الخميس ٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم محبوبة بادرستاني

طه حسین في نقد کتاب الشعر الجاهلی

محبوبة بادرستانی: خرّيجة جامعة آزاد الإسلامية في کرج، طهران، ایران

الملخص

إنّ طه حسین قد طرح موضوعاً، في کتابه «الشعر الجاهلی» تحت منهجه الخاص وبإستشهاداته العديدة رفض صحة الشعر من قِبل الشعراء الجاهلیین. إنّه لم یستطع أن یقبل أنّ الشعر في العصر الجاهلی کان موجوداً وشخصية الشاعر حقيقية وفي رأيه کل الشعر في ذلك العصر منحول وموضوع وإنّه قد حُمل علی العرب وأنکر من خلاله شخصيات مثل امرئ القيس وفي النهاية تقديم آرائه أدّی إلی إثارة التشاؤم بالنسبة له من جانب الآخرين.

يقوم هذا المقال بدراسة موجزة عن افکار واستشکالات طه حسين من خلال کتابه الشعر الجاهلی الذی إنّه قد بحث عن صحة الشعر أو عدم صحته في ذلک العصر.

الکلمات الدليلية: طه حسين، الشعر الجاهلی، النقد.

المقدمة
من خلال قراءة کتاب الشعر الجاهلی يجد القارئ شخصية المؤلف شخصية رجلٍ شاك ناقدٍ ينظر بالشعر في العهد الجاهلی وقبل الإسلام بالشك والتردد وهو طه حسين.

إنّه کان من الأدباء المفکرین المصریین أستاذ الآداب العربية بکلية الآداب بالجامعة المصرية، عرف بعمید الأدب العربی وقال عنه الدکتور صلاح الدین المنجد«إنّه عجیب في کل شئ لأنه کان یکره الإعتدال وکان عجیباً في عماه الذی اعطاه الذکاء المتوقد وفي خصامه العنیف مع جمیع ذوی الشأن من أدباء مصر من المنفلوطی وشوقی إلی توفیق الحکیم والرافعی والزیات... وفي أسلوبه البکر النّقی و حدیثه الممتع الساحر اذا تحدّث وإلقائه الناغم الرنّان أخّاذ القلوب والأسماع اذا خطب». [1]

کتاب « الشعر الجاهلی» من مجموعة محاضرات ألقاها طه حسین في الجامعة وعبّر فیها تعبیراً واضحاً عن الطریقة الحدیثة في النقد ویعتقد فیها أنّ معظم الشعر الجاهلی لیس من الجاهلیین.

إنّه في کتابه قبل کل شئ يرفض جریئا الشعر والشاعریة في ذلک العصر ویشك شکا قویاً حوله ویستدل بأدلة منطقية وغیرها منطقية و تباعه لمنهج دیکارت أدّی إلی إثارة الغضب والکراهية عند الآخرین ولم یروا هذا الرجل إلّا کافراً کما اتهمه مصطفی صادق الرافعی بالإلحاد.

طریقه في کتاب الشعر الجاهلی طریق الشك إلی الیقین کما یبیّن في مقدمة کتابه قائلاً:«فلست أرید أن أقول البحث وإنما أرید أن أقول الشك. أرید ألّا نقبل شیئاً مما قال القدماء في الأدب وتاریخه إلّا بعد بحث وتثبت إن لم ینتهیان إلی الرجحان». [2] وفي الحقيقة إنّه بهذا التبیین یوضّح منهجه توضیحاً کاملاً دون أیّ غموض لمواجهة الآخرین المنطقیة مع افکاره.

من المسلم فإنّ لکل الکاتب في نقل افکاره إلی القراء و صوغها في الجمل طريقة خاصة کما لطه حسین ایضاً أسلوبه الخاص الذی يميزه عن الأدباء الآخرین في نقل افکاره إلی القراء.

ویمکن القول جریئاً إنّ شیئاً وحیداً یبقی لتاریخ الأدب وللأجیال المقبلة خالداً هو أسلوب طه حسین وإنّ الأسلوب عنده صلةٌ بین الکاتب والقارئ والنقد عنده وباعتقاده وحده یستطیع أن ینهض الأدب من غفوته وإنّ النقد الخلیق یجب أن یکون جریئاً وذا صوتٍ عالٍ اذا کان الأدب والحیاة الأدبیة في نوم عمیق وهکذا النقد یهزّ النائمین. [3]

إنما أساس کتاب الشعر الجاهلی علی النقد وطه حسین في ذلك الأثر استفاد من النقد اللاذع واعطاه صبغة الشکوی. إنّه اعتمد في نقده منهج دیکارت وجری في دراساته مجری النقاد الفرنسیین الذین اشتهروا في ذلك العصر من مثل سانت بوف.

یعتقد طه حسین علینا فی هذا المنهج حتی ننسی عواطفنا وتعصباتنا الدینیة وقومیتنا إذ إنّ العصبیة في القومیة والدین ظلمٌ والمسلمین مع هذا التعصب یظلمون الإسلام وإن أردنا ان نصل إلی النتائج العلمیة الإیجابیة یجب أن نکون من الأحرار.

هو یعتقد یجب أن نلتمس الحیاة الجاهلیة في القرآن لا في الشعر الجاهلی ویری أن القرآن اصدق تمثیلا للحیاة الدینیة عند العرب من الشعر الجاهلی وبرأیه إن القرآن لا يمثل الحیاة الدینیة وحدها، وإنما یمثل شیئا آخر غیرها لا نجده في الأشعار الجاهلية کحیاة عقلیة قویة وقدرة علی الجدال. ویقول القرآن «أصدق مرآة للعصر الجاهلی ونص القرآن ثابت لا سبیل إلی الشك فیه» [4] ویبیّن الفرق بین نتیجة البحث عن الحیاة الجاهلیة في الشعر الذی یضاف إلی الجاهلیین والبحث عنها في القرآن قائلا:«فاما هذا الشعر الذی یضاف إلی الجاهلیین فیظهر لناحیة غامضة جافة بریئة أو کالبریئة من الشعور الدینی القومی والعاطفة الدینیة المتسلطة علی النفس والمسیطرة علی الحیاة العلمية وإلا فاین تجد شیئا من هذا فی شعر امرئ القیس أو طرفة أو عنترة! أولیس عجیبا أن یعجز الشعر الجاهلی کله عن تصویر الحیاة الدینیة للجاهلیین! وأما القرآن فیمثل لنا حیاة دینیة قویة یدعو أهلها إلی ان یجادلوا عنها ما وسعهم الجدال. فاذا رأوا أنه قد أصبح قلیل الغناء لجأوا إلی الکید، ثم إلی الإضطهاد ثم إلی اعلان الحرب التی لا تبقی ولا تذر.» [5] وهو لا یقف عند هذه المباحث فقط بل یتجاوز البحثَ الفنی واللغوی ویقول: «إن هذا الشعر الذی ینسب إلی امرئ القیس أو إلی الأعشی أو إلی غیرها من الشعراء الجاهلیین لا یمکن من الوجهة اللغویة والفنية ان یکون لهولاء الشعراء» [6] ویقدم دلیله هکذا:«ذلك لأننا نجد بین هولاء الشعراء الذین یضیفون إلیهم شیئا کثیرا من الشعر الجاهلی قوما ینتسبون إلی عرب الیمین إلی هذه القحطانیة العاربة التی کانت تتکلم لغة غیر لغة القرآن والتی کان یقول عنها ابو عمروبن العلاء: إنّ لغتها مخالفة للغة العرب، والتی أثبت البحث الحدیث أن لها لغة أخری غیر اللغة العربية». [7]

یشك طه حسین ایضاً في وجود قبائل من مثل (ربیعة) و(قیس) و(تمیم) وفی اسماء هذه القبائل وفی اقوام مثل عاد وثمود اللذین مکتوبین فی القرآن الکریم وفی قیمة الأنساب بین الشعراء ویعتقد بأن جمیعها أساطیر وأیضاً یعتقد بأنّ الإسمین (ابراهیم واسماعیل) في التوراة والقرآن لا یکفی لإثبات وجودهما التاریخی. ویذکر من اسباب انتحال الشعر؛ منها اختلاف اللهجات بین قبائل العرب وایضاً السیاسة وعامل الدین والقصاص والشعوبیة والرواة. والقصد من السیاسة هنا، هجرة النبی من مکة إلی المدینة والجهاد الإقتصادی والدینی بین قریش واصحاب النبی والعصبیات وما یتصل بها من المنافع السیاسیة.

النتیجة
إنّ طه حسین في کتابه الشعر الجاهلی خاضع لمنهج دیکارت تماما ولیس ملحداً کما اتهمه مصطفی صادق الرافعی وعلی أساس هذا المنهج یجب علی الکاتب أن یخضع له اولاً ثم یکتب بغض النظر من أیّ تعصب. فلیس بینه وبین الشعراء الجاهلیین ای خصومة شخصیة فیمکن القول شکّه مقبول.

المصادر والمراجع

1.حسین، طه. 1926م. في الشعر الجاهلی. ط1. القاهرة: دار الکتب المصریة.

2. الفاخوری، حنا. 1380ه. ش. الجامع في تاریخ الأدب العربی، الأدب الحدیث. ط1. لابـ. منشورات ذوی القربی.


[1الفاخوری، 1380ه. ش، ج1:338

[2حسین،1926م،:2

[3المصدر نفسه،ص:645

[4م. س، ص:16

[5المصدر نفسه، صص18-19

[6المصدرنفسه، ص:9

[7المصدر نفسه، ص29


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى