الأحد ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم زياد يوسف صيدم

شيطان فاطمة (3)

الحلقة الأخيرة

عندما حضرت فاطمة يوم عطلتها وأفصحت عما يدور في فكرها وبرنامجها إلى بلال ببساطة وعفوية تنم عن فكر قبلي يعكس عادات وأسرار القارة الإفريقية حيث تبتعد عن معاني وقيم الإسلام الضعيف في قلوبهم والذي لقي رواجا في عالم غربي يقدس المادة وهذا تحليلي الأولى لطلبها بأن تكون عشيقة وخادمة لبلال وليس كزوجة و ميلها هذا يختزل ثقافة قديمة عن مفهوم الجواري وما ملكت أيمانكم ولكن صديقنا بلال كان يدرك هذا جيدا ولكن طيبة قلبه وقراره بمساعدة فاطمة إلى أبعد حدود كان هدفا له وقد نجح كما رأينا بإيجاد عمل شريف لها تستطيع أن تتحرر من عبودية الإقامة في بيت أختها حيث يقبع هناك ذاك المخلوق الهمجي الذي لا ضمير ولا ملة له حيث كان يشبع غريزته الحيوانية بالإكراه مصحوبا بالترهيب في غياب أختها حليمة وهى العاجزة عن فعل أي شيء لاعتقادها الجازم بان نهايتها في الشارع مع أختها الحامل وبقية أطفالها أشد إيلاما من تسليمه لجسدها إكراها وخوفا وقد يكون أيضا كما أسلفنا أن للموروث الإفريقي الطاغي الدور الأساسي حيث لعب دور اللام بالى من هذه النواحي الروحية والدينية ولكن رفضها وصدها وتمردها له وهروبها إلى بلال مرجعه إلى أنها وجدت ذاك القلب العطوف والإرادة الصادقة منه في مساعدتها فوجدت فيه أمنا وأمان وشعرت بثقة في نفسها وقوة وسند في غربتها مما دفعها إلى أن تشعر بسعادة غامرة ويتهيأ لها أمورا شخصتها هي وحدها في عقلها دون إمعان أو مجرد تفكير في ما كان يقوله لها بلال عن ارتباطه بعلاقة حب قوية مع صديقته الشقراء فلم يمنعها ذلك من تكرار محاولاتها الفاشلة في لقاء جنسي معه كان بالنسبة لها بداية إقامة معه في الشقة وقد يكون تفكيرا لرد الجميل له بالمفهوم المادي البحت...وهذا ما كانت ترمى إليه والذي لم يتقبله وقد شرح لها مباشرة ومن خلال صده لها بكل أدب ورقة أسباب عدم استجابته ولكنها لم تستوعب أو أنها لم تشأ الاستيعاب والفهم.؟.

استعد بلال لقضاء نهاية الأسبوع مع فاطمة ولم يكسر بخاطرها كما وعدها... فطلبت منه اصطحابها إلى حديقة الحيوان فابدي موافقته وكانت فكرة جيدة فقد زارها مرة واحدة منذ سنوات خلت ولا مانع من تكرارها قامت فاطمة بالاستعداد للرحلة بتجهيز بعض الساندويتشات والعصائر وانطلقا معا وقد شبكت يدها بيده فأحس بحرارة في يدها على غير عادة وطافا بأرجاء الحديقة كلها بسعادة ظهرت بوضوح على فاطمة وأمام منظر البجع الجميل حيث البحيرة الاصطناعية لها جلسا على مقعد مقابل وفتحت الحقيبة وأخذت في تلقيمه بنفسها قطع من ساندويتشات الجبن و البسطرمة وللحقيقة شعر بشيء غريب فلم يعهد هذا مع كل صديقاته السابقات فهذا الدلال حرك شيئا ما في قلبه ولكنه ليس باتجاه فاطمة وإنما كان الحنين إلى الديار والأهل والطفولة والبراءة وما كان من حنان والدته رحمها الله وأخواته الأكبر سنا منه فتقبل ذلك من فاطمة بينما كان فكره هناك ...! وهى في فكرها هنا وامتزجت الأفكار في عقلها الساذج وأخذت تقبل يديه وتقترب منه وشفتاها ترتجفان فأزاح وجهه نحو جبهتها وطبع قبلة صغيرة قائلا أنظري يا فاطمة إلى تلك البجعة كيف تقف على ساق واحدة وتغمض بعينيها إنها نائمة ....فنظرت إليه أولا ثم قالت ساخرة نعم إنها نائمة فعلا فيبدو أنها لا ترى ولا تشعر شيئا !! وبان على تقاسيم وجهها لمحة حزن سرعان ما مسحتها بابتسامة وهى تتجه بنظرها إلى البجع ..

في المساء أوصلها إلى بوابة العمارة واستأذنها لقضاء حاجة له مع بعض أصدقائه فصعدت هي ومفتاح الشقة معها وانصرف هو إلى المقهى (البار) حيث يجتمع هناك مع شلة الأصدقاء يوميا ويتوافد علي المكان أيضا مجموعة من الطلاب وبعض المقيمين سابقا ويشكلون أسرة واحدة في الغربة يناقشون همومهم وأحلامهم ويحتسون القهوة معا ومنهم من تعود على شرب النبيذ ... كانوا يطوون معا شهور وسنوات من أعمارهم إلى أن يشاء الله أمرا كان محتوما..!!.

كان ينتظر ويرقب قدوم أحد أصدقائه الأكثر خبرة ودراية هنا والأقرب إلى قلبه وثقته فله من السنوات أضعاف ما قضاها بلال حيث طلبه بإلحاح من تليفون المقهى وانتظر قدومه على أحر من الجمر لأمر يريد بكل الوسائل إنهائه والخلاص منه بشكل لا يخسر نفسه ومبادئه ولا يجرح فاطمة في نفس الوقت أو يكسر بخاطرها فيكفيها ما ألم بها من ألم ومعاناة ..؟؟

مرت قرابة الساعة وأخيرا ظهر الصديق باحثا بعينه على بلال وما إن رآه حتى استأذن من الشلة وتوجه إليه وجلسا بعيدا في ركن قريب من طاولة البلياردو تلك اللعبة المفضلة عنده والذي يبرع فيها فهو الثاني في مسابقة نظمها المقهى لزبائنه في الشهر الماضي ويعلم الجميع بأنها انتهت لصالحه لولا خصم الكرة البيضاء التى سقطت فأضاعت عليه اللعبة .طلب بلال فنجان من القهوة لصديقه وبادره فورا بطرح الموضوع عليه وباختصار مركز وضعه في القصة كلها طالبا منه إيجاد طريقة مناسبة تكون حلا ومنفذا له حيث لم يعد بلال يستطيع الاحتمال والصبر أو التفكير فهو يشفق على فاطمة ولا يريد لها الشعور بالأذى فهذا الإحساس الصادق تملكه منذ البداية منذ أن كانت هناك واقفة تبكى أمام مبنى البريد وأقسم بأن يقف معها بأمانة بعد أن علم قصتها وتأكد منها لاحقا وهذا ما حدث حتى الآن ....

أشعل الصديق سيجارته وصمت مفكرا وقام بلال بالمثل بإشعال سيجارته وهو يرمق بشغف وانتظار لرأى صديقه .....فكر الصديق مليا وهو ينفث دخان سيجارته عاليا وجانبا ويرتشف قهوته الاكسبريس المركزة ونظر إلى بلال قائلا وجدتها.. وجدتها...!!

مضى من الوقت أكثر من ساعة وهما يتبادلان الحديث والنقاش و أخيرا ظهرت على وجه بلال ابتسامة رضي وغبطة واقتناع برأي صديقه الذي اثبت فعلا بأنه على قدر من التجربة والحنكة فلم يخطأ بلال العنوان حقا... وبسرعة وهمة نهض بلال إلى التليفون وقام بالحديث إلى صديقته مطولا وبعدها استأذن من صديقه وحيا الشلة بإشارة من يده والتي لا تزال هناك في ذاك الركن كروتين يومي وخرج مسرعا والرضي ظاهرا على تقاطيع وجهه المنشرح ......

في طريقه إلى البيت مشيا على الأقدام فهو قريب نسبيا كان يعيد ويراجع ما قاله الصديق الرائع وما اقترحه عليه وقام بمراجعة ما قاله لصديقته الشقراء حتى لا يكون قد نسى شيئا أو فاته أمرا فالموضوع جد حساس وخطير في نفس الوقت وبعد أن تأكد من ربط وترابط المواضيع والأفكار شعر بارتياح وسعادة في قراره نفسه وفجأة وجد نفسه أسفل البيت وقد تخطاه بضع خطوات سرعان ما ارتد عائدا وقد قال في نفسه مقهقها يلعن أبو الشيطان نسيت البيت ...

قرع الجرس من أسفل البوابة الكبيرة للمبنى فردت فاطمة وفتحت له في الحال ودخل متجها إلى المصعد حيث الدور الرابع وكانت فاطمة بانتظاره مبتسمة كعادتها فحضنته ووضعت رأسها على صدره وحاولت الالتصاق بجسدها فبادرها متهربا كالعادة متسائلا القهوة ...القهوة أين قهوتك الرائعة يا فاطمة......

جلسا أمام التلفاز يشاهدان احد الأفلام المد بلجة ويحتسيان قهوتهما وقد اثني عليها فابتسمت مبدية رضي وسعادة، أشارت ساعة الحائط إلى الثامنة مساءا عندما دق جرس التليفون......كانت صديقته الشقراء وحسب الاتفاق تماما تقول له بأنها قريبة من البيت وهى جوار محل البيتسا حيث تنتظر تجهيز طلبها فقد قررت الحضور هذه الليلة لتبيت عنده حتى اليوم الثاني فهو يوم الأحد العطلة الرسمية فأجابها أن تحضر 3 قطع بدل اثنتان وسمعته فاطمة يقول لا.. ليست لي مقهقها...نعم يا عزيزتي لقد تناولت طعام الغذاء جيدا فلست جائعا إلى هذا الحد ولكنها إلى ضيف عندنا...فاختلفت نظرة فاطمة وأحست بشيء من الغيرة بدت عليها واضحة فحركاتها أصبحت متوترة مرتبكة ونظراتها حائرة فقد انهارت كل أفكارها وما كانت تخطط له في عقلها هذه الليلة منفردة مع بلال .....

مرت ربع ساعة لا تزيد وها هي صديقته تدق باب الشقة وعلى كفة يدها 3 كراتين من البيتسا الساخنة إحداها كانت بفاكهة البحر التى يفضلها بلال والأخريات كانت بالجبن العادي....دخلت مبتسمة قائلة مرحبا للجميع وكانت فاطمة تجلس على الكنبة فنهضت وسلمت عليها فبادرتها الشقراء قائلة لقد حدثني عنك كثيرا بلال وها نحن نلتقي فأهلا وسهلا بك وسعيد برؤيتك فكما تعلمين بلال هو حبيبي وكل شيء لي وأنا فخورة به وسنكون جميعنا أصدقاء منذ اللحظة....فأجابتها فاطمة نعم ويسرني ذلك واثنت على بلال وما قدمه لها من مساعدة فأجابتها نعم وأعلم بكل شيء يا فاطمة فأحست عندها فاطمة بنوع من الخجل والحياء فقد اعتقدت بان بلال أعلمها بكل شيء عنها حتى بتصرفاتها الجنونية تجاهه ورغبتها في مجامعته والعيش معه ولكنها وبسرعة تداركت الموقف قائلة بان بلال لم يعلمها بقدومك وبأنك ضيفته اليوم مما جعلها تعتقد بان بلال أخفى كثير عنها فشعرت عندها براحة وزال خجلها.....

بعد الانتهاء من تناول العشاء اقترح بلال على صديقته أن تكون فاطمة ضيفتهم في سهرة الليلة فأجابته بسعادتها حقا والتفتت إلى فاطمة قائلة سنكون سعداء بك حقا ...ذهب الجميع إلى مكان هادى لتناول البوظة وبعض المشروبات الخفيفة وعلى أنغام الموسيقى الهادئة التى تميز هذا المكان رقص بلال مع صديقته رقصا هادئا ومكثت فاطمة تشاهدهم وفى داخلها قناعات قد استجدت على تفكيرها وأصبحت أكثر نضوجا الآن واستعدادا للتغير....؟؟؟

عند منتصف الليل طلب بلال السر فيس واقلهما حتى بوابة العمارة وصعدوا ثلاثتهم وكانت فاطمة تبدى سعادة ومرح مع صديقة بلال وقد استراحوا قليلا تبادلوا كلمات الثناء على السهرة الجميلة حتى انتهى بلال من سيجارته وكذلك صديقته فسارعت فاطمة قائلة سأرتب الكنبة فقد داهمني النعاس وفعلا قامت بإحضار المرتبات والشر اشف وساعدتها الشقراء في ترتيب الكنبة بينما دخل بلال إلى غرفة النوم ولحقت به صديقته وأغلقا الباب ويعلم الله وحده متى نامت فاطمة إن استطاعت أن تجد للنوم سبيلا !......

في الصباح استيقظت صديقة بلال متوجهة نحو المطبخ وهو عبارة عن ركن صغير على امتداد الصالون لعمل القهوة فكانت المفاجئة الغير متوقعة..!! كانت الشر اشف مرتبة والكنبة فارغة وعلى المنضدة رسالة مطوية وهناك على الطاولة فنجانان نظيفان وغلاية الكابوتشينو وبجانب كل واحد قطعة من البريوش الطازج أحضرتها فاطمة صباحا من الفرن الواقع أسفل المنزل وقد تناولت قطعتها وشربت فنجانها وأبقت لهما نصيبهما ...... التقطت الرسالة سريعا بعد أن أعادت تسخين غلاية الكابوتشينو ونادت بلال بصوت متلاحق مسموع ولهفة حتى استيقظ متوجها برأسه إلى الصالون مصدر الصوت فلوحت صديقته إليه بالرسالة التى ما تزال على وضعها المغلق فوقف لبرهة ولكنه استدار شمالا حيث الحمام وخرج بعدها لينظر بعينيه الفاحصتين وإدراكه الواسع وقد استنتج تماما بما حدث وقد كان تصرف فاطمة متوقعا وضمن احتمالات ردة الفعل العادية في مثل هذه الحالة كما أشار عليه صديقه في المقهى وكما ساعدته صديقته أيضا في انجاز الأفكار المستجدة في رأس فاطمة بالتقرب منها وإعطائها الأمان والثقة والصداقة العائلية بكل سهولة وعفوية ، طلب من صديقته أن تقرأ ما في الرسالة ....

كانت بضعة سطور تقول فيها فاطمة بأنها سعيدة بالتعرف على أجمل وأرقى حبيبين وتشكرهم على السهرة الجميلة وتطلب من بلال أن يسأل عنها متى يشاء فهذا ما يسعدها حيث يعلم مكان عملها وبأنها ستكون إلى جانبه وقتما يحتاج وكذلك كانت توجه القول إلى صديقته من باب الذكاء والفطنة والاحترام والحب الذي تكنه إلى بلال. وفى النهاية ختمت رسالتها بجملة : مع السلامة يا بلال وقد نلتقي يوما من يدرى !!

بدأ في ارتشاف فنجانه الكابوتشينو وقد مرت فاطمة في مخيلته سريعا وقبل أن يشعل سيجارته أطلق ابتسامة عذبة لم يستطع إخفائها مكررا كلمتها الأخيرة في داخل نفسه ....من يدرى !!.

انتهت.

الحلقة الأخيرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى