الجمعة ٢٦ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

على الشاطئ

حرارة الصيف تتفجر بقوة غير معهودة، السماء المديدة الزرقاء تلتهب في أتون النار، تتقيأ ما يمور في جوفها الحارق من عرق سائل غزير، وذباب جامح هائج، سكان المدينة العذراء تبخروا إرهاقا، وسآمة، ومعاناة ففروا بأجسادهم النحيلة والمكتنزة إلى البحر ليستنشقوا عبير المتعة، والطمأنينة، والجمال.

هبت ريح خاطفة في لمح البصر فداعبت وجه البحر المستكين لمشيئة الإله، وانتقلت إلى( فرح) فلفحت وجهها الأسمر المستدير الذي يتصبب وداعة، واستئناسا، وعذوبة.
كانت واقفة على الشاطئ، متسمرة كالوتد، لا تحرك ساكنا، بسمتها المألوفة، المتألقة في تألق الزمرد توارت خلف قضبان الصمت الموحش، عيناها العسليتان تتأملان البحر المصقول كأنما تتأملان لوحة زيتية لعبقري شهير، ذائع الصيت.
ـــ إيه يا بحر، لقد سرقت مني إشعاعات الابتسامة، وكتبت علي العذاب.
نطقت (فرح) بهذه العبارة المأساوية الدامية، زفرت بشدة ورياح الخيبة تمتص قدراتها على مواجهة الموقف العسير، وتجرفها نحو الدرك ببطء موجع لا يمكن تحمله.

خمس سنوات مرت مهرولة، شاحبة في شحوب الانكسار، تحكي بإسهاب عن الذين تأبطوا ملفات الرحيل مخلفين وراءهم بصمات الفجيعة، ورجع الصدى القاتل المر.
البحر المارد أخذ في الاضطراب، أمواجه الصافية في صفاء العبرات تعلو وتهبط، اشتد عراك الأمواج حتى بلغ منتهاه، صراخ شابة يافعة يمزق أجواز الفضاء، إنها على وشك الاحتضار.
ما هي إلا لحظات حتى انتشلوها جثة هامدة لا حراك فيها.

دنت منها ( فرح) حائرة، مضطربة، أحاطتها بنظرات طافحة بالدهشة والاستغراب، ثم صاحت من غير وعي: لا، لا.
وأخفت محياها المتشنج بين راحتيها كأنما تحاول الهروب من هذا المنظر المعتم الحزين.
لفظت أختها( نهاد) أنفاسها الأخيرة في عمق هذا البحر اللعين، الصدمة كانت قوية، بالغة التأثير.
فجأة استشعرت يدا حانية تربت على كتفها، استدارت مذهولة، صافحها وجه أخيها (عامر)، تشبثت بيده، وانصرفا خاضعين لمشيئة القدر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى