الخميس ٢٦ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عادل صيام

رسائل إلى سقراط

لماذا تركتنى يا سقراط ؟!
لماذا جعلت منى أفلاطون ؟ !
آه فهمت الآن لِمَ كنت تقول لى دائماً أنك لم تصنع شيئاً و إنما أنا كنت دائماً أفلاطون.
أذكر أنك قلت لى مرة : أنه مجرد توافق زمنى و أننى كنت سأفلسف الأمور و أرى أبعادها و أعماقها حتى لو لم أقابلك.
كنت أشعر بالفخر عندما كنت تقول لى هذا الكلام بل أحياناً كنت لا أكاد أفصل بين زهوى و الغرور.
لم أكن أعلم أنك تتبرأ من المسئولية حتى إذا ما جاء الوقت لم أستطع أن ألومك
أعرف أنك كنت أكثر منى فطنة و أعترف لك بأستاذيتك
حقاً لا أنت سقراط و لا أنا أفلاطون
لكننا نكره الجهل و السفسطة

لاحظ أن القاعة خلت من جميع الطلاب فقد أعتذر الدكتور و ألغيت المحاضرة؛
لقد انتهت محاورته مع الأستاذ فى المحاضرة السابقة من أكثر من نصف ساعة
حمد الله على ما ناله من إحباط فى المحاضرة السابقة و قام.
حاول انتظار الأتوبيس، لكنه تحاشياً للزحام آثر المسير إلى المنزل
بالفعل وصل إلى المنزل سائراً و ثائراً.

كتب : لو كان المشاءين يمشون فى شوارعنا لماتوا اختناقاً من الدخان
عد يا سقراط و أنقذ تلميذك الذى تبرأت منه من البداية و دون أى ذنب
وضع الورقة فى مظروف و قفله قلب المظروف
أمسك القلم /
إنه لا يعرف العنوان
بحث عن المفتاح أخرج من درج المكتب مظروف أكبر مكتوب عليه
رسائل إلى سقراط ربما يعود.

ب

فى الصباح تقابل مع زملائه فى الجامعة تناقشوا حول الوجود التركى فى مصر لا يكاد يذكر ما الذى أدى بهم إلى هذه النقطة المهم أن هذا لم يكن صلب الموضوع
تذكر قول سقراطه:
" تركوا الرأس و امسكوا بالذيل "
فى النهاية اتهمه الزملاء بعدم فهم التاريخ والتغفيل و ما شابه ذلك من الكلمات الساخرة من عقله و فكره
وقف أمامهم رافعاً الرأس ثم عاد ونظر إل وجوههم وقال بصوت عال :
لكنها تلف
نظروا إلى بعضهم البعض فى تعجب

ضحك بتخابس لأنهم لم يفهموا مقصده و تأكد أن أيا منهم ليس نداً له فى الحوار، بعد أن محص كل هذه الأمور و غيرها مما لم و لن يفكر فيها هؤلاء العباقرة طيلة عمرهم و لو أمتد لمئات السنين و الأعوام .
عندما عاد إلى المنزل جلس يكتب:
عزيزى سقراط
آسف فأنا أعلم أنك لا تحب هذا اللقب لأنك ترى أن فيه ظلم و إجحاف لكل منكما، لو علمت ما حدث اليوم لرثيت لحال أفلاطونك

تذكر فجأة أنه لا سبيل لأن تصله الرسالة طوى الورقة
فتح الدرج و ضعها داخل المظروف الكبير.

ج

سخر منه أحد الأساتذة فى الجامعة قائلاً:
" أنت يا بنى عندك انبعاج فى دماغك "
أخذت الكلمة تتردد فى أذنه ومن ورائها ضحكات الطلبة و الطالبات و بعض المحاضرة جاءته التعليقات الساخرة اللاذعة كاللطمات على وجهه
آه يا سقراط لو تركت لى تلك الورقة التى كتبت فيها تلك البنود لأحرجت هذا اللص و أحرقته أمام الطلاب
ما زال جالساً داخل المحاضرة شرد ذهنه بعيداً جداً تخيل أنه يرى سقراط فى منفاه الاختيارى و بحالة تشبه أحلام اليقظة سأله:
ـ أين الورقة توقع أن يقول له فى الدرج الفلانى
لكن جاءه الرد
ـ فى عقلك يا عزيزى
أفاق من كمده فهم الإجابة يجب أن أحصل على الإجابة بعقلى دون النقل عن سقراطى لقد حصل هو عليها بعقله إنه لم يشرب السم و كذلك أنا.

قام ليناقش الأستاذ المحاضر، لكن وقت المحاضرة انتهى
تبعه خارج القاعة إلى المكتب تناقش معه فى منتهى الندية
شهد له المحاضر بأن له أسلوبه المميز فى الحوار . . و أنه لم يفهمه فى البداية
وعبر عن أمنيته أن يفكر الطلاب بشكل نقدى مثله
فى النهاية تمنى له النجاح
شعر أفلاطون أن جسمه كله منطاداً كبيراً يطير إلى أعلى بفعل عقله المتقد

تمنى أن يراه سقراط
حمله المنطاد إلى المنزل
جلس إلى المكتب أخرج ورقة و كتب:
أرأيت يا أستاذى أخيراً حققت انتصاراً يمكن أن يسجل لى لعله يشبه انتصاراتك الكبيرة على العقول المحدودة.

ظل يدور فى حجرة ذهابا و إيابا عدة مرات، ثم جلس إلى مكتبه، أخرج ورقة أخرى و كتب فيها يوجد على الأرض مكان كافي لكل الناس، لكن المهم أن يجد الشخص المكان المناسب له.

ثم أزاح أفلاطون الورقة و سحب أخرى حاول أن يرسم فيها شيء ما، ظل ينظر فى الورقة، تذكر ما قاله سقراط، أنت لديك ملكة و موهبة كبيرة، يجب أن تستغلها لتحقق ذاتك و تجد لنفسك مكانا و تصنع مكانة لائقة.

عاد للورقة التى كتب فيها الجملة السابقة و غير النص إلى: يوجد على الأرض مكان كافي لكل الناس لكن المهم أن يصنع الشخص المكان المناسب له.

أخرج ورقة من ورق الرسم المقوى و بدأ يرسم فيها لوحة يظهر فيها وجه حصان قوى، كأنه جني يخرج من مصباح علاء الدين السحري.

من مجموعة قصص قصيرة بنفس الاسم
رسائل إلى سقراط
صادرة عن دار التيسير للنشر و التوزيع
الصورة الجانبية للفنان عرفة عبد المعز من معرض الحي الحادي عشر باريس - 2005

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى