الثلاثاء ١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم تركي بني خالد

عبـادة الامتحانـات...!

كلمة امتحانات هي صيغة الجمع لمفردة لغوية هي امتحان. والامتحان في اللغة مشتق من الجذر الثلاثي محن. ومن هذا الجذر العجيب بزغت كلمة محنة وهي كلمة مرتبطة بمعنى سلبي وهو مصيبة. والمصيبة هي الظروف الكارثية التي قد تتنزل على الفرد أو الجماعة هكذا مثل القضاء والقدر. وبالتالي فالمحنة أو المصيبة هي ابتلاء والابتلاء من البلاء والذي يأتي ولا يؤتى إليه.

وفي الامتحان يوضع شخص أو جماعة دون رغبة منهم في ظروف صعبة ويطلب منهم سلوكاً معيناً متوقعاً يجب أن يؤدي إلى نتيجة مرتجاة عند الذي وضع أسئلة الامتحان. وإذا كان الأداء اقل من هذه النتيجة المتوقعة أو المرتجاة كانت هناك مصيبة من نوع ما.

ومن هنا يلجأ الكثير من الناس إلى تكرار عبارة "الامتحان شر لا بد منه"! فالامتحان هو شر والشر بطبيعته شرير مرتبط بإيحاءات شيطانية لا تعرف إلا طرق الغواية والأذى. وإذا صدقت هذه المقولة فإن من يضع الامتحانات هم أشخاص أو مؤسسات شريرة بالطبع حيث لا يمكن أن يصنع شراً إلا شريراً أو على الأقل من عنده إيمان بفوائد الشر ومشتقاته. أما من يأخذ الامتحان أو يضطر إليه فهو يعرف انه مقبل على الشر لكن على غير إرادته ودون رغبة منه وإنما تلافياً لشر اكبر أو رغبة في الحصول على نتيجة ترضي من وضع الامتحان أو من طلب أو اشترط التقدم إليه والنجاح به.

وهناك مقوله أخرى لا تقل سوءاً عن الأولى وهي أنه "عند الامتحان يكرم المرء أو يهان"..! ولا ادري سبباً واحداً يجعل للإكرام أو الاهانة علاقة بالامتحان. لماذا يهان المرء عند الامتحان؟ أو لم يقل رب العباد سبحانه وتعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"؟
ومنذ اليوم الأول الذي ابتدعت فيه البشرية المدارس ومؤسسات التعليم بدرجاته ومستوياته صاحبت فكره الامتحانات عقول وقلوب وأجسام أولئك الذين انخرطوا في طقوس التعلم والتعليم. وبداية من الدرس رقم (1) بدأت طقوس أخرى مرافقة لعمليتي التعليم والتعلم هي طقوس الامتحانات, ومنذ ذلك الحين أخذت أشكالها المتعددة وتفنن فيها المبدعون من صناع ذلك "الشر" الذي حاولوا إقناع الناس بأنه لا بد منه.

ومع مرور الزمن بات الكثير من البشر من الأميين والمتعلمين على السواء يؤمن بالعبارة السحرية أن الامتحانات شر لا بد منه وأنها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. وبات المطلوب فقط التكيف مع الشرور المرافقة لعملية الامتحانات.
ومع قبول الناس فكرة شرانية الامتحانات, تعمقت في وجدانهم وعقولهم الباطنه والواعية وصاحبتها مشاعر من الارتباك والقلق والترقب والتحضير والتوتر والغش والتزوير والاكتئاب وحتى الانتحار وربما خراب البيوت نتيجة للآثار المدمرة التي قد تصاحب الفشل في امتحان ما.

وتفتقت عقول العباقرة من التربويين عن إبداعات على شكل أدوية تعالج قلق الامتحانات وتدريبات للتحضير للامتحانات ومقررات ومدرسين خصوصيين ومعاهد متخصصة لاختراع المزيد من الامتحانات وطرق التجهز لها.

وصار أطفال الروضة والحضانة يتعرضون لرياح هذا الشر الضروري حتى قبل قبولهم في هذه المؤسسات التربوية. بل إن إحدى المدارس قد ترفض قبول إحدى طالبات الأول الابتدائي أو البستان بسبب الفشل في امتحان القبول وطبعاً لا احد يشك في مصداقية الامتحان وشرعية وجوده وربما يعاملون مع الأمر كقضاء وقدر.

لا نوم أو قليل منه فقط قبيل الامتحانات. وربما كثير من تناول المنبهات والمقويات والأطعمة التي تؤدي إلى السمنة المرافقة للتوتر. وتتكهرب أجواء الأسرة جميعها وتعلن حالة الطوارئ دون تأخير. فلا زيارات ولا استقبالات اجتماعية ولا مواعيد إلا موعد واحد مقدس هو الامتحان الذي يقترب. الكل في الأسرة يريد توفير أجواء ملائمة لذلك أو تلك ممن سيؤدون الامتحان.

يكره الطلبة من كافة الفئات الاختبارات ومع ذلك يقبلون على تعاطيها. لا يستطيع التلاميذ تذكر المعادلات.. يجاهدون في تذكر معارف ومعلومات قرر أصحاب الشأن الرفيع أنها مهمة فحشروها أولا في بطون الكتب المقررة ثم ثانياً اجبروا التلاميذ على ابتلاعها عنوة وبعد ذلك طلب إليهم استرجاعها على شكل تقيؤات تبعث على الاشمئزاز. ماذا يحدث لهذه المعلومات والمعارف النظرية؟ من المؤكد أنها ترسل إلى سلة المهملات لتصبح نسياً منسياً. يطلب من الطلبة تكرار ما قام المعلمون بتدريسه وليس ما قاموا هم بتعلمه وتذوقه وتحليله وتأمل تطبيقاته.
ماذا تهم النظرية أن لم يفكر احد بتطبيقها والاستفادة منها؟ فلتذهب كل النظريات إلى الجحيم أن لم يكن باستطاعة احد الانتفاع بها.

اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع! اللهم إني أعوذ بك من الشر الذي لا بد منه!

تنجح المؤسسات التربوية في الغالب في إنتاج أجيال من الأغبياء والحمقى. وتحسب المؤسسات التربوية نجاحاتها على أساس حساب الحقل وليس على أساس البيدر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى