السبت ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم بلقاسم بن عبد الله

سليمان بخليلي في حوار خاص

.. ومن منا لم يطمح ذات يوم أن ينزل ضيفا عزيزا مكرما لدى النجم التلفزيوني الأنيق والمتألق:
سليمان بخليلي في إحدى حصصه التلفزيونية الذهبية: خاتم سليمان، ساعة من ذهب، فرسان القرآن؟.. تساؤل مشروع سيصافح ولاشك كل قارئ لبيب لهذا الحوار المثير الذي يبرز إرادة الطموح والتحدي لدى إعلامي متميز، يملك قلما ريشته من ذهب..

استضفته بتلمسان ذات جمعة من أواخر جانفي المنصرم، وتوالت لقاءات المؤانسة عبر الهاتف والإنترنيت، لتثمر هذا الحوار المفيد والممتع، فلنرحب معا بضيفنا المعزز،ونصافحه بكل محبة وتقدير،قبل أن نتابع معه رحلته الشيقة و الشاقة مع مهنة المتاعب والمصاعب.

1-هناك ولا شك دوافع شخصية وحوافز معينة، دفعتك إلى ولوج عالم التلفزيون،وممارسة هذه المهنة الشيقة و الشاقة. كيف.. ومتى حدث ذلك؟..

كانت بداية الحكاية منذ الطفولة،فقد ترعرعت في منطقة سيدي مصمودي الجبلية، الواقعة في أعماق الأوراس، والتي تتوسط مدينتي باتنة وبسكرة، ولم يكن من وسيلة إعلامية في منطقة جبلية وعرة المسالك، رومانسية المناظر، إلا جهاز الراديو، كان بيتنا محطة إذاعة بأتم معنى الكلمة، فقد كان الوالد رحمه الله، وهو إمام، ومفتي، ورجل دين طوت شهرته الآفاق بالمنطقة، مقصد كل سكان الناحية يؤمهم ويستفتونه في أمور الدين والدنيا.. وباعتبار الوالد شيخ القبيلة، فقد كان بيتنا محج وفود أبناء المنطقة للفصل بين خصوماتهم ومشاكلهم اليومية، وربما كان بيتنا الوحيد الذي يملك مذياعا، وهكذا كنت أستيقظ على هيئة الإذاعة البريطانية وأنام على إذاعة الجزائر يوم كانت إذاعة تمثل صوت الجزائر الفتية.

وبطبيعة الحال فقد تأثرت بأصوات أولئك العمالقة الذين تربينا على أصواتهم، أمثال: أبو سامر وعبدالرزاق جبالي ونوال ومحمد بوعزارة وعلي شهاب وأحمد فاضلي، وأحمد بن يعقوب وعبد الحفيظ عاصمي، وغيرهم من المذيعين الجزائريين الذين لا تحضرني أسماؤهم الآن، وكذا أصوات مديحة المدفعي ومصطفى رمضان وغيرهما من رواد إذاعة البي بي سي، ومن خلال الكتاب الإلهي المعجز الخالد " القرآن الكريم " الذي يجلجل صداه كل يوم في أرجاء البيت، ومن خلال الإذاعات العالمية العربية نشأت على حب هذه اللغة الرقيقة التي أتقنتها في وقت مبكر، بخلاف أبناء بلدتي الذين لم تكن معارفهم تتعدى اللغة الأمازيغية التي هي لغة أبناء المنطقة، فضلا عن إتمامي حفظ القرآن الكريم وعمري لم يتجاوز التاسعة، وأتذكر أنني قمت بإمامة الناس في صلاة التراويح بالقرية عام 1972

وبحصولي على شهادة التعليم الابتدائي عام 1974 م كنت السبب في انتقال العائلة إلى مدينة بسكرة لاعتبارين اثنين: الأول أنني الابن البكر في الأسرة الذي حاز على الابتدائية بامتياز، والثاني أن قريتنا الصغيرة لم تكن توفر أكثر من التعليم الابتدائي مما اضطر الأسرة للانتقال إلى مدينة بسكرة من أجل مزاولة تعليمي المتوسط، وتوالت السنون لأحصل على شهادة البكالوريا بتقدير جيد عام 1981 م، وكان أمامي وأنا المولع بعالم الصحافة والإعلام إما الالتحاق بمعهد الإعلام في العاصمة أو بمعهد الآداب في باتنة، واخترت الأقرب والأهم، فقد كنت وما زلت أعتقد أن كليات الصحافة تخرج منظرين وأكاديميين ممتازين وتخرج غالبا صحفيين رديئين،، أما الآداب فتفتح أمامك آفاقا أرحب للكتابة والتعبير وربما النبوغ.

لا يفوتني هنا أن أشير إلى أن المذياع رافقني طوال مساري الدراسي حتى إلى الغرفة الجامعية، حيث كنت أسجل على جهاز الكاسيت برامج إذاعية رفقة الصديق الزميل عبد الباري سوداني الصحفي حاليا بمحطة ورقلة الجهوية للتلفزيون ونقوم بعرضها على الطلبة، ومن خلال المذياع كنت وأنا طالب بالجامعة أراسل وأشارك في عدة برامج من بينها: مسرح الهواة للراحل محمد الطاهر فضلاء، والمجلة الثقافية لخليفة بن قارة، ومغرب الشعوب، وأسماء ومعارف للإعلامي الكبير علي عراب، والبرنامج السياسي قضية وتحليل لمحمد بوعزارة، وهكذا، وقبيل تخرجي في معهد اللغة العربية وآدابها بجامعة باتنة كما أسلفت عام 1986م قرأت خبرا مفاده أن الإذاعة والتلفزيون ستفتتح محطة جهوية بمدينة ورقلة يديرها الأستاذ محمد بوعزارة الذي كنت أتابع برامجه باهتمام، فتلقفت الخبر وأرسلت رسالة بأسلوب جميل أطلب فيها الالتحاق كصحفي بهذه المحطة الفتية، وأعجب الأستاذ بوعزارة بالرسالة فطلب مني الالتحاق بالمحطة لإجراء تجربة صوتية، لأجد نفسي فجأة وجها لوجه أمام هذا الصوت البارع المتألق الذي كنت أقلده، وبطبيعة الحال أجريت الاختبار ونجحت فيه، والتحقت بمحطة ورقلة في 20 سبتمبر من نفس السنة ليلتحق بي بعدها بثلاث سنين زميلي وصديقي عبد الباري سوداني.

2- شهرتك التلفزيونية الواسعة داخل الوطن وخارجه انطلقت مع خاتم سليمان. كيف اخترقت الحواجز؟..

التحقت بمحطة ورقلة للتلفزيون كصحفي برتبة محرر مذيع، وبدأت منذ الأسبوع الأول في إنجاز تحقيقات وروبورتاجات عن التنمية بالمنطقة، بالإضافة إلى تقديمي لنشرة الأخبار الجهوية كل أسبوع، غير أنه لم يمض عام واحد حتى وجدت أن العمل الصحفي محدود، فانطلقت باتجاه إنتاج البرامج المطولة، حيث أنتجت عام 1988 برنامجين أحدهما ديني بعنوان: وهديناه النجدين، والثاني فني بعنوان: أنغام من الجنوب، ومن خلال هذا البرنامج الأخير قدمت للمشاهدين صوت الفنان الراحل عثمان بالي لأول مرة، كما أعدت التعريف بالفنان عبدالله مناعي، ومحمد محبوب، وغيرهم من فناني الجنوب الشرقي.

وفي العام نفسه قدمت فكرة إنتاج برنامج مسابقات ثقافي بعنوان: ألف ياء،، غير أن الأستاذ بوعزارة ارتأى تسميته: تبر ونخيل، حيث قدمت حلقات منه بمعية ابنته السيدة فيروز زياني نجمة قناة الجزيرة حاليا، ولم تك آنذاك سوى طالبة في مرحلة التعليم الثانوي، وقدمت بعده فكرة إنتاج برنامج خاتم سليمان، غير أن الوسائل التقنية المحدودة التي لم تكن تكفي لتغطية النشاطات الإخبارية في منطقة تشمل ربع مساحة الجزائر حال دون تنفيذ المشروع.

وهكذا استأنفت نشاطي كصحفي أخبار، وفي نفس الوقت كمنتج لبرامج بالمحطة إلى غاية عام 1994 حيث صدر المرسوم الحكومي الذي يسمح للصحفيين في مختلف وسائل الإعلام بالخروج الطوعي من المؤسسات الحكومية وإنشاء مؤسساتهم المستقلة، فأدرجت نفسي ضمن هذه المغامرة، وعدت إلى مدينة بسكرة لأنشئ مؤسسة صغيرة تحمل اسم: سـات، اختصار تسمية: استديوهات الإنتاج التلفزيوني، ومن خلالها، وبوسائل محدودة، أنتجت لأول مرة برنامج خاتم سليمان لقناة mbc ثم لمؤسسة التلفزيون الجزائري منذ العام 1995 إلى غاية 2009 م.

حاولت من خلال هذا البرنامج أن أقدم المعلومة الثقافية للمشاهد في طابع خفيف وفي ظرف وجيز بما يحقق المتعة والفائدة في آن واحد، كما حاولت من خلاله أن أعرف جمهور المشاهدين بالبلدان التي نزورها من خلال الدردشة التي نجريها مع المشاهدين، وفي عام 2008 اقترح علي المدير العام للتلفزيون الأستاذ حمراوي حبيب شوقي أن نوسع الفكرة، فابتكرت برنامج ساعة من ذهب الذي أنتجته لسنتين متتاليتين ثم اختفى كما تختفي كل الأعمال الجميلة المفيدة.

3-تميزك بارز في فرسان القرآن.. لماذا غبت أو تم تغييبك عن هذه الحصة التلفزيونية الرائدة والناجحة؟..

عندما لاحظت أن التلفزيون في حاجة إلى تنويع البرامج بما يرضي مختلف الفئات من مشاهديه، قدمت للأستاذ حمراوي فكرة إنتاج فرسان القرآن فوافق عليها، وشرعت في العمل وحقق البرنامج نجاحا باهرا، وأنتجت طبعة واحدة في عهده، وبمجيئ المدير العام الحالي عبد القادر العلمي استأنفت إنتاج البرنامج في مناخ محبط وغير مشجع، وبدأت المشاكل تطفو، وظهرت الغيرة والأحقاد، وشرع في تصفية من صنفهم ضمن جماعة حمراوي وكنت أولهم، رغم أن الله يشهد أنني لم أرتبط أبدا طوال مساري المهني بشخص معين.

كنت أؤدي عملي بما يرضي جمهور المشاهدين، وبما يقدم خدمة للفرد والمجتمع، لكن النظرة القاصرة في بعض الأحيان لا تؤدي من خلال الإقصاء إلا إلى المآل الذي أدى بوزير الاتصال إلى تقديم اعتذاراته للمشاهدين عن رداءة برامج التلفزيون الذي يمولونه من جيوبهم، ولم أكن الوحيد الذي تعرض للإقصاء، غير أن برنامج فرسان القرآن كان البرنامج الوحيد الذي استهدف بما أسماه العلمي بـ " الاسترجاع " وبما أسميه " التأميم "، وبطبيعة الحال كان القصد هو استرجاع البرنامج من مستواه الراقي والنزول به إلى الحضيض، وهو ما حصل فعلا، رغم أنني أحمد الله اليوم أنه جنبني أن أكون شريكا في الرداءة التي وصل إليها التلفزيون والتي أعتذر عنها الوزير، فأنا لا يشرفني أن أجد نفسي في موقف يعتذر فيه وزير عن رداءة ما أقدمه.

4-ها أنت تبادر وتغامر بإصدار مجلة ثقافية اجتماعية وتطلق عليها اسم الفرسان.. كيف برزت الفكرة؟.. ومن هم فرسانك في هذا الميدان؟..

بتوقفي عن الإنتاج التلفزيوني فكرت في الانشغال بتقديم مادة إعلامية أستمر من خلالها في أداء رسالتي التي خلقت من أجلها، وكان عنوان "الفرسان " هو الأقرب، فقمت بإصدار المجلة رفقة طاقم من الشباب الصحفيين يتقدمهم الزميل زبير حجايجي، وهو من الجيل الجديد من الإعلاميين الذين نشأوا في جريدة الخبر الثقافي، وبمعية كتاب كبار، أمثال الدكتور عميمور، والأستاذ بوعزارة، وحفيظ دراجي، وبلقاسم بن عبدالله، وباديس قدادرة، وعمار يزلي، وغيرهم ممن كانت " الفرسان " سببا في التشرف بلقائهم.

5-لغتك الأصيلة لها شفافيتها وحيويتها، كيف تتعامل مع اللغة كمادة خصبة في كتاباتك الأدبية والإعلامية؟..

اللغة بالنسبة لي مثل المرأة، يجب أن تكون فنانا في التعامل معها حتى تتمكن من إقناعها بحبك... هكذا ومن خلال حرصي على تقدير اللغة العربية ومؤانستها والتغلغل إلى أعماقها تمكنت من تطويعها والظفر بحبها، ومنذ الصبا أغرمت بالعربية من خلال ما كان الوالد رحمه الله يقرؤه لي، من شعر ونثر وحديث وقرآن، وبمجرد بلوغي سن الرشد صارت اللغة بين يدي خاتما في أصبعي أديره كيفما أشاء، قرأت الكثير الكثير، وتعمقت في كثير من لغات العالم، لكنني لم أنبهر إلا بجمال اللغة العربية ودلالها، فتمكنت هي من الإيقاع بي في شراكها حتى صارت تلعب بي كما تريد وألهو بها كما أشاء.

أستطيع لو شئت أن أشرع الآن في كتابة أي مقال أو أي نص بنفس السهولة التي أتنفس بها أو أشرب بها كوب ماء.. ولو أدرك بعض الجزائريين سر هذه اللغة وروعتها وجمالها لما استبدلوا بها كل لغات الدنيا.

6-تشرف حاليا على مؤسسة خاصة للإنتاج التلفزيوني.. ماذا عن الرصيد والجديد في هذا المضمار؟..

خرجت من التلفزيون منذ العام 1994 م، ومنذ ذلك الحين وأنا أنتج برامج ومواد إخبارية مختلفة سواء لقنوات عربية، كما هو الحال مع التلفزيون السعودي الذي كنت أراسله من باريس ومن أوروبا ضمن برنامج حقيبة المراسل، أو من خلال البرامج التي أنتجتها: خاتم سليمان، ساعة من ذهب، وفرسان القرآن، وحاليا أنجز من خلال هذه المؤسسة ومضات وروبورتاجات إشهارية لمؤسسات خاصة، كما أصدر من خلالها مجلة الفرسان كنشاط إعلامي أضفته لها مؤخرا.

7-من خلال هذه المؤسسة وتلك المجلة، كيف ترى مجالات الإسهام في إنجاح فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية؟

لحد الآن لا يربطني أي اتفاق بهذه التظاهرة، وقد شاركت بمقترح لإنجاز سلسلة وثائقية عن أشهر علماء تلمسان، لكن المقترح قوبل بالرفض لأسباب لا أعلمها، أما من خلال المجلة فنحن سنعمل على مواكبة الفعاليات ونقلها لقرائنا كغيرنا من وسائل الإعلام الوطنية.

8-كلمة ختامية من القلب إلى جمهور القراء الأوفياء..

ما يحز في النفس هو الشعور بالظلم والقهر والإقصاء والتهميش..يحز في النفس أن تحال على البطالة أو التقاعد في عز سنوات الإبداع.. ويحز في النفس أكثر أن تقصى الكفاءات الوطنية التي تستطيع أن تقدم شيئا لوطنها، لا لشيء إلا بدافع الغيرة والحقد والخوف من المزاحمة على الكرسي وتلك هي قمة الظلم..

الظلم يدفع إما للانتحار أو للثورة، وكلا الخيارين ليسا من اهتمامي حاليا، لأنني مؤمن بقضاء الله وقدره، ومن تمام الدين: الإيمان بالقدر خيره وشره، وعندما تتاح لي مرة أخرى فرصة خدمة أمتي ومجتمعي ووطني فلن أتأخر، بل سأعوض مافات، وعندما توضع في أرجلنا القيود وفي أيدينا الأغلال علينا أن نؤمن بأن العسر لا يمكن أن يغلب يسرين اثنين.. وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى