الثلاثاء ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم محمد جميح

غيوم مجرَّحة

جرِّحْ غيومَك جرَّحْ أيها اللهَبُ

أنَّى برقتَ ففي جنبيَّ تنسكبُ

جنبايَ جُرحٌ بشطِّ الحُلْمِ ساحلُهُ

وساحلٌ حيث لا حلمُ ولا أدب

جرِّحْ نشيجَكَ واقدحْ بوحَ ذاكرةٍ

زمانُها من نشيجِ البوحِ مختضب

جرِّحْ نشيدَكَ ألحاني مُجرَّحةٌ

وليس أجملَ من لحنٍ به نُدَب

إني هنا لغة أدمى جِراحتَها ال

معنى فأورقَ من أوجاعها الأدب

أطوي مدى الحرفِ في شعري وأبسُطُهُ

فيستبينُ به المعنى ويحتجب

وأضغطُ البحرَ في تفعيلةٍ خزنَتْ

بوحَ الخليلِ ومنها الشعرُ ينثعب

وأضربُ اللفظَ مهتزاً بنفسَجُهُ

فيسقطُ اللونُ في حرفي ويلتهب

وأخصِفُ اللغةَ الحمراءَ سِدرتُها

فيرْعُفُ الوردُ والأسرارُ تصْطَخِب

وقد تجلَّيتُ فوق الحرف فانبسَطَتْ

ظِلالهُ في المدى تنأى وتقترب

تأتي القصيدةُ في هَجْسي ملفعة

بدهشة تترك الإيقاع يضْطَرِب

أقُدُّها من ضلوعي حين أكتبها

تَقُدُّني من حروفي حين تنكَتب

وتأخذُ الروحَ حيثُ اللازمانَ ولا

مكانَ إلا سديمٌ كلُّهُ حُجُب

يلوح لي فيه كافورٌ يُلاحِقني

وفاتِكُ عند شطِّ الموتِ يرْتقب

وسيفُ دولةِ حمدانٍ يُغاضبني

ووجْهُ خولةََ بالأحزانِ مُنتقب

والدهرُ يكمنُ لي في كل مُنعطفٍ

في الدرْبِ والرومُ خلفي والمدى كُرَب

كأنني في خيالِ الدهرِ أُحْجيَةٌ

أعيتْ ظنونَ الليالي وهي تحتجب

أجوب بالشعر بلداناً وأزمنة

وأرتمي في قوافيهِ وأغترب

إن غاظني زمنٌ أجتث قافيتي

أو ضامني وطنٌ يعدو بي الخبب

مُطوَّحٌ في فيافي الحرف لا وطنٌ

يضُمُّ روحي ولا الأبعادُ تقترب

نِضوَ الترحُّلِ أسفاري مبعثرةٌ

وخافقي فوق متنِ الريحِ يضطرب

تنداحُ فيه مسافاتٌ ممزقة

وتصطلي في تشظِّي شوقِهِ حِقب

الشعرُ منفايَ لكنْ ليْ بهِ وطنٌ

يُغرَّبُ الناسَ في روحي ويغترب

يَهُز جذعَ خيالي حين يحضُرني

فيغمرُ الروحُ طيفٌ عاصفٌ لجب

وتارةً يسكبُ الأحزانَ في كبدي

ويقذفُ الجمرَ في روحي فتلتهب

يا كلَّ هذا الذي ينداح في شجني

ما أنت من أين تأتيني و ما السبب

كلُ القلوبِ بها من كل أغنيةٍ

إلا فؤاديَ فيه اللحنُ منشعب

وكل أرض بها من كل دانية

إلا بلاديَ فيها الغصنُ ملتهب

أُقسِّمُ الشعرَ قلبي فوقهُ نُتَفٌ

ودمعُ أهليْ على أوتارِهِ سُحُب

بكيتُ فيه على أهلي بكيتُ لهمْ

بكَوا عليَّ بكَوا ليْ فيهِ وانتحبوا

وقمتُ فوق طلولٍ من مدامِعِهِمْ

أبكي إلى أن تشظَّى القلبُ وانشعبوا

صحبتُ في فلواتِ الشعرِ سادتَهُ

وقلتُ عمتَ صباحاً أيها الطَّرَب

وجئتُ سوقَ عُكاظٍ لم أبعْ ألَقي

بكلِ ما وعدَ التجارُ أو وهبوا

وصُنْتُ حرفي عن الأسماءِ تدخلُهُ

فما به للخواء اسمٌ ولا لقب

إني أنا ذهبُ المعنى وجوهرُهُ

فكيف يغريني التجارُ والذهب

وسِعْتُ كلَّ بلادٍ جئتها ألقاً

ولم تسعني بها الفُسطاطُ أو حَلَب

ورُحتُ أطلبُ مُلكاً ثم ملَّكني

عليهِ حرفٌ هو الملك الذي طلبوا

أنا الذي من ملوكُ الأرضِ قاطبةً

يُرَددُ الدهرُ أصدائي وهم غربوا

أنا الذي وكفى أني إذا ذُكرتْ

أنا الذي تسجدُ الأشعارُ والخطب

خلعتُ في جُلْجُلِ بَرْقي لفاطمةٍ

وقلتُ رُدَّي عليها الثوبَ يا شُهُب

وقلتُ يا عَزَّةُ احكيْ عن مكابدتي

وعن بثينةَ حدِّثْ أيُّها التعب

وقبَّلتْ روحيَ الجُدرانَ يا شَغَفي

بها على أن أهل الدار قد ذهبوا

ليلى التي حرَّكتْ أوجاعَ قافيتي

يوماً وراحتْ مع الأغرابِ تغترب

وقفتُ في الوجد حتى قال قائلُهُ

قمْ لامسِ السرَّ لا بُعدٌ ولا رِيَب

ودُرْتُ بالكأسِ والعشاقُ في مَدَدٍ

وكلُّهمْ من حُميَّا الكأسِ قد شربوا

وكل قلبٍ بهِ من فيض أخيلتي

وكل كأسٍ بها من خاطري عِنب

إني أنا سادِنُ الألفاظِ حدَّثتِ ال

بروقُ عني وقالتْ وصفيِ السُحُب

وخاتَم الشعرِ في لفظي أُعلِّقه

على الزمانِ فيسعى نحوه العرب


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى