الاثنين ١١ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد ولد عبدي

شقاق الطين

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

محمود درويش

الآَنَ آَنَ لهذه الصحراء خَلعُ الطِّين
آَنَ لها تَخِيطُ عباءةً أخرى
بحجم سمائنا القُزَحِية الثَّكْلَى
وطعم الجوع في أحلامنا القتلَى
ولون الصَّمتِ فينا
حيث لا معنًى يُعزينا
ولا لغةٌ تعلمنا الكلامْ
الآَنَ آَنَ لهذه الصحراء رَفْوُ الرّمل
آّنَ لها تُوارِي عارَها البَشَرِيَ
منذُ الملحُ أغراها
فعاثَتْ في السِّباحِ
بها استحلت صمتَ من ماتوا
ومن عاشوا
ومن في السِّرِ تُسْكَنُ
باسم ما اختطَفَتْ يَمينٌ
شُلَّ ساعِدُها
وأَغْرَتْها الخَلاخِلْ.
وتَطَوَّقَ المَعنَى
فلا معنى سوَى سَقَطٍ
تمُنُّ به على مَن ماتَ يعبُدُهَا القبائلْ
مُتَجَرِدًا مما به يحيَى
تُقَلِّبُهُ البلاغةُ في الصِّفات
كما تشاءُ به القَوافلْ
أو تَشاءُ بِهِ
إذا ما ماتَ غاصِبُهُ
النوازلْ.
شحَّتِ الأسماءُ
فالأسماءُ وَسمٌ
ليس يملكُهُ سوى من يملك المعنَى
ولا معنَى لمن لا يملك المبنَى
ولا مبنَى بلا وطنٍ
ولا وطنٌ يُقامُ على سِبَاخٍ
أُعملتْ فيها المَعاوِلْ.
هذه الصَّحراءُ
كانت قبل طَفْحِ الطِّينِ
مُنْتَبذًا
يلوذُ بها الذين تعلقوا بالشمس
من ظلِّ الطُّغاةِ
ومن شِقاقِ الطِّين
مُغْتَسَلاً من الأَدْرَانِ
حين الشمسُ تَسكبُ سرَّها القُزَحيَّ
تَتَسِعُ الجهاتُ
ويَستفيقُ الماءُ
منعتِقًا من الطِّينِيِّ في الانسانْ
كيفَ تَحَوَّلتْ وَحْلاّ
تَحَنَّطَ فاستحالَ إلى سِباخٍ
تُسْتَرَقُ بها الرِّقابُ
من النُّصُوصِ أو اللُّصُوصْ
كأَنَ هذا الأفقَ مفقوءُ البصيرة
والجهاتُ عمىً
فلا حُلُمٌ يلوحُ على طريق الماء
إلا كان مَنْذورَ النُّكوصْ
كأّنَ أرواحَ الذين تحملوا
وِزْرَ النِّخاسَةِ
منذُ جفَّ الماءُ
ما زالت تسافرُ في الشُّخوصْ
إِخالُ خلفَ الظّلِّ
غاراتٍ تُشَنُّ
أرَى بناتٍ قد سُبينَ
وهنَّ يَملأنَ الجرارَ من الغديرْ
أرى صبياً عُصِّبَتْ عيناهُ
مشدوداً براحلةٍ
تَقَطَّعُ أمُهُ حُزنا عليهِ
وحينَ شبَّ عن الدُّموعِ
بَكَى
فردَدَ شَجْوَهُ نايٌ يُقاسِمُهُ الحَنِينَ
ضُحًى
وراءَ قطيع سَيِدِهِ الضّريرْ
أرَى نصوصا تَستغيثُ
وقد تَقَطَّعَ حَْبلُها السرِّيُ
من فَرْطِ الذين تسَقَطوها
أينما مطرٌ يُشامْ
بها استَرقوا الأرضَ
باعوها على مرأََى القبور
ومسمعِ اليوم الأخيرْ
فأيُ حلْمٍ نستظلُ به
وقد ضاقتْ علينا هذه الصَّحراءُ
واتسعت شقوقُ الطِّينِ
أيُ غدٍ سنُسْلِمُه الذينَ سيولدون غَداً
وقد ناغَوْا معاً
لعبوا معاً
حلموا معاً
ومعاً ستبقىَ هذه الصحراءُ مَنْفاهُمْ ومَجْلاهُم
فأيُ خطيئةٍ جاءوا
لِنُلْبِسَهُمْ عباءةَ عارِنا الطِّنيِّ
نُورثَهُمْ خَطَايَانَا
وما نَسَجَ الذينَ بوَهْمِهم
خاطُوا خُطَانَا
حيثُ تُنْتَحَلُ القصائدُ في البيوتْ
ولا بيوتَ
سوَى بيوتِ العنكبوتْ
فمن ستُؤْوِيهِ البُيوتُ غداَ
إذا انْكَسَرَ العَمودُ
وبعثَرَ الايقاعُ أَحْلاَفَ القَوافيِ
من سَتُؤوِيهِ القُبورُ
إذا تَثورُ الأرضُ
تَغرقُ في الزَّوابعِ والسَّوافيِ
من سيَعصِمُهُ التّأَولُ والتّقوّلُ والتّمحلُ والتّرحلُ
من ستُنْجيهِ الجُيوبُ
إذا يَهيجُ المَوْجُ
لا جبلٌ يَقيِ أحداً
ولا سفنٌ ولا مرسىَ
فهل غَدُنا سنُسْلِمُهُ لكفِّ الرِّيحِ
هل أرضٌ توحدنا تُفَرِقُنا ؟
وهل حلمٌ يُعانقنا يُناقِضُنا؟
لنا في هذه الصَّحراء مُتَّسَعٌ
لنا فقرٌ يُطوِّقنا
لنا جهلٌ يُمزِّقنا
لنا قهرٌ يؤرقنا
لماذا كلما اتسعت
تضيق بنا
لماذا كلما اتسعت
تضيق بنا؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى