الأحد ١٤ أيار (مايو) ٢٠١٧
بقلم عبد الرحمان رعد

عبق الذكريات

... أستقلّ سيارتي قرابة الرابعة، متوجهاً إلى المقهى الذي احتوتنا جدرانه ذات صيف، أجلس في زاوية تُظهر لي المكان بصورة أوضح.

ما زال خيالها حاضرٌ هنا، عَبَقها، ضحكتها والحياة. ها أنا أتأمّل مكانها الفارغ، أملؤه بحنيني الذي لا ينضب.

قالها لي يوماً ذاك الرجل الخمسيني، كان يُدعى أبو محمد، لم يمنعه جسده المتلاوي أرضاً، ولا تلك العصا التي يعكّز عليها ما بقي من شتات أحلامه، من أن يضحك للحياة، رغم أنها لطالما أبكته،:" إيّاك وأن تتخلّى عن الأمكنة، فيها يبقى عبق الذكريات، بعد أن يرحل الساكنون ويتركوك لحزنك وسخطك، تمسّك بها، إنها أوفى من الإنسان..."

وصدّقت قولك يا أبا محمد –كما كنت دائماً أصدّق ما تقوله من كلمات-، ولكنه –ومع مرور الزمان- آلمني جداً.. لم تقُل لي ذاك اليوم أن الأمكنة الخالية إلا من ذكرياتٍ موجعة، تسكنها أشباح الوحدة، ويفحّ منها عفن الذكريات، وجثة الحبّ المقتول.

وها أنا الآن، أحصد ثمن إيماني بقولك يا صديقي، لماذا لم تحذرني وقتها من ذاك القدر الذي سيعصف بي، لماذا مجّدت الأمكنه، في حين أنني وجدتها متواطئة، ومستعدة لأن تنهش ما تبقى من أحلامٍ إرضاءً لمن سكنها..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى