الأحد ١٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم مهند عدنان صلاحات

شقائق النعمان :

فرقة تراثية فلسطينية تعيد الروح العربية للمدن الفلسطينية في مواجهة الثقافة الإسرائيلية.

فرقة تراثية فلسطينية، نبتت كزهرة برية في ارض الناصرة حيث عاش السيد المسيح عليه السلام، وحملت أسم زهرة شقائق النعمان التي تزين جبال فلسطين في الربيع، تعزف اللحن التراثي والمقامة العربية الأصيلة لتعيد للمدينة هويتها ووجهها العربي الأصيل على الرغم من الضغط التي تمارسه قوات الاحتلال أمام أي محاولة نهضوية ثقافية في المدينة شأنها شأن بقية مدن فلسطين المحتلة عام 1948م، تجوب الفرقة الأراضي الفلسطينية تعزف اللحن الفلسطيني الأصيل، التقتُ برئيس الفرقة الأستاذ حاتم عرابي في مدينة الناصرة وأجرت معه الحوار التالي:

  ما هي هوية فرقة شقائق النعمان، ومن أين أتت فكرة تأسيسها ؟

 شقائق النعمان: هي زهر بري تزدان به تلال الجليل كلما هلَّ آذار، وهي في ألوانها زينة فعلاً، فحمرتها تقارب طهر دماء الشهداء، وحلاوة احمرار أخاديد الطفولة في ربيعها، وكان لتعداد ألوانها تقارب من غناء تراثنا بالألوان والصور والألحان فكان أسمها تعبيراً عنها وعنا المؤسسين والأعضاء.

كنت بكل تواضعي وراء فكرة بناء الفرقة، وكانت الأحلام تسمو فوق الطموح انطلاقاً من قوة الإيمان بصدقها ونبل رسالتها، فرحت انسجم عملاً وأملاََ ببنائها، واستطعت بفضل رجل كريم بعيد الرؤيا ساعده منصبه "كرئيس المجلس المحلي إكسال " "السيد محمد شلبي" فعرضت عليه الفكرة، فشجعها ورحب بها ودعمها من خلال تخصيص ميزانية تصرف في سبيل إنشاء الفرقة، واحتضن الأعضاء بكاملهم في قلبه، وكان ما خصصه من ميزانية بالكاد تكفينا وعلى كل الأحوال لم يكن طموحنا المال بقدر ما كان الهدف بناء الفرقة، وكان في هذا شريكي صاحب فضل عظيم في هذه الناحية، فلم يكن يزعجه لو دفع القليل الذي كان يصرف له " كراتب " في سبيل تأمين احتياجات الفرقة حيثما تعذر ذلك، وكثيراً ما تقدم يعرض راتبه في سبيل دفع الفرقة للأمام، فهو الذي يقاسمني التعب الجهد الحلم والأمل ولم يزل، فكل لحظة نجاح للفرقه له نصفها، وكلما حاولت تحمل الفشل لوحدي سارع قبلي يحمله، إنه الصديق خضر شاما.
كان عام ميلاد الفكرة وبدء العمل على إنشائها سنة 1996، حيث جمعت الصدف بيني وبين خضر شاما، وكان تسارع العمل في البناء أشبه بثورة تحمس لها كل من شارك بها، فتم في السنة الأولى بناء فرقة دبكة شعبية، وفريق للمسرح، وفرقة موسيقية معاً، وتم عرض أول عمل في السنة التالية مباشرة، وتضافرت جهود كثيرة متنوعة ساعدت في إنجاح أول إنتاج "لشقائق النعمان" باسم : " حوش أبو علي "، وتم عرضها على عدة مسارح محلية.

أما عن كيفية تشكل الفكرة فهذه حكاية تعود في خصوصيتها لطفولتي التي عشت، حيث خيم عليها السؤال حول حقيقة هويتي الثقافية وما يميزها عن الآخرين، حيث تنازعتها المناهج الدراسية أيام الدراسة من جهة، والموروث الثقافي الذي اكتسبته من جدي وأمي من جهة أخرى، حيث كانا على طرفي نقيض، فالمناهج الدراسية التي تلقاها هنا في المدرسة تمجد الاحتلال لفلسطين وتصفه تحريراً لها، بينما الموروث الثقافي معروف للجميع، وطالما راقني ذلك الصوت الحنون لأمي وهي تحاول أن تنوم أحد إخوتي الصغار وكأنها تزرع بذور ذلك الموروث عميقا في نفسي، وكان الطبع غالبا للتطبع كعادته في كل الأحوال، فارتددت لهويتي التي أعتز وافخر بها، ونميتها بالدراسة والمطالعة إلى أبعد ما استطعت، ولما كانت الأغنية تستهويني كان طبيعياً أن أكتبها وأن أبحث عمن يلحنها ويغنيها. على هذا التقينا أنا و خضر شاما، وأنجزنا بناء الفرقة الموسيقية والمسرحية وفرقة الدبكة الشعبية، ولما ضاقت بنا الميزانية التي خصصها المجلس المحلي صرنا نختصر من أجل نصرة الأغنية، وبقيت الفرقة الموسيقية وعدد لا بأس به من الأغاني التي تم لنا إنتاجها تحمل ألواناً عديدة من جوانب حياتنا كأفراد في مجتمع، نعبر عن هموم هذا المجتمع وهمومنا فيه، أما وقد ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً في المجلس المحلي وما عاد بمقدوره دفع تلك الرواتب الرمزية، فقد حكم على الفرقة بالتوقف عن نشاطاتها بعدما استطعنا إنتاج أكثر من عشرين أغنية متنوعة المجالات والرسالات والصور، ولم نزل حتى اليوم نعاني من هذه الأوضاع.

  ما هي ابرز المعوقات التي تواجهها الفرقة في رحلة حفاظها على التراث، وكيف يمكن أن تصور المعاناة التي تواجهها الفرقة من حيث مكانها الحالي ؟

 المعوقات التي واجهتنا وتواجهنا كثيرة منها :-

1. انعدام الميزانية بسبب انعدام الإيمان بالرسالة ذاتها، بما تفرضه ضروريات الحياة اليومية، فببساطة توجهنا لجهات لجمع تبرعات من أجل دعم الفرقة فوجدنا أنفسنا نطلب ما هو ليس ضرورياً لجدول الأفضليات عند المتبرعين، فطبيعي أن يتبرع الفرد في سبيل دعم الانتفاضة بدلاً من التبرع لإنتاج أغنية، الأمر الذي يدعونا للخجل في طلب الدعم من أي جهة رسمية أو غير رسمية.

2. الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه المجالس المحلية هنا في فلسطين، حيث بالكاد تستطيع دفع رواتب موظفيها.

3. قلة السبل للوصول إلى جهات تهتم بالموضوع عربياً وعالمياً خصوصاً وأن أعمالنا التي أنتجناها لم نستطع توثيقها بمستوى يليق لعرضه عالمياً من حيث جودة التسجيلات، خصوصاً وأنها كانت تُسجل مباشرة من الحفلات التي أقمناها هنا وهناك.

4. استحالة الوصول إلى وسائل الإعلام، لأننا على الصعيد المحلي نقدم فناً فلسطينياً ملتزماً، ولأسباب سياسية نُمنع من الظهور في وسائل الإعلام المحلية، وعلى صعيد العالم العربي نحن نقدم فناً غير مطلوب في السوق التجارية، فنحن نقدم الأغنية التراثية والأغنية الملتزمة ولم نفكر لحظة بإنتاج الأغنية التجارية الاستهلاكية فهدفنا في النهاية حمل رسالة واثبات هوية.

 كيف تواجه الفرقة مسألة غياب الدعم، وماذا حلّ بها بعد غياب الدعم ؟

 بعد غياب الدعم تفككت الفرقة، وبقينا خضر وأنا نحمل فكرتها في قلوبنا، فخضر يدّرس الموسيقى العربية في المعهد العالي للفنون في الناصرة، ويدّرس لطلابه مقطوعات من موسيقانا التي انتجناها، وأنا لا زلت أبحث عمن يقدم الدعم المادي لإعادة إحياء الفرقة من جديد، ولا زلنا نلتقي دورياً نناقش بعض أمور الفرقة حتى بعد تفككها، أو نلحن أغنية جديدة، أملاً منا بميلاد جديد للفرقة، أما خضر فقد استطاع طوال السنتين الماضيتين من تدريب عدد لا بأس به من العازفين الجدد الذين يستطيعون في ظرف أقل من شهر على الظهور على المسرح في باقة من شقائق النعمان تحمل جديدنا وقديمنا بألوانه وجمالياته التي نعشقها ولكننا بغياب الدعم المطلوب لا نستطيع أن نتوجه لعازفين بشكل جدي من أجل ممارسة نشاط الفرقة بغياب دعوة لعرض على الأقل.

 ما هي أهم منجزات الفرقة الحالية ؟ على الصعيد العام للفرقة وعلى الصعيد الفردي ؟
 تتلخص إنجازات الفرقة في إنتاج ما يزيد على الخمس والعشرين أغنية تتفرد بموضوعاتها عن سواها، فالمغنين من الشباب الهواة والصبايا، حتى أننا نعتز بأننا أشركنا طفلة لم تتعدى التسع سنوات من عمرها في أغنيتين خاصتين بها، واستطعنا أن نقدم أكثر من مغنٍ ومغنية في عدد لا بأس به من الألوان الغنائية والصور الشعرية بقوالب راقية موسيقيا وأدبياً،
أما على لصعيد الفردي فقد طورت موهبتي الكتابية وكتبت جديداً ما كنت لأصله في السابق، واستطاع خضر شاما من اكتشاف 73 مقاما موسيقيا لم تكتشف بعد وهي كنزنا الثمين، حقاً كما انه مَنهَجَ طرقا لتدريس الارجتال على المقامات الموسيقية الشرقية لعازفين غير شرقيين، وهذه سابقة موسيقية لم يسبقه إليها أحد.

 ما هي طبيعة الكلمات والألحان والمقامات التي تستخدمها الفرقة في تلحين أغانيها ؟
 تميزت كل أغنية بخصوصية عن سواها في كون الكلمة فيها أعطت للحن روحاً مختلفة وغذته بروحها، فانطلقت الألحان تردد النغمات من وحيها، وهكذا جعلت كل أغنية تحكي عالماً مختلفا عن الأخرى بكلامها ولحنها وتوزيع الموسيقى، فيها كله بني على وعيٍ ودراسةٍ مستفيضةٍ في عالمِ المقاماتِ العربية فقط، فتجد روح التراث مثلاً في أغنية " الغربال " وروح خيال الشرق في " أنا ما خنت " وعبق الطفولة الدافق في " عصفور "
وزخم الحصاد في " الحصادين " ولكل مقال مقام.

 فرقة صابرين الفلسطينية، استطاعت أن تشق طريقها إلى العالمية، كيف لفرقتكم أن تشق طريقها على هذا النحو ؟
 لاقت صابرين الدعم المناسب في الوقت الذي احتاجته، علاوة على كونها فرقة مرنة نسبياً في كون أعضائها هم أنفسهم الفريق الموسيقي على المسرح، فهم العازفون، ومنهم المغنين، وهم الكتّاب والملحنين وأصحاب الفكرة، بخلاف فرقتنا، فنحن كاتب وملحن فقط، ونحتاج الكثير من المهارات كعازفين ومغنين ومسوقين، فكان أكثر سهولة على صابرين الظهور على المسرح على الأقل مقارنة بنا، فهم فريق متكامل من حيث صاحب الفكرة والإنتاج، أما نحن فالأمر مختلف، فمسألة الحفاظ على نشاط الفرقة كفرقة نحتاج لميزانيات تمكننا من ذلك، أما بالنسبة للظهور على المسرح نحتاج في الوقت الراهن إلى دعوة من جهة ما، فكما سبق وأسلفت: قام خضر بتدريب كادر من العازفين على أعمال الفرقة بحيث نكون جاهزين فيما لو طُلِبَ منا ذلك.

فرقة تراثية فلسطينية تعيد الروح العربية للمدن الفلسطينية في مواجهة الثقافة الإسرائيلية.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى