الأحد ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم محمد المهدي السقال

عشيقة السلطان

و حين وصل الأئمة صفّا صفّا إلى باب القصر , وجدوا الحاجب المغوار على فرس شهباء ذابلة العينين , منتظراً هؤلاء القادمين من بلاد بعيدة . كانت يدُُ على الغِمد و أخرى تراود الزمام , بينما الحوافر لا تستقر على حال , ورغم جمال السرج و نعومة ظهره الوثير من صوف وحرير, فقد أحسَّ الحاجب بشيءٍ لاِضطراب الفرس .

حذَّرهُ العرَّافُ من تكرار شبح حصان طروادة , فقرر الخروج إليهم بعد استنفار الجند بين الحريم من نساء السلطان , وكان رجلا مزواجاً لا ينقذه من تجاوز خطّ الشرع , سوى فريق من خاصة علمائه الكبار .

يُحكى أنه جمع في الفراش بين خمس نساء سهواً في ليلة مطيرة باردة , وحين طار منه ما أنساه أمر دينه الذي به يعلو على الناس , وجد أنه قد وقع في تجاوز العدد المجمع عليه بالقياس , فما كان منه إلا أن استقدم رجالَه يستفتيهم في الحل ,

وكان الحاجب المعظم قبل ذلك , قد نصحهم بالامتناع عن القول بطلاق واحدة , لا ينسى أحد من الخاصة والعامة ما أصاب السلطان من ضيق في الحال , حين استجاب أول مرة لفتوى حاشيته من العلماء , بعد وقوعه في مثل ما وقع فيه الآن , فأطلق سراح الخامسة , لكنه ندم على فراق من وقع عليها " العود ", * لما كان لها في نفسه من العشق والهيام , حتى أنه كان يأتيها دون ليلتها , في غفلة من عيون ما ملكت يمينه , و زاد من وجد لوعة الفراق , سماع العاشق بركوبها قوارب الموت في عرض البحر .

و كان الحاجب الذي يعرف تفاصيل ما يجري في فراش السلطان, أحرص الناس على التكتم حول زيارة الوافدين الواقفين على الباب , ففي كل مناسبة تعرض , يأتون من كل فج عميق , يعرضون خدماتهم للفتوى بما ينقذ الحائر في أمر الله , متراصين للتنافس في إظهار الدراية بصناعة المخارج من الأزمات , أما الذين سيتم اختيارهم للإفتاء , فقد كان معروفا لديهم قبل غيرهم , أنهم بين حدين في مقصلة ساحة السلطان , إن أفتوه بما يمكن أن يغضبه في الحال والاستقبال , فكل شيء موقوف على النجاح في اختبار التحمل لما بعد الفراق , وبينما الحاجب يفكر في تحذير العرَّاف من شبح حصان طروادة, إذا بصوت يطالب باستعجال فتح الباب , فالشمس الحارقة فوق رؤوسهم كأنها ثابتة في كبد السماء , بينما تسمَّرت أقدامهم ملتصقة بالأرض غير المستوية منذ الفجر, يحكى أن كبيراً في القوم , بالرغم من قُوّته التي يسبق ظلُّها الأسماع فتقشعر لها الأذان , تعسَّر عليه الصبر واقفاً في ساحة المشوار , بدأت الغرغرة بالضغط على الهواء , و أخذت تغالب حركة الدفع في الأمعاء , حركة المقاومة بإرادة الردع , فحاول جاهداً أن يمسك نفسه خوفاً من العار , لكن طول الانتظار نال منه , انفلتت منه قطرات متقطعة في البداية , و لم تكن لتنال من سمك ما يحضِّرونه لمثل هذه المناسبات , فكلهم يعرفون ما ينتظرهم قبل الإذن لهم بتجاوز العتبة , كانوا يهيئون أنفسهم بما يلزم لمواجهة الطوارئ التي لا ينفع معها مال و لا جاه , لحظة التنازع بين الدفع والجذب أمام باب السلطان , حاسمة ومصيرية, كابد الإحساس بمرارتها وحقارتها الوزراء قبل العلماء , وحين جرى السيلان دافئا بين تلاقي ثنايا الفخذين , بدأ كبير القوم في الدعاء على السيل بالتوقف قبل فوات الأوان, لكن الأمر كان قد قضي , وبدأ الخروج الأول يطل برأسه , تخيل أن يقطع دابره لحظة العلم بما هو فيه , فاستمسك بتنهيدة عميقة لم يشأ أن يطلق سراحها مخافة الانفجار , طالب الحاجب الأئمة بالتفرق بين اليمين واليسار , قبل الشروع في الاقتراب من بوابة القصر , و أصدر أمره المطاع بالتأكد من سلامة ما يصطحبونه معهم من عتاد الفتوى , وهو يزهو بين الجمع محدقا في هيئاتهم , من يدري , فقد تكون تحت هذه الجلابيب أحزمة ناسفة , أو سيوف مهندة , من كان يظن حصول الذي صار في حكاية حصان طروادة , هكذا أقنعه العراف , فصار أخوفَ على السلطان من خوفه على نفسه و ما هو فيه .

***************

محمد المهدي السقال

* لعبة الأعواد في بلاد المغرب , كالأزلام في بلاد المشرق , غير أنها لا تستعمل الأقداح


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى