الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
قصة ساخرة
بقلم أحمد توفيق أنوس

زوجة مُتفرّغة

لكنه يوم أمس جاءني على غير موعده، وقد مضى على غيابه ما يقارب الشهر أو يزيد، وبعد تبادل التحايا والمقدمات المتعارف عليها وأثناء حديثنا، وجدته على غير عادته، وهو معدودٌ بين ألأصدقاء من أصحاب القلم الساخر واللسان اللآذع، لكنه كان في مجلسه هذا يميل إلى اختصار ردوده، ساهياً عما يدور حوله وما نتناوله من أحاديث وقفشات مضحكة، كانت حالته هذه واضحة لي على محياه.

إنتحيت به جانباً عن الأصدقاء، وطلبت منه إخباري عمّا في نفسه، لكنه رفض الإدلاء بأيّ شيء، وأنه لا يوجد ما يُخبرني عنه، ولكن بعد إنفضاض اللقاء بمدة تقارب الساعة، إتصل بي يطلب لقائي على حدة دون أن يكون هناك أي طرف آخر، أي موعد لا يتشارك به غيرنا، فأجبته لما أراد، وتوقعتُ أنه في ضيقٍ ماديّ وأنه ربما مُحرج من هذا الأمر، وضعت المزيد من النقود في جيبي تحسباً وذهبت للقائه عندما حان موعدنا أو كاد.
لم تكُن سحنته قد تبدلت كثيراً عندما أقبل عليّ قائلاً:
  بالله عليك أعذرني يا صديقي، أرجو أن لا يكون موعدي معك سبباً لضيقٍ في صدركَ، أو ملهاة عمّا أنت به من مشاغل.
  لا أبداً فأنا أريد لقاءك، لأنني شعرت أنك متضايق من أمرٍ ما، (وأظهرت له أنني أُريد المساعدة بما أستطيع).

لكنه بقيَ على صمته لمدة أضطررت معها إلى مفاتحته بالموضوع .
  ما بك يا صديقي أخبرني هل أنت بحاجة لنقود؟، قل لي كم هو المبلغ فالحمد لله طلبك موجود إن شاء الله، (أجاب والبسمة على شفتيه)
  لا.. لا .. يا صديقي ليت مشكلتي تتعلق بالنقود ولكنها... (وصمتَ القبور)
  حسناً لا أحد غيرنا فهيا أخبرني..

أخذ يشرح لي أنه محرج من الحديث بهذا الأمر، ولا يعلم كيف يبدأه، فطلبت منه أن يهدأ وأن يردّ على أسئلتي بنعم أولا.
  هل الموضوع يتعلق بالحكومة
  الحكومة نعم و... لا (ساخراً).

فضحكت من كلمته هذه متسائلاً كيف نعم ولا
  حكومة نعم ولكنها ليست الدولة (ضاحكاً)، نعم أقصد زوجتي فأنا أسميها وزارة الداخلية.
  وأنا أيضاً إذاً ما بها؟، (عاد لجديته).
  ما سأقوله لك أرجو أن لا يعلم به أحد سوانا، ولولا ثقتي بك لما كلمتك بالمسألة لحساسيتها، ولولا أنّ المسألة زادت عن حدها لِما يفوق طاقتي لَما تجرأت وحدثتك بها (ونظر إليّ متبسماً يرفع اصبعه وكأنه يُشهد الله على ما يقول).

ثم أردف قائلاً
  منذ حوالي الشهر حدث كلام بيني وبين زوجتي (ضاحكاً)، والله لا أعلم كيف أخبرك بالموضوع.
وبعد فترة من الصمت أكمل حديثه، أنه في العادة يرجع إلى المنزل ويكون طفله الصغير مازال مستيقظاً ينتظره، فيلاعبه ويداعبه إلى أن تأتي أمه لتأخذه للنوم، بعد تحضير وجبة العَشاء له وبأنه إعتاد على هذا الأمر، لكنه في مرة من المرات قال لها مازحاً وقد عاد إلى المنزل ولم يجد الطفل مستيقظاً،
  لِمَ الطفل نائم؟.
  (فأجابته بغنجٍ): كي أتفرغ لك.
  إذن هو مرسال منكِ إليَّ لأعلم أنكِ مُتفرّغة لي؟.

فهزت رأسها بالإيجاب.
  (قال لي ضاحكاً): ومن يومها يا صديقي لم أعُد أرى الطفل مستيقظاً عند المساء بل نائماً، ولا أدري ما العمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

شاعر وكاتب لبناني
مؤلفاتي الحالية: ديوان خبريهم فاطمة 2014، رواية: سعاد والخريف2015، قصة: سلوى 2015، ديوان: قصائد للذكرى "اللورد بايرون" 2015، ديوان: صكوك غفران 2016.

من نفس المؤلف
استراحة الديوان
الأعلى