السبت ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عفيف شليوط

سطّر يا قلم حوار الأحذية

عندما يرفض أحدنا الرأي الآخر ولا يتقبله، عندما لا يريد أحدنا أن يسمع رأياً لا يتناغم مع رأيه، يحصل ما حصل في العديد من البرامج والحوارات التلفزيونية، أن يتحول الحوار الى حوار أحذية، مسدسات، إهانات، ضرب واعتداءات. فمن منا لا يذكر الحوار التلفزيوني "الراقي"! بين نائب أردني حالي ونائب سابق بدأ بإشهار حذاء، ثم تم تصعيد هذا الحوار "الحضاري"! بإشهار مسدس. ومن يتابع البرامج التلفزيونية على الفضائيات العربية، يدرك جيّداً مدى مستوى الإنحطاط لدى بعض المسؤولين والسياسيين العرب، فعندما يستبد بهم الغضب يفقدون صوابهم، وعندما يعجزون عن مقارعة خصومهم بالحجة والمنطق يلجأون الى إستعراض عضلاتهم وبلطجيتهم على شاشات الفضائيات بلا خجل.

ففي الآونة الأخيرة نتابع بخجل وامتعاض المستوى المتدني للحوارات في البرامج التلفزيونية، التي تفتقد للحوار الفكري، ولتتحول هذه الحوارات الى صراعات ونزاعات بين أفراد، الأمر الذي سهّل عملية تحول الحوارات الى شتائم وإهانات، وتزايد وتيرة العنف اللفظي الأمر الذي دفع ببعض المتحاورين الى استخدام كلمات خارجة عن اللياقة، وبعضها تحمل دلالات إساءة وعنف في المفردات والتهديد والوعيد والشتائم والإهانات. وغالباً ما يتحول الحوار بين ضيفين متباينين في آرائهما الى صراخ وشتائم فعنف لفظي، ليتحول فيما بعد الى عنف جسدي بواسطة الضرب والتشابك بالأيدي والتهديد بالسلاح وعلى الهواء مباشرة.

يبدو أن عصر الفكر والنقاش الفكري حول قضية أو موضوع معين بدأ يتلاشى، ليحل محله الفرد، الأنا، فتنقلب الموازين رأساً على عقب، ولا يعود هنالك قيمة للفكر، للعقيدة، للمبادىء. يحل مكان المبدأ سياسة "مصلحتي مع من"، من الأقوى، من يملك النفوذ. لهذا حل العنف في الحوارات التلفزيونية بدلاً من الحوارات الفكرية، لأنه لا فكر لدى هؤلاء، هؤلاء المسؤولين والسياسيين العرب الذين أصبحوا مصدر تَنَدُّر الكثيرين، ومصدراً للسخرية والضحك، لأن هؤلاء باتت صورتهم أسوأ مما يمكن أن يتصوره انسان. فهؤلاء إن لم يرق لهم الأمر في حوار تلفزيوني ما، أو استاء من أقوال خصمه، فيشتمه أو يلطمه، أو يقذفه بالماء أو بما توفر من أدوات على طاولة "المصارعة"!، آسف.. طاولة الحوار.

وإذا حصل اشتباك في الأيدي أو الأرجل في لقاء تلفزيوني ما، فيا لسعادة مقدم البرنامج الذي يحاول منع المتحاورين من الاشتباك وفي داخله يرقص طرباً، فنسبة المشاهدة للبرنامج بعد هذا الحادث لبرنامجه ستقفز قفزات مثيرة وغير متوقعة، وسيعلو شأن هذا المقدم وسترتفع أسهمه وسيعلو أجره، أما الموقف المسؤول المطلوب من مُعّد البرنامج ومقدمه ومنتجه يسقط في هذه الحالة، أمام اغراء الشهرة والانتشار، رغم أن عرض هذه النماذج بعنفوانها وعدائيتها على الشاشة يعتبر نموذجاً يمكن الاقتداء به، خاصة وأن هذه النماذج وللأسف ممثلي جمهور وإعلاميين ومسؤولين، ونعم المسؤولين.

ألا يدرك هؤلاء أنهم بتصرفاتهم المخجلة هذه، لا يعتدون على الخصم الذي يجلس مقابلهم، إنما يعتدون على الملايين ممن يشاهدون هذه البرامج، ويهينون أنفسهم أولاً وأخيراً. ان السكوت على مثل هذه الحوادث المخجلة يعتبر تهديداً للحريات وعلى رأسها حرية التعبير، وما حيازة شخص مسؤول لسلاح داخل مؤسسة إعلامية، ما هي إلا إهانة صارخة أولاً للإعلام والصحافة قبل أن تكون إهانة لحامل السلاح.

عالج هذا الموضوع الفاضح خلال الأسبوع الماضي الإعلامي اللبناني طوني خليفة في برنامجه التلفزيوني "للنشر"، والأسوأ مما يمكن أن يتوقعه إنسان، أن خليفة عاد وأجرى الاتصالات مع أشخاص قاموا بالاعتداء على خصومهم في حوارات تلفزيونية، معظمهم لم يبدوا أسفهم على ما فعلوه، الأمر الذي يشير بأن أمر التعدي على الخصم أصبح نهجاً وأمراً عادياً، وان ثقافتنا هي ثقافة عدم تقبل الرأي الآخر، ثقافة العربدة والبلطجية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى