام الله. والقدس طريقي إليك.
البائعات المطرزات بالعبق، بالزيت إلى جواري، الأعين مضمخة بالنيران وبالشهداء وبالغائبين. العابرون المارون.. الأرصفة المزدانة ببضائع نفثت حكايا الغياب..الموت.. الحب....وأنا؟!

غائبة... لا شيء سوى تلك اللهفة وأنا على مرمى شهقة من عبثك وجنونك.
ترى هل تكون معي ؟
آه.. يا أيها الوجع المستكين على قلبي. آ آ آ ه ه ه ... أنا معك.
صديقتي بجانبي تتكلم شتى أنواع الكلام. أجيبها ولا اعرف السؤال
مغمورة أنا بالأسئلة. مدلهه بالأسئلة.
رام الله تلقاني. قلبي ينشلع من مكانه. ترى من يشبه؟ هل يشبه؟ ماذا يشبه؟.
لا أحد.
ترى هل أشبه. من أشبه ؟
لا أحد
رجل في رام الله لا أعرفه. لا يعرفني. لكنا خلقنا في ميعاد أجلناه عمر.. عمر كل الأزمنة .. لكل الأمكنة.
بعد لحظات سأراه. ربكة تأكلني منذ الليلة الفائتة.
كانت ليلتنا.. وحدنا..وكنا حراس الليل. ضمدنا جراحنا، همسنا وشاغبنا.. قلت له "أراك بقلبي"
قال لي "أراك بقلبي"
ترى ؟!... هل ستكون رؤيتنا صادقة.
كيف هو؟ هل عيناه ساخرتان كما في الصورة؟ أأكون أنا الطفلة كما أعرف نفسي؟
ينتظرني بكتاب. وأجيئه بنبتة صبار التي يحبها.
سأموت لو لم أجده كما رايته. وسأموت أكثر لو رآني على غير ما أنا.
السيارة بطيئة. خلت نفسي قد غدوت أبشع مدن العالم في تلك اللحظة. أردت أن أكون اجمل المدن لأحظى به.
قال: "أراك بقلبي"
لو استطاع؟!... لو استطاع رؤيتي من الداخل... ساكون أنا مدينته التي حلم بها. وهو الوطن الذي طاردته كل حياتي في أحلامي وفي يقظتي.
"حز وجعي اعتذار لك رام الله. لا القتل ولا الدمار جلبني إليك"
ما السر الذي سحب امرأة لا تعي الحروف الأولى أن تنطلق راكبة الحصان الطائر لصاحب الأسئلة؟

بقي أقل من مترين.

هل هو ذاك؟

إلهي... إلهي...

هو.. هو.. من وفرته ذاكرتي قبل ولادتي. نظرت إليه وفجأة رأيت نفسي بالمرآة. وعميت عن رؤية أي جبين آخر غير جبينه.. وعيناه؟! آه... أغمضت عيني أبصرته نورا يضج في روحي... أغمضت عيني فوجدت المكان.. لنا لوحدنا.. آدم وحواء هذا الزمان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى