الاثنين ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

عنوان آخر للدموع

كيف اجعل حروفي وكلماتي تدركك يا صديقي وأنت أضحيت في عالم آخر .

كيف أعلنها إليك؟

رحلت يا صديقي في ظلمة الليل، وقد قضيت نحبك فوق ذاك الرصيف الأصفر، وُضرج دمك قارعة الطريق، فوق ركام من الأحلام وتحت جنح الليل.

هناك بجسدك الواهن حملوك. وانزلوك مرقدك الأبدي.. الذي ستبقى فيه ليال طوال وحيدا وهو بقاء إلى يوم البعث.

إنني أبكيك فهل تقرأ تلك الدموع؟

يوم حملوك اتبعت مسيرتك. وسقطت دموعي وأنا أتذكر تلك الوردة الندية التي قدمتها لي..
وقلت: لي إنك تحب اقتناء الورود بعد أن يذهب شذاها.

آه من تلك اللحظة، عندها ضحكت قليلا وبكيت كثيرا، فأنت تعلم عشقي لأشياء قد تكون غير ذات أهمية لغيري وربما تفاصيل صغيرة للغبار ولكنها كانت تعني لي شيئا.

لا زال مقعدك الذي أحببته في ذاك المقهى الشرقي الذي يطل على البحر يشكو الوحدة مثلي.

كانت عبارات مخنوقة تصدرها نفسك التعبة يوم أخبرتني عن ضيف ثقيل سيحل ابدي، كانت تلك بعض شعيرات بيضاء غزت رأسك دون استئذان منك؛ وان كنت تكرهها وتحاول في كل مرة أن تقتلعها؛ وكأنها تعلن لك عن قدوم زمن آخر في حياتك.

فأشرت لك في زاوية المكان عن شجيرة خضراء وقد جفت أوراقها.. وجاء صوتك يخترق حجب الصمت، وهول الموقف وانتشلتني من حيرة قاتلة، إنه العجز!

حينذاك قرأت بوادر الفجر في عينيك فشع منهما نور ملأ كياني.. وها هي كلماتي تسرع لأعترف لك.. وها هو صوتك يرتفع.. ورفعت رأسي المطأطأ بابتسامة مسحت ذاك الصمت الكئيب.

لا أعلم كيف ستمضي ليال الشتاء من دونك؟

وأنت تنصت لقرع حبات المطر فوق زجاج حجرتك الصغيرة قرب موقد الحطب الأرجواني، وعناقيد الفرح تتدلى من سماء غائمة، فقد كنت تنتظر حضورها لتعلن عن سقوط ندف ثلجية في يوم ميلادك السعيد.

حتى الشمس الساطعة قدمت اعتذارها عن الحضور في تلك المناسبة لتفسح للغيوم البقاء لتشاركك فرحة يومك فودعتنا بخفر.

أتذكر تلك الليلة القمرية التي هاتفتك فيها لأخبرك عن أماني معقودة بحلم وردي خبأتها في علبة بين مقتنياتي الخاصة.. وكان شاهداً على حديثنا القمر ذو اللون الفضي فكان يزداد ضياءً من نافذة أحلامي.. حتى إذ ما انتهيت من حديثي ألقيت تنهديه طويييلة غلفت بتصفيق حار
كيف أنسى؟

ذاك المقهى الذي احتضن دموعنا وآهاتنا في ساعات الوجع.. كنا نشكو الزمن ونسينا أن النفوس تتبدل وتتغير، والبعض تطأ أنفسهم سعار الأنانية كنت تبتسم حينا وتتألم أخرى
أتذكر تلك الشمعة الصغيرة التي كانت تحتضر فوق منضدة خشبية ترثي الحياة تنصت لحوارنا حتى إذا ما ملها الوقت تنفست الصعداء وعلا دخانها.

وقهوتك المشاكسة التي تتحرش بك في كل مرة وتفوح رائحتها من حولك وتحيطك من كل الجوانب وأنت متناسيها.. متعة الحديث الذي شدونا فيه لحنا عذباً أنساك أن تستطعم مذاقها، صدى أصواتنا، كل هذا والطريق لم ينته بعد!

وما زالت الدموع تذرف من مآق من عرفك. ليت تصلك كلماتي وأنت تحمل فوق تلك الأكتاف.

أتذكر...

حدثتني مرة عن الفراق قلت لك حينها قلت لك ما أشبه الرحيل بالسفر فتعجبت من تشبيهي!

وعندها أخبرتني أنه شعار المتعبين في الحياة.

دعنا نسترجع اللحظات اليتيمة التي أمتعتنا وأسعدتنا ونحن نجول حول الأوراق الصفراء المهترئة ونصب عليها غضبنا وهي تتحملنا رغما عنها.

حتى إذا ما سرقنا الزمن المتثاقل حملتني معك على أمل اللقاء بك في اليوم التالي.

وكعادتي استيقظت في ساعات الصبح المتأخرة على أمل أن أحظى منك بورقة مشاكسة تسخر فيها مني على تأخري وتخبرني بعباراتك القارصة أن إفطاري قد ملّ الانتظار.

في ذاك اليوم مرت الأوقات عصيبة على نفسي وأنا أترقب صوتك ذا النبرة المستفزة وأنت تعلن لي قلقك وأمازحك بهدوئي لأثير غضبك المحبب إليّ.

شعرت بغصة تنتابني.. وساورني القلق وسارعت طبول الخوف والترقب تقرع باب قلبي. وما أن وصلت مكاننا المعتاد..لم يكن سوى صدى الوحدة وسواد اكتسى مقعدك وانتظرتك بلا أمل، كل ما رسمناه تلاشى في لمحة ، وغيم كثير في رئتي ّ.

وحتى هذه اللحظات وهو ينزلونك مرقدك ويهيلون عليك التراب.. كأنها لمحة في حلم تلك السنوات الطويلة.

لقد ودعتني بصمتك.. وأحلامك التي بُعثرت فوق ذاك الرصيف.

تركت معنى قاتماُ للرحيل.. في زحام المارة تركت عنوان آخر للدموع وغادرت في ليلة شتاء شاحب، حفنة أسئلة طفت على صفحة وجهي وذاكرتي الثكلى لم تستوعب فراقك وأصبح قلبي بعدك موطن الألم!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى