الأحد ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم مهند عدنان صلاحات

شهيداً.. شهيداً.. شهيداً

ذكرت الأنباء أن شاباً عربياً في الثامنة عشرة من عمره، دفع حياته ثمنا لبوستر مثير لهيفاء وهبي, حيث لقي الشاب حتفه تحت عجلات شاحنة ضخمة بينما كان منشغلاً بالنظر إلى صورة ضخمة للنجمة الموهوبة هيفاء وهبي التي نفذت عدداً من العمليات "التجميلية" في صدرها وأردافها، وأماكن مختلفة من أنحاء جسدها، رداً على تأزم الأوضاع السياسية والفنية في المنطقة العربية.

وقد ثار جدل طويل، وخلافات حادة بين رجال دين، وعلمانيون، وأصحاب مواقف وطنية متعددة، حول احتساب الشاب شهيداً أم لا.

الحقيقة لقد ضاعت على الشاب فرصة بأن يقضي شهيداً في عملية تفجيرية تقتل جندياً أو تصيب أخراً، ويهدم بيت أهله فوق رأسه في قبره، ويسجن أخوته، ويدمر مستقبل عائلته –فيما كان بالإمكان زرع القنبلة ذاتها في الشارع وإيقاع ضحايا أكبر من العدو- لكنه لم ينل شرف هذه ولا تلك؛ فالمسكين وللأسف كان ينظر، ويتأمل، ويدقق، بصورة الفنانة المناضلة ذات التاريخ العريق من العمليات والعلاقات والكليبات "هيفاء وهبي"، ولم يكن ينظر لصورة أحد رموز أو قادة الثورات، فلو كانت الصورة المعلقة أمامه لعبد الناصر، ترى هل كان الشاب سيتأمل فيها كثيراً، وخاصة بعد أن ظهر فشل الشعارات القومية، وثبت تاريخياً أن الشعارات التي رفعتها هيفاء قد تحولت لواقع، بينما الشعارات الكثيرة التي رفعها السياسيون بقيت قيد الشعارات، ودُفنت أحلام تحولها لواقعٍ معهم في القبور، وكذلك لم يكن الشاب الفقيد ينظر لصورة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية "أبو العبد" ولم يتخذ قراراً جدياً في الوقوف إلى جانب هذه الحكومة المحاصرة، أو يتطوع مجاهداً في صفوف الأفغان العرب الجدد الذين شكلتهم وزارة الداخلية الفلسطينية التي يقودها سعيد صيام.

وامتد الجدل، وظهرت أراء وفتاوي تقول بأن الفقيد لو كان ينظر لصورة "أبو العبد" المعلقة أينما ذهبنا في شوارع الوطن "الكبير"، أو صورة الرئيس محمود عباس مثلاً، أو أيد موقف 14 آذار في لبنان وشجب واستنكر اغتيال رفيق الشهيد رفيق الحريري وكان يبكي قرب صورته، أو كان ينظر لإحدى صور قادة الثورة الفلسطينية، أو أحد الضباط الأحرار المصريين، أو قائد ثورة الفاتح "أعزه الله"، أو أو أو، من الثورات، أو الثروات، أو الثوار العرب، "وطلعت عن بطن المسكين الشاحنة"؛ لكان بالتأكيد شهيداً بكل مقاييس الشهادة الثورية جداً.

لكن المشكلة أنه لم يكن من مقاتلي الداخلية الفلسطينية، ولا يطلق النار دفاعاً عن شرف القضية و "محمد دحلان" على مقاتلي حماس، ولم يشارك باغتيال عدد من المقاتلين الفلسطينيين بإيعاز من قوات الأمن الوقائي الفلسطيني، ولم يكن من كتائب شهداء الأقصى، ولم تدوسه الشاحنة وهو يطلق النار في الهواء في أحد المسيرات، ولم يكن ينظر لصورة "أبو العبد"، ولا يؤيد مشروع الثوار الأحرار، ولم يكن يقرأ آيات من الكتاب الأخضر قبل وفاته، فكيف يمكن اعتباره شهيداً ؟؟

• للعلم فقط في مدينة فلسطينية قتل أحد شبابنا صديقه ذات يوم على إثرِ خلافٍ بينهما نشب لأجل صورة نانسي عجرم، اضطر صديقنا الثاني دفاعاً عن وجهة نظره لإطلاق النار على صديقه وابن حارته، لإنهاء النقاش حول نانسي، وربما حول نوعية السيليكون التي تستخدمها في عملية النفخ.

وبالمناسبة أيضاً -وبما أنها سيرة وانفتحت- فكلاهما ابن تنظيم فلسطيني مسلح، يختلف عن الأخر، وكانا مطلوبين لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

الشاب العربي يا رفاق مات شهيداً.. شهيداً.. شهيداً.. بحسب فتوى قارئة الفنجان، وهذا ما أكده الراحلين عبد الحليم حافظ ونزار قباني.

فقد مات الفقيد فداءاً للمحبوب، فكيف لا يكون شهيد!؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى