الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

سهير المرشدى: الفنان مؤسسة متكاملة، وموقف سياسى

فنانة مسرحية من الطراز الأول. وواحدة من الفنانات اللواتى يتمتعن بثقافة عالية، وقدرة على توصيل المشاعر، وإقناع المشاهدين بالشخصية التى تلعب دورها. ولعلنا جميعا نتذكرها فى دور الراقصة "سماسم العالمة" فى المسلسل الشهير "ليالى الحلمية".. على هامش ندوة نظمتها يوم 24 فبراير الماضى جمعية "أنصار التمثيل والسينما" التى ترأسها الفنانة سهير المرشدى كان لنا معها هذا الحوار:

 فلسطين: هل اعتزلت سهير المرشدى الفن؟
 سهير المرشدى: لا.. مين قال الكلام ده؟

 فلسطين: ولكننا لم نعد نراك على الشاشة.. فلماذا هذا الانقطاع؟
 سهير المرشدى: أنا عندى قناعة كبيرة بأهمية الفن، وقيمته الإنسانية العالية. وفى نفس الوقت احترم جمهورى واحترم عقليته. ولهذا فاننى أتوقف عندما اشعر أننى ليس عندى الجديد الذى يمكن أن أقدمه. ولهذا أنا أفضل الابتعاد لبعض الوقت بدلا من أن أقدم أعمالا دون المستوى. بالتأكيد لو رجعت بذاكرتك إلى الوراء قليلا.. هل شاهدت مسلسل ليالى الحلمية؟

 فلسطين: بالطبع.. من منا لم يشاهده، و يتذكره..
 سهير المرشدى: هل تتذكر دورى فيه؟

 فلسطين: أكيد.. لا يمكن أن أنسى سماسم العالمة..
 سهير المرشدى: مثل هذا العمل الفنى هو الذى يمكن أن يضيف لرصيدى، ولو وجدت هذا المستوى من الأعمال مرة ثانية فسأقدمه فورا بدون تردد.

 فلسطين: كلما سألت أحد الفنانين نفس هذا السؤال أسمع إجابات متشابهة..
 سهير المرشدى: هذا طبيعى.. فما هو الذى تتوقع منهم أن يقولوه لك؟ أنهم مثلا مستعدون لتمثيل أى دور بغض النظر عن قيمته الفنية بالنسبة لهم؟ ولمجرد إثبات تواجدهم؟

 فلسطين: لا طبعا.. لكن إذا كان الكل يبحث عن العمل الجيد.. والجميع يقدمون الفن الجيد، والراقى، فمن هم إذن الذين يقدمون موجة الأفلام المتدنية فنيا، وموضوعيا؟

 سهير المرشدى: هذه المسألة ترجع إلى اختلاف الثقافات، ووجهات النظر الشخصية لكل فنان.. فمثلا يمكن أن أرفض أنا دورا تعتبره فنانة أخرى فرصة جيدة بالنسبة لها. والعكس صحيح.

 فلسطين: و أين أنت من المسرح؟
 سهير المرشدى: منذ فترة طويلة لم يعرض على مسرحيات وتحديدا من بعد مسرحية سالومى فى المسرح. أما فى التليفزيون فإن أخر عمل لى هو مسلسل "عطشان يا صبايا" الذى لم يتم عرضه حتى الآن. من بعد "ليالى الحلمية" و "أرابيسك" لم أجد ما يشدنى للعمل لأن معظم الأعمال التى كانت معروضة على تتشابه فى الشخصية مع شخصية "سماسم" فى "ليالى الحلمية". وقد رفضتها كلها لأننى ضد الاستسهال. ولا أريد أن أكرر نفسى.

 فلسطين: هذا غريب..
 سهير المرشدى: لا غريب ولا حاجة.. أنا لا يعنينى الغياب لفترات.. ولكن ما يهمنى أننى عندما يأتينى عمل.. فسيأتينى من ناس يعرفون قدرى الفنى. وهذه النوعية من الناس أصبحت قليلة هذه الأيام. المؤسف أن الحسابات الخاصة، والأهواء، والمصالح سواء فى المسرح أو السينما أو التليفزيون أصبحت من العناصر الحاسمة فى الاختيار. ولو توقف العمل بهذه المعايير غير الموضوعية سنرى كل الفنانين الكبار فى حالة نشاط.

 فلسطين: ولكن حال المسرح عموما لا يسر الخاطر.. ولا نرى أى جهود
 سهير المرشدى: البعض يبذل جهودا فردية للنهوض بحال المسرح. ولكن لا يوجد حالة عامة من الحماس لنهضة المسرح. وعندما يوجد مثل هذا الحماس، فلن ينتعش مسرح الدولة فقط، بل ومسرح القطاع الخاص أيضا.

 فلسطين: إذا أنت تريدين القول أن هناك أزمة فى المسرح؟
 سهير المرشدى: الأزمة ليست أزمة المسرح فى حد ذاته، بل هى أزمة ثقافة عامة فى المجتمع المصرى. لقد أصبحت الثقافة المصرية عموما فى أزمة. ولم تعد هناك تلك التيارات الثقافية، ولا ذلك النشاط الثقافى الذى تعودنا عليه من قبل. والمسرح يرتبط بالثقافة بشكل قوى. لأن فنان المسرح لا بد أن يكون مثقفا.. لا بد أن يكون قادرا على تحقيق المعادلة الصعبة.. الإمتاع والتثقيف.. فالإمتاع أحد أهم الأسس التى يجب أن يهتم بها الفن المسرحى ليستطيع التأثير فى ذهن وعقل ووجدان المتفرج. ولكن ما نراه حاليا ليس مسرحا. والهدف منه فقط هو الإضحاك بهدف الربح..

 فلسطين: يبدو أن حالة التدهور امتدت إلى مختلف جوانب الحياة، وليس المسرح فقط..
 سهير المرشدى: المجتمع يشهد تغيرات كبيرة وسريعة. ومن الطبيعى أن تكون هناك تفاوتات.. فمثلا مصر أنجبت زمان أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش الذى نحتفل بذكرى وفاته اليوم عبر إحياء فنه.. ومصر نفسها هى التى أنجبت فنانى هذه الأيام. زمان كان الشباب يتعاطون السياسة والثقافة، أما اليوم فيتعاطون أشياء أخرى. زمان كان المنزل والمدرسة يلقنوننا القيم والمعارف.. أما اليوم.... لا داعى... فكلنا يفهم ما يجرى.

 فلسطين: ولكن ألم تفكرى فى خوض تجربة الإخراج بدلا من الاكتفاء بفكرة التمثيل فقط؟
 سهير المرشدى: فكرت فى ذلك كثيرا خصوصا أننى خريجة قسم التمثيل والإخراج بأكاديمية الفنون. وقد سبق أن عملت كمساعدة مخرج فى عدد من الأعمال. وربما أحاول أن أخوض التجربة من خلال جمعية أنصار التمثيل والسينما التى أتشرف برئاستها.

 فلسطين: حسنا.. أنت أيضا متعددة النشاط.. فها أنت تترأسين أيضا جمعية أنصار التمثيل والسينما.. وهذا جهد مشكور لأنه يسهم فى نقل الخبرات إلى الأجيال الجديدة، ويعمل على نشر القيم الفنية الأصيلة التى نفتقدها.. وأنا شخصيا أتمنى أن تستطيعى من خلال هذه الجمعية غرس بعض القيم والتقاليد النبيلة، والجادة...
 سهير المرشدى: أشكرك.. لقد اخترت بالفعل النشاط فى هذه الجمعية بعد أن وجدت أنه ليس هناك أعمال تحتوينى فى المسرح والسينما والتليفزيون. و وجدت أن هذه الجمعية يمكن أن تكون وسيلة مناسبة لدعم الموهوبين والهواة. وسيكون من نطاق عملنا تنظيم دورات تدريبية، وتكوين فرقة مسرحية لتخريج المواهب. وهذا النشاط ليس جديدا بل هو موجود بالجمعية منذ تكوينها.

 فلسطين: هناك رأيان حول الانتماء السياسى للفنان.. الأول يؤكد على ضرورة حيادية الفنان سياسيا.. والثانى يرى ضرورة أن يملك الفنان وجهة نظر سياسية ما.. ونراك من النوع الثانى.. بدليل مشاركتك فى الفعاليات السياسية والحزبية المختلفة.. وإن كنا نلمح ميلك لليسار السياسى..
 سهير المرشدى: الفنان يعتبر مؤسسة متكاملة.. خاصة و أن له من الميزات ما لا يتوافر لغيره. وعلى رأسها القبول الجماهيرى.. ومن هنا.. فرأيه دائما ما يكون أكثر تأثيرا عن غيره. ومن هذا المنطلق ليس غريبا أن تجدنى مشتركة فى اغلب الفعاليات السياسية والتظاهرات الشعبية.. خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة العربية، وما نشهده من تهديدات أمريكية بضرب العراق.. بخلاف القضية العربية المحورية، وصراعنا الأزلى مع العدو الصهيونى.

 فلسطين: متى تأسست جمعية "أنصار التمثيل والسينما"؟
 سهير المرشدى: عام 1913. وكانت تضم طوال تاريخها خيرة نجوم مصر. وتناوب على رئاستها عدد من الفنانين الكبار أمثال سليمان نجيب، وعبد الوارث عسر.

 فلسطين: هناك موضوع شائك .. وسألقى مجرد سؤال فيه .. دون إطالة للنقاش..
 سهير المرشدى: اتفضل.. خد راحتك..

 فلسطين: موضوع توريث الفن للأبناء.. اليوم لدينا أجيال من الفنانين أبناء الفنانين.. لا أدرى حقيقة.. هل يتم توريث المواهب أم أن هناك حسابات أخرى وراء هذه الظاهرة.
 سهير المرشدى: فهمت قصدك.. انت عايز تتكلم عن شغل بنتى حنان كرم مطاوع فى الفن؟

 فلسطين: بصراحة؟ هذا هو ما أقصده بالضبط.
 سهير المرشدى: بداية.. لا وساطة فى الفن. وقد يكون أبناء الفنانين محظوظين فقط فى تسهيل دخولهم لمجال الفن. وقد يقوم ابن الفنان بالمشاركة فى عمل أو اثنين تتضح من خلالهما موهبته من عدمها. فإما أن يكمل الطريق من عدمه. وهنا لن تنفعه وساطة كائن من كان.. وكم رأينا العديد من أبناء الفنانين لم يمكنهم استكمال الطريق. فقديما، حاول الفنان الراحل القدير عباس فارس إلحاق ابنه بمجال التمثيل، وقام جمال فارس ببطولة مطلقة لفيلمين لم يحققا أى نجاح. ولهذا فضل جمل فارس الابتعاد عن مجال الفن، بل وهاجر للخارج. وهويدا ابنة صباح.. وفى المقابل نجد أبناء فنانين فرضوا موهبتهم على الساحة الفنية. وأقرب مثال الفنانة الصاعدة دنيا ابنة الفنانين سمير غانم، ودلال عبد العزيز.. فهى مطربة ذات خامة صوتية جيدة، وأراها مطربة واعدة، فضلا عن إجادتها لفن التمثيل. والفنانة الشابة ريهام عبد الغفور إبنة فنان المسرح القومى القدير أشرف عبد الغفور. التى أراها تخطو خطوات جيدة لتثبيت أقدامها. وغيرهم الكثير.

 فلسطين: شكرا على هذا الحوار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى