السبت ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

صبحى: الفن يخلق السمو فى الإنسان

واحد من الفنانين المبشرين بإمكانية تحقيق المعادلة بين المسرح الجاد والمسرح الهابط. استطاع الفنان محمد صبحى أن يقدم نموذجا عمليا للفنان صاحب الرسالة. وهو واحد من الذين تترك أعمالهم أثرا فى ذهن مشاهدها، نظرا لدمجها بين الأصالة والمعاصرة، لأنه يحمل فكرة لتقديم التراث برؤية معاصرة. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى مع صبحى فكان هذا الحوار:

 فلسطين: نرحب بك، ونعتز بلقائك، ونتمنى أن تواصل تحقيق طموحاتك المسرحية.
 صبحى: شكرا، من دواعى سرورى أن تتاح لى فرصة هذا اللقاء.
 فلسطين: سمعنا أنك مسافر للعراق لعرض مسرحية "ماما أمريكا" هناك. فمتى سيتم ذلك؟
 صبحى: قريبا إن شاء الله، وفى خلال أيام قليلة، وستكون معى الفرقة، والديكورات اللازمة لعرض المسرحية هناك. وربما نعرض لمدة أسبوع. وعلى العموم فالفكرة موجودة، وسنوصل رسالتنا إلى شعب العراق، وننقل له رسالة التضامن.
 فلسطين: حسنا فعلت.. فالأوضاع مركزة الآن على القضية الفلسطينية، حتى كدنا ننسى مأساة الشعب العراقى.
 صبحى: بالطبع، لكننا نؤكد أن قضيتنا واضحة لا تحتمل التجزئة. كما أن دعمنا للشعب العربى فى فلسطين له أبعاد عميقة.
 فلسطين: دائم ما يأخذنا الشأن السياسى من الفنى.. لذلك أعود للفنى مرة أخرى.. الفنان صبحى يدهشنا دائما بالتمثيل والإخراج والرؤية. فقد أنتج حالة من التوازن بمسرحه الذى يعد نموذجا فيما يقدمه من كوميديا هادفة، بلا إسفاف، وجدية بلا افتعال. وبالأمس تفوق صبحى على نفسه بتقديمه ثلاثة عروض من روائع المسرح، وهى: "لعبة الست"، "كارمن"و "سكة السلامة". فى أسبوع واحد ضمن مشروع المسرح للجميع.
 صبحى: هذه التجربة ليست جديدة ـ نعم أنها جديدة اليوم ـ ، كان هذا هو السائد فى مسرح الأربعينيات والخمسينيات. لكن تردى الحالة المسرحية فى مصر جعل الرواية الواحدة تقدم لخمس سنوات وأكثر. وأنا أرى ذلك ضد مصلحة المسرح تماماً.
 فلسطين: وما هى الفكرة من تقديمك لهذه التجربة؟
 صبحى: الفكرة هى أن أضع أمام المتفرج مائدة مسرحية دسمة، متعددة الوجبات، حتى تسنح له فرصة للاختيار وفرصة للنقد. وبذلك يتاح له معرفة الفروق وإمكانيات الفنان فى ذلك العمل وغيره. وهدفى الحقيقى من هذه التجربة أن يصل المتفرج لدرجة التفكير، وأن يضاف إليه من كل عمل قيمة جديدة، وأن يعرف توجهات المسرح المنشود. واعتقد أن هذه التجربة خلقت مناخاً فنياً ونقدياً فى آن واحد.
 فلسطين: وهل واجهتك صعوبات فى الانتقال من رواية لأخرى خلال الأسبوع الواحد؟
 صبحى: هذه التجربة لا تحتاج لجهود خارقة. ولك أن تتصور أن أربعة موظفين فقط هم المنوط بهم إدارة هذه العروض. المجهود الأساسى يكون فى الإضاءة والديكور. لكن الأمر بالنسبة للممثل يكون متعة حقيقية، لأن الفنان يتشكل كل يوم حسب الشخصية، وهو أمر ليس يسيراً، لأن هناك صعوبة فى أن يدخل الفنان شخصية تختلف تماما عن شخصية اليوم السابق لها.
 فلسطين: "كارمن" أسم ذو مضمون محدد، وهو يختلف عن المنافسة الدائرة فى أسماء المسرحيات مثل، حودة كرامة ـ باللو ـ واحد لمون والتانى مجنون. كيف ترى هذه الأسماء. وهل تتراجع أرباحك فى ظل هذه المنافسة؟
 صبحى: ليس لى تعليق على غيرى. ولو كان المناخ صحياً، لكان من الضرورى أن نعبر عن آرائنا بوضوح. وللأسف المناخ سيئ جداً. لذلك لن أجيب عن السؤال، وقد اقترح على البعض أن أسمى كارمن كرمله. لكننى رفضت غير أننى واثق، وأجزم بأن نسبة الضحك فى مسرحى أعلى بكثير عن الضحك فى المسارح البذيئة. كما أن صوت الضحك له نبرة خاصة، لأن المشاهدة ضحك بعد أن فكر، وليس بعد أن سمع، وهناك فرق كبير بين الاثنين. أما عن تراجع نسبة الربح أمام هذه الأعمال فأحب أن أقول أنهم لو ربحوا مليونا، وربحت أنا مائتى ألف فقط، فهذا انتصارا لى، لأننى لى قناعات ومبادئ لن أحيد عنها، والمتفرج يدفع فى مسرحى، لكنه يأخذ أكثر مما يعطى بكثير، وهذا هو هدفى الاستراتيجى. لذلك فالفنان إما أن يترك لعنة أو نعمة، يذكره بها أهل الفن بعد رحيله. والمشكلة الحقيقية تكمن فى أن المجتمع أخذ من النظام الرأسمالى مسألة تكوين الثروة، بغض النظر عن قيمة المنتج الثقافى. والكثير يلهث وراء الثروة وتكوينها بسرعة.
 فلسطين: لكل عصر نوع من الكوميديا يتناسب معه. ويلاحظ فى الفترة الأخيرة، إقبال الناس على الكوميديا المسفة فما تفسيرك لذلك؟
 صبحى: فى الحقيقة هذه النوعية من الجمهور تدعم هؤلاء حتى يقدموا كل ما هو مسف ومبتذل، مبنى على الجنس الرخيص، من خلال قيمة التذكرة التى يشترونها، وهنا تكمن المأساة، بأن الجمهور يساهم بالفعل فى استمرار مثل هذه الأعمال.
 فلسطين: فى هذا الإطار، وأنت تقدم كوميديا ذات طابع ثقافى هل يتوقف جمهور مسرحك على النخبة فقط؟
 صبحى: أولا.. مسرحى ليس مسرحا كوميديا، لأنه قائم على قمة التراجيديا، والكوميديا تتفجر من قمة التراجيدياً، وكل أعمالى تندرج تحت ما يسمى بالكوميديا السوداء. كما أننى أرفض أن يكون مسرحى للنخبة. فالأمى والمثقف عندما يتجاوران فى مسرحى، فانهما يستوعبان بنفس الدرجة، ذلك لأن المسرح يحل المعادلة الصعبة. وهو أن يصل الوعى بالمسرح لكل من الأمى والمثقف فى أن واحد.
 فلسطين: تعتمد الكوميديا على حركة الجسد من أجل الإضحاك . ويتهمك البعض بأنك تبالغ فى حركتك على المسرح من أجل الإضحاك. فما تعليقك؟
 صبحى: أنا مؤمن بمنهج "جروتوفسكى" وقد درسته، وقمت بتدريسه لمدة 14 عاما، وهو قائم على أن الحركة أصبحت لغة عالمية، وتشارك اللغة المنطوقة، وهو بالفعل مسرح متقدم ومتطور، وأنا أتمثله، وهو منهج أساسى فى مسرحى، وأرى أنه ميزة، وليس العكس.
 فلسطين: جهود الارتقاء بالحركة المسرحية فى مصر مازالت فردية ، لماذا لا يكون هناك تعاون بين الفنانين لإنقاذ المسرح من كبوته ؟
 صبحى: للأسف هناك متغيرات فى طبيعة الإنسان المصرى خلال العقود السابقة، فقد تجلت الأنانية، وطغت المصلحة الفردية على الصالح العام. وألاحظ أن مصر تفوز بالميداليات الذهبية فى الألعاب الفردية، وتفشل فى الألعاب الجماعية لأننا أصبحنا نتميز بالأنانية والفردية.
 فلسطين: وكيف يرى صبحى مسرح الدولة؟
 صبحى: لقد وصل مسرح القطاع العام لأسوا حالاته، فهناك قصور حقيقى فى حركة المسرح. كما أنه لا توجد أية رؤية استراتيجية، بالإضافة إلى أن مسرح القطاع العام أصبح يقلد أسخف ما فى القطاع الخاص. وأصبح أكثر ابتذالا أيضا. لكننى أعتقد أن الفنان "محمود الحدينى" سيبذل جهداً فى التحرر من هذه البيروقراطية، وينقذ المسرح مما آل إليه.
 فلسطين: هل هناك إنجازات تمت فى مدينة سنبل للفنون؟ وهل تحصل على تمويل لإنجاز هذا المشروع الضخم؟
 صبحى: مدينة سنبل مشروع قومى، ومدينة ثقافية، وأحلم بهذا المشروع منذ 20 سنة. ومساحتها 60 فدانا على طريق مصر إسكندرية الصحراوى، وسيكون بها متحف لتوثيق حياة الفن المصرى الحديث، ومسرح مساحته ضعف مساحة مسرح الأوبرا، ومدرسة أيتام. وتضم المدينة ستوديو وبلاتوهين، ودار مسنين. وقد انتهت بالفعل البنية الرئيسية للمشروع، المتحف والجامع والبوابات والأسوار. لكن الاستوديوهات مازالت فى مرحلة التشطيب، وسوف يتم افتتاح المدينة بعد عام تقريبا. أما قضية التمويل، فأنا لا أتعامل مع البنوك ولا المستثمرين، وأرفض تماماً أن يكون معى مساهمون. ذلك لأننى أحافظ على نبل فكرتى مهما طال الزمن، وتدخل أشخاص آخرين يعنى الابتعاد عن الهدف الرئيسى للمشروع لأننى أريد أن أثبت أن الفن يخلق السمو فى الإنسان.
 فلسطين: نشكرك على هذا الحوار
 صبحى: عفوا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى