الخميس ٢٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم داليا محمد خلف

ريستال...ما عدت انتظر ريشتك

تحترق وسادتى من التفكير...لا تتحمل عقلى وأفكاره المتشاحنة كل ليلة...فى صحوى ومنامى، فأنا كثيرة الحركة، دؤوبة العمل. وفى آخر الليل يأبى عقلى ان يرتاح. فقد زادت أعبائى بحضورى ذلك التجمع لمحبى ريستال العود تجمعنا سويا على دقة الإيقاع وريشة تدغدغ الوتر...فتدغدغ مشاعرى وكأن أنامل العازف تعبث بخصلات شعرى الرمادية التى شابت مبكرا وكأن الأوتار مع حركتها تذبح قلبى بحزن وهم. وفى غمار ذلك المعترك الموسيقى الرومانسى وافكارى المتشابكة لمحت عينين بالصدفة تقرأنى...ذهابا وإيابا بين عينى وبين إبهام وسبابة يدى اليمنى التى تتابع إيقاع الموسيقى فى ريتم متناغم وأخير مع حركة قدمى اليسرى التى طالمت ما وزنت ايقاعى السماعى عند عزفى للبيانو وكأنها تطيل من اصابعى الصغيرة القصيرة تحفزها لأن تمتد لتطول اصابع البيانو وتحتضنها. وجدت هاتين العينين تحملقان فىّ بنهم...تخترقنى...وكعادتى فى مثل تلك التجمعات أشيح بوجهى بعيدا إما خجلا او ترفعا عن مجرد حوار صامت للحظات معدودة يتبعها افتراق. ومع شجون العود و "عودت عينى على رؤياك" تعلو وتهبط نغمات أوتاره وكأن "الست" تغنى معه لتزيدنا نشوة، وجدت هاتين العينين تصران على اقتحام وحدتى، ارتبكت..غصت فى كرسى الخشبى وكأننى احتمى به، لكن جموده لا يسعنى..أين أذهب؟ لم أعد أستطيع تجاهله أو أن أركز كعادتى مع النغمات وخارت قوىإيقاع يدى!! ماذا حدث؟ تلصصت واختلست النظر إلى وجهه الأسمر دقيق الملامح وكأنه رسم بمسطرة ومنقلة ذات زوايا حادة كملامح الإغريق المتمصرة، عينان غائرتان تشعان ذكاء وحدة، لا أرى فيهما بصيص حنان!! وحمدت الله أن الحفل انتهى لأذوب فى الزحام...أفر ، ودعواتى لا تنقطع ألا أجده أمامى.....و أفلحت محاولتى للهروب، ودلفت الى سيارتى ألهث والملم حجابى الذى تهادى خلفى مع سرعة حركتى ونسمات الهواء الحادة او التى هكذا شعرتها. صليت ركعات العشاء ودعوت الله ان انم دون قلق وبعد مجهود مضن زارنى النوم وأصبحت وكأن شيئا لم يكن وتابعت صلاة الفجر دون عناء لتبدأ بعدها طقوس يومى المبكر كالعادة. ووصلت مكتبى ومع اول رسالة الكترونية وجدت اسما غريبا يعنون رسالة بلون أحرف ازرق سماوى عنوانها "تحياتى...كنت عزفا منفرداً" والإمضاء...عازف عود!!!

كلمات بسيطة تشكرنى على نظراتى القليلة له يوم أمس وأنه حصل على عنوانى البريدى من كارت تعارف القاعة.أواه..يا ربى...كيف فعلها؟ تمتمت بضيق، فقد تخيلت ان البارحة قد ولت ولكنها تأبى! حاولت تناسى الموقف مع أول رشفة من فنجان الشاى الأخضر وورقة العمل التى بين يدى لأجد نغمة تصدر من برنامج المحادثة على جهاز الكمبيوتر بالرغم من وضع الإنشغال الذى أظل عليه دوما...انه طلب رقيق للمحادثة فى كلمات قليلة حبيبة الى نفسى "ليه يا حبيبتى ما بينا دايما سفر..." سبقت أناملى عقلى فى الرد وقبلت الدعوة وقد كان...صاحب العينين الرسالة...لا أدرى كيف اقتلعنى من أوراقى بلطف ليلقى تحية الصباح ويعرفنى سريعا بنفسه مرسلا وصلة الكترونية راجيا منى زيارتها وأنه لن يشغلنى عن العمل وانصرف. بتلقائية وجدتنى انتقل للصفحة التى ارسلها لى....رباه ما هذا الألق والإبداع؟!!!! إنه شاعر رقيق ...كاتب للقصة وناقد وأشياء كثيرة لا أعرف كيف اجتمعت له بالرغم من عمله العلمى البعيد تماما عن مجال الأدب وانتزعت نفسى مرة أخرى بعناد من كلماته لأعود لعملى لينتهى اليوم برسالة رقيقة منه يسألنى عن رأيى؟ وتعمدت ألا أرد على السؤال وبعدت اليوم بطوله عن جهاز الكمبيوتر الخاص بى فى المنزل مستلقية امام كتابى فى الفراش احاول جاهدة طرد صورته او إنهاء إختبارى لنفسى بتحديد نبرة صوته كما اعتدت ان افعل....ومن شدة المعترك غفلت عينى أخيرا...وتكررت لمدة ايام خمس نفس المحادثات الرقيقة القصيرة وشعورى بحصار لم أعهده من قبل...لقد بحث عنى فى كل أرجاء الشبكة العنكبوتية وقرأ كل ما كتبت.....و.....انجذبت...وامتد الحوار من الرسائل والمحادثات عبر برامج المحادثة الى محادثات تليفونية قصيرة للغاية ينساب فيها صوته الدافىء الممتلىء...اعتدتها كالإدمان دون أن أدرى....كما أدمنت سماع آله العود...التى جمعتنى بعينيه والحقيقة انه لم يحاول ان يلتقى بى ثانية واكتفى بما أتيح له من حوار من خلال كل وسائل الإتصال الممكنة فى لحظات خاطفة او وقت قصير لا يطول عادة. ووجدت ان اختراقه يزداد وحديثه عن نفسه يمتد تاركا لى الحرية فى ذكر ما أريده عن نفسى واصبح عازف العود الأديب...جزءا لا يتجزأ من صباحى ومسائى مستشعرة بالخطر يدنو من قلبى الموصد منذ أمد...صباحا ومساءا تصلنى

رسائله...كلماته...قصائده....وفجأة...صمت العود!!! توارى...ارسل له يجيبنى بعد أمد....او لا يرد على إتصالى...وكأن الريشة أطاعته...والعود لان له.....والعينان تعلقا به...بعد ان زهدا الدنيا دهرا....ومع الحفل التالى لبيت العود كنت ابحث عنه فى كل العيون...ها هو...يجلس فى نفس الإتجاه الذى أجلس فيه...انه لا يرانى...لكنه ينظر هناااااك للناحية الأخرى حيث تجلس مجموعة من الجميلات التى تعلقت عينا إحداهن ناحيته...فابتسمت ومع نغمات موسيقى الست "انت عمرى"...تناولت هاتفى الجوال وفى رسالة قصيرة "انا ... هو عمرى....لست من نتنظر ريشتك لتعزف على أوتارها"...وأغلقت الهاتف وأنصرفت مع الفاصل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى