الأربعاء ١٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم فليحة حسن

صدى الأسئلة جلوس في تكرار الخيبة

يعد العنوان واحد من أهم العلامات التي تشير إلى طبيعة العمل الأدبي الذي ينطوي عليه الكتاب المعنون به ، و إن اختيار العنوان من قبل المبدع لن يعطي نتائجه المنشودة إلا بعد الملاحظة والفحص والموازنة وصولاً إلى الدلالة التي تحملها عبارة العنوان ،

مع ذلك فان عنوان المجموعة الشعرية لا تقدم تلخيصاً لتلك المجموعة وعادة ما يكون العنوان هو عنوان لقصيدة من قصائدها ،وهذا ما نراه في مجموعة الشاعر (عبد الله الجنابي) ( صدى الأسئلة ) والذي جاء عنوانا للمجموعة والقصيدة فيها معا، فالعنوان هنا يتكون من كلمتين الأولى نكرة وهي كلمة صدى، والتي ُعرفت بإضافتها إلى معرف بال وهي الأسئلة والصدى كلمة تحيل المتلقي إلى حيز مكاني ما،يتصف بالخلو عادة،
وبما إن العنوان يمكن أن يعد وحدة كلامية فان هذه الوحدة هي إشارة ترسل من مرسل الى مستلم عبر قناة ملائمة للتفاهم وحسب عملية التلقي (السمع أو الإبصار)فإذا ما نظرنا الى صدى الأسئلة عنوانا فإننا نقرؤه باقتراحات متعددة مثل هذا صدى الأسئلة التي قيلت أو التي سمعت أو التي اعرف أو التي قلتها أو التي سمعتها أو التي سمعناها أو هذا صدى أسئلتي إليكم ...........الخ.

،وفي جملة العنوان والذي هو خبر لمبتدأ محذوف يترك لنا الشاعر فجوة يمكننا ملؤها بما نشاء من الكلمات التي تساعد على وضع المتلقي في دائرة الفهم لما يقال وتجعله واحدا من عناصر العملية الإبداعية أي إننا نوضع في مجال الفهم العرفي للكلمات فنقول أن هناك أسئلة قد كانت وان ما كتبه الشاعر قد جاء صدى لها،

فماذا كتب الشاعر ؟

تنكشف الكتابة في صدى الأسئلة بين شعرية الإفهام باستعمال اللغة المعتادة ،وبين اعتماد نظرة معينة تعمد الى تحويل التراث من قداسة الإرث الساكن الى فيض من الرؤى التي تجعل المعنى يتسع في بنية نصه الشعري ليبين لنا أن لا أمل في حاضر خراب ولا معنى لمستقبل دون حاضر ولا مُنقذ إلا بتغيير الوجهة نحو الماضي الثوري من اجل إحداث ذلك التغيير وهذا ما نلحظه في تركيز الشاعر باختياره لشخصيتين فاعلتين في زمن الماضي والحاضر على حد سواء وهما (الحسين وحمدان)، فهو يقول في قصيدة الحسين

(في البدا المني احتراقك يا صديقي
إلا إنني أحصيت كل السائرين
على سفر احتراقك
فانتشيت بتاريخ معرفتي بالحسين)،
ويقول في يقظة حمدان( أيقظني يوما حمدان
كان الماء الآسن يركد في راسي
أوقد بين ضلوعي جمرة
شق الشفة السفلى
ادخل حبلا فيها
كان يجر الحبل
وينشد
حيّ على الثورة )،

ولان قصد الكتابة بيّن ومحاولة البحث عن معنى مختلف متكررة فقد عمد الشاعر الى عدة محاولات من اجل الإتيان بالمختلف منها:

• كتابة قصيدة ( democracy)ففي هذا النص تنزع الكتابة الشعرية الى التجريب بما يجعل النص غير خاضع لنمط واحد من الإفضاء بل يعاد تشكيل بياض الورقة مرارا وبتداخل لغتين العربية والانكليزية مما يشكل فضاء أشبه الى فضاء اللوحة،يقول ميشيل بوتور في كتابه( بحوث في الرواية الجديدة) : (إن الفروق في الكلمات من حيث القوة يعبر عنها بوساطة حروف مختلفة في الحجم فالكلمات التي تلفظ بقوة تطبع بحروف اكبر من غيرها)

لذا فالمصرح به في هذه القصيدة هو ما ميزه الشاعر باستعمال حروف كبيرة ذات لون أغمق مما ُكتب ، كما يسهم التكرار اللفظي والدلالي في إكساب الشعر طابع الغناء.

فتكرار كلمة) democracy)يعد في نظري نوع من الهذيان الشعري الذي اكسب القصيدة لحظة الاشتغال بكتابتها ترجيعا خاصا له حضور الإيقاع ،
  كما إن الشاعر عمل الى تعريف الفعل نحو قوله ( التشير لبوابة البحر )
  وقد استخدم الشاعر أيضا التراسل نحو قوله (يسمع صوتا اعور) أو في (يوم اخضر احمر)،
  كما عمد الشاعر الى انسنة الأشياء ففي قصيدة (سريري) أضفى الشاعر على السرير الحركة والحس حين قال

سريري امرأة
أغرقها الحلم
ينام على جسدي منذ سنين
أيقضني يوما فزعا
مد يديه
وعانقني
حين أحس بان السلطان جاء ليأخذني

كما وإننا تعرفنا في قصيدة (تداعيات) على تناص غير مباشر مع قصص القران الكريم والتناص هو (عملية شعورية يستنج الأديب من النص المتداخل معه أفكاراً معينة يومئ بها ويرمز إليها في نصه الجديد) و فيه يدخل العمل الأدبي في شجرة نسب عريقة وممتدة كالكائن البشري فهو بذرة خصبة تؤول إلى نصوص تنتج عنه، كما أنه نتاج لما سبقه حاملا معه بعض الصفات الوراثية ممن قبله. ففيها يقول : ( أخرجنا ادم من جنتنا،) فيلحق الشاعر فعل الإخراج بآدم ويستثنيه عنه، بعد أن يجعله شاملا للناس جميعا

( ادم يسكن في الوقت الحاضر في الجنة) ، وجاء في القص القراني إن نوحا وبتكليف من الله كان المنقذ لمن امن به من قومه ،أما في قصيدة تداعيات فان الشاعر يسلب من نوح فعل الإنقاذ وينسب إليه العكس واعني إغراق الناس يقول ( اغرق نوح أهلي في الطوفان )
وحين يتعرض لقصة سليمان النبي ينسب إليه إخراج وإغواء بلقيس الملكة من جنتها ويصوره ملكا جشعا وطاغية لا تفلت من يده حتى الحيوانات والحشرات على صغر حجمها يقول

وسليمان اخرج بلقيسا من جنتها
لم تشبعه كنوز الأرض
وبلاد ما خالفه فيها انس أو جان
يتوعد فيها حتى الهدد
والنملة

وحين يأتي الى النبي موسى يجعله موغلا في التيه لا رأي له سوى الصبر،
وهو بهذا يسلب الصبر من المنسوب إليه أصلا وهو النبي أيوب (ع) ليلصقه بموسى فيقول

أعلن موسى إن التيه قرار عادل
أن ندخل في نار الصحراء
نعصر حبات الرمل
يقطر منها الصبر
ونذوي كالأعجاز من النخل

وفي كل ما تقد م يظهر لنا نوع من التناص يسمى التناص الايجابي أو ما يسمى بالتناص غير مباشر (ينضوي تحته التلميح والتلويح والإيماء، والمجاز والرمز، وهو عملية شعورية يستنج الأديب من النص المتداخل معه أفكاراً معينة يومئ بها ويرمز إليها في نصه الجديد )
وهو حين يستعمل قصة وامعتصماه في نفس القصيدة فانه يستعملها للتهكم لأنه أسلوب من أساليب الاعتراف بالفعل السلبي للآخر المشار إليه؛وهو هنا الطاغية ، يقول الشاعر

( وامعتصماه،
ينهض من غفوته
يرسلنا نزحف من سامرا
نفتح عمورية
فالأمر خطير،

وامرأة ظلمت) والتاريخ يقول إن المعتصم قد سار بجيشه لان احد ى النساء استجارت به من ظلم وقع عليها وفي رواية أخرى يذهب بعضهم الى إن المرأة لما أراد احدهم سلب إحدى أساورها آلمها معصمها فقالت( وامعتصماه )وأظن إن الشاعر قد فطن الى القصة الثانية واستعمل ما بها من دلالة تهكمية ، بدليل انه يستدرك قائلا :

(لكنا
كنا نسمع في سامرا
صيحة
ألف امرأة علوية)

، أما المكان لدى الشاعر فقد تحول من مكان( عندي) والذي يعرفه بلاشار فيقول هو الذي
( أمارس فيه سلطتي ويكون حميميا ومألوفا )الى مكان ( عند الاخرين) ويقصد به المكان الذي ( يخضع فيه لضغوط سلطة الغير ) وهو هنا( المقهى والحضرة) وهذا ماثل في قصيدة( رحلة في مقهى )والتي يقول في أولها( كم سرت في المدن البعيدة 00000)
حتى يصل الى نهايتها قائلا:

( إلا إن الرجل المتعب
أكمل
منتصف الليل
هذا موعد إغلاق المقهى)
والحضرة في قصيدة (يقظة حمدان) في قوله :
(ودخلت الأسوار الى الحضرة
كان السيف هنالك صدئا
بعد علي ،
خدم برؤوس حمراء
تربطها أحزمة خضراء
فكوا الحبل
صبوا الماء على صدري )،

وفي ذلك إشارة لإطفاء جمرة الثورة

اما في قراءة العنوانات يقول امبرتوا ايكو ( العنوان هو احد المفاتيح التأويلية )

من هنا جاءت قراءتنا لعنوانات قصائد المجموعة والتي كانت كالأتي

( رحلة في مقهى ، ليس غير صدى، اللوحة ، السؤال، يقظة حمدان ، سريري، الرجل الصخرة الخوف، غربة المتوسط، تداعيات، البحث، النسيان ، الولادة، الضالة ، أمنية متأخرة ، democracy،دوامة ، استشهاد الجاحظ، رؤيا أخرى لعبور...... ، )

فكلها تشي بالخيبة وتصرح بها أو تدور في فلكها ,( فالرحلة ترتبط بالمشقة ولكنها مشقة لاتنتهي إلا بالخيبة ،( هذا موعد إغلاق المقهى) ، والصدى هو تردد لسؤال يطرحه الشاعر من يغلق باب االتكرار؟ فيأتي الجواب مفعم بالخيبة قائلا ولان الأرض فقدت قوة جذب الأشياء والباب الأعلى موصود تبقى حتى هذي اللحظة في دائرة التكرار تدور ولوحة الشاعر التي رسمها تلاشت ، والسؤال تعثر بالشفتين ويقضه حمدان ألت الى الفشل وصار الشاعر يقبع كالعصفور بلا جمرة وسريره لم يعد قادرا على إيوائه ، والرجل الصخرة لا تعرفه غير الأقدام وفي تداعياته لا نسمع غير همهمات مصلي تهمس لعن الله الأول والتالي ، والبحث لا ينتهي إلا بسؤال حائر من يأتي ليكون خليفتنا بعد علي ؟ والولادة كانت غباءً وفي الضالة الشاعر وكل من حوله يشعر بالضياع والبحث عن معنى لوجوده ، والأماني المتأخرة لا تتحقق ولكي يكون الإنسان بطل للديمقراطية لابد أن يدفع ثمنها بتقديم القرابين المتوالية ،وزكريا ليس له إلا الحلم المؤود في هذا الزمن الموبؤء ، ودوامة الموت متكررة لتقول يأتيك الصبح فتصحو لتموت بليل آخر ، ووفي رؤيا أخرى لعبور لا يرى الشاعر غير سيل من الأرواح قد اندلقت من الواردة واسوداد السماء ،فهل لنا بعد ذلك هل يمكن أن لا نقول إن صدى الأسئلة هو صدى للخيبة، خيبتنا ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى