الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم محمد يحيى ذهني

شكة دبوس

المأساة بدأت.... لا أنا لا أعرف متى بدأت المأساة. ربما بدأت منذ حادث الشجرة والأفعى. أنا فقط أعلم متى بدأت معي. يومها كنت أجلس مكانك.كنت أظن حينها أنني أعلم ما لا يعلمه البشر، وبأنهم طوع يدي. وهو؟ مواطن عادي. يعمل في ديوان عام المحافظة. أب لطفل ولا يجد- كما قال لي- ما يطعمه به. فهو شريف. أما ما أتى به إليّ، هو ما أتى بي إليك. زوجته استيقظت ذات ليلة لتجده يصارع شخصاً ما وهو نائم. في البداية ظنت أنه حلم عابر، وأنه سيصبح طرفة في صباح اليوم التالي. لكن شكله حين استيقظ أفزعها. كدمات وآثار أظافر على وجهه، وعلى ذراعيه آثار قيود. لم يتحدث. ارتدى ملابسه وتناول إفطاره معها، واصطحبها إلى العمل، فهي زميلته. كل هذا كان سيمر بسلام. فهي- كما حكى هو لي- لم تكن لتفضحه مهما رأت، ومهما قال وهو نائم.لكن بعد ذلك بعدة أيام حدثت مشادة كلامية بينهما.سببها أحد المقاولين يحاول تمرير بعض التصاريح. في البدء عن طريقه، ثم عن طريقها للتأثير عليه. ليلتها، وفي وسط نفس الحلم، هب من نومه وهي معه. وجدت نفسها دون سبب تمسك بسرواله، وكأنها كانت تشده. بينما هو يمسك بيديها متلبسة بالجرم غير المعروف. أبلغ عنه الجيران في الثالثة صباحاً، و بات في الحجز بتهمة ضرب زوجته وإصابتها بكدمات وجروح. وأمام النيابة شهد الرجل بأنه ومنذ عدة أيام يحلم كل ليلة بأن هناك من يحاول هتك عرضه. وبأنه يقاومه بكل ما يملك. أما ما حدث لزوجته في الليلة الأخيرة، سببه أنه حلم بها. في البدء كانت تضاجع شخصاً مجهولاً. وبعد الانتهاء التفتا إليه. وأخذت تعاون نفس الرجل على زوجها. كانت تحاول خلع سرواله. استيقظ ليجدها تخلع سرواله بالفعل. وأخذ يدعي أنها مؤامرة ضده، و زوجته تشترك فيها. قامت النيابة بتحويله إليّ. لم أصدقه وقتها. تماماً كما لا تصدقني أنت الآن. فأمثاله مروا عليّ كثيراً. لفت نظري فيه بريق عينيه، وحماسه وهو يريني الكدمات وآثار الشجار. طلب مني الكشف على زوجته لإثبات الزنا. وقال أنها ستستغل غيابه في العمل لتمرر التصاريح للمقاول.نويت أن أقدم تقريري بإصابته بحالة بارانويا. ولكنني أرجأت حسم الموضوع حتى جلسة أخرى. كانت بعد ثلاثة أيام فقط. ولكنه كان إنساناً آخر. هادئاً وديعاً، بلا حماس وبلا بريق في عينيه. عرفت أن زوجته بدلت أقوالها أمام النيابة، وبأنهما تصالحا. سألته فقال:

 لا شيء. ساوموني على براءتي فقبلت.

ثم قال:

 أنا أنكر كل ما قلته في المرة السابقة. يمكنك اعتباره حالة اكتئاب أو انهيار عصبي. كما تشاء اكتب. ولكن أخرجني من هنا.

سألته:

 والحلم؟

رد بكل هدوء:

 راودني مرة واحدة بعدما قبلت المساومة. الموضوع ليس سيئاً كما ظننت فهي مجرد شكة دبوس. بعدها الأمر سهل. و مجرد ألم بسيط في الشرج. ولكن سأعتاد عليه كالبقية.

استوقفتني كلمة البقية فسألته:

 أي بقية؟

ابتسم وقال:

 هل تظن أنني وحدي؟ انظر حولك.

اعتبرت أن حالته مازالت غير مستقرة وقدمت تقريري النهائي. لكن فوجئت بإخراجه. سألت فعلمت أن تقريراً آخر تم تقديمه من رئيسي. ذهبت إليه في مكتبه. كان يجوب الغرفة جيئة وذهاباً. عندما فاتحته في الموضوع نهرني قائلاً:

 الرجل سليم عقلياً. والحكاية التي حكاها ناتجة عن شد عصبي شفي منه. وزوجته صالحته. لم تريد أنت أن تفتعل معركة دون داعي؟

لم أجد ما أقوله. هممت بالذهاب ولكنه استوقفني. دعاني للجلوس في لهجة ودية فجلست. اتجه إلى كرسيه ليجلس أمامي. ما أن لمس المقعد حتى صدرت منه آهة ألم. لم أنتبه إلى ما قاله. ربما كانت تلك الآهة لأي سبب آخر. ولكنني تذكرت كلام المريض:

 انظر حولك.

لم أعرف من أين أبدأ. كل ما عرفته أنني يجب أن أعلم أكثر. ولكن كيف؟ لي صديق متخصص في الجهاز الهضمي والقولون والبواسير. سألته في زيارة لاستعادة الأيام الخوالي.

 هل تأتيك حالات تشكو من ألم في فتحة الشرج؟.

ابتسم وقال في دهشة:

 أكثر مما تتخيل.

حاولت أن أعرف أي معلومة ولكنه تهرب متعللاً بقسم الأطباء. لم أجد بداً من عمل غزوة ليلية على عيادته للإطلاع على ملفات المرضى. هذه جريمة أخرى يمكنك أن تبلغ بها رئيس النيابة.تخيل وجدتهم بالعشرات.من كل فئات الشعب، عدا الكبار طبعاً. كل منهم تقدم للطبيب بعلة وجع في فتحة الشرج. وكلهم بالكشف عليهم وجد حالة تهتك بالمستقيم، ناتج عن جسم غريب تم إدخاله عدة مرات. أنت مندهش؟. أنا أيضاً كنت كذلك. وازدادت دهشتي حين قمت ببعض التحريات عن بضعة أشخاص منهم. لن أثقل عليك فأكيد أنت خمنت السبب. ولكن ليس كلهم. هناك من كانت حياتهم بائسة، هؤلاء لم يستسلموا، قاوموا وهزموا. والأمر ليس دائماً مثل شكة الدبوس. هناك من يتألم في كل مرة. حسب الشخص. في النهاية كلهم وكلهن نفس المصير. سواء قاوموا أم لا. لذا فالجزء الأعظم يستسلم. الموضوع أقوى مني ومنك، وله جوانب شتى. فلم لا يخضعون ويريحون أنفسهم؟. ولكنني لم أتعظ. قررت فضح الأمر. طلبت الكشف على جميع فئات الشعب. والتحقيق مع كل من هتك عرضه. لمعرفة هل استسلم أم قاوم. كيف سنعرف؟ هناك طرق عدة. لذا أتوا بي إلى هنا. أعلم أنك ستصدقني. لأنك لو نظرت حولك ستعلم. وأمامك خياران: إما أن تكون معي وتنضم إلي في المصير، وتشاهد نفس كوابيسي. أو تكتب التقرير الذي سيطلبونه منك. حينها سيرضون عنك. وربما يمنحونك ترقية. والأمر لن يكلفك الكثير،مجرد شكة دبوس، وزيارة للطبيب. بعدها ستطلب تكرار الأمر بنفسك.

لا ترد الآن، سأرى الإجابة على وجهك غداً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى