الأحد ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم بطرس دلة

فــتــــاة التـــــلال إبداع جديد لجودت عيد

الأستاذ الأديب جودت عيد هو أحد مبدعينا المحليّين، إنسان متعدد المواهب. فقد كتب القصة القصيرة وقصص الأطفال والشعر بينما أنهى دراسته وحصل على اللقب الثاني الماجستير في العمل الاجتماعي وهو يعد لرسالة الدكتوراه في التربية.

صدر له حتى الان ست مجموعات نثرية وشعرية بدأها بمجموعته القصصية بعنوان "الأول" عام 1999، تلاها بديوان عنوانه "نشاز بين الجسد والهجرة" عام 2003 وقد كتبنا مقالا نقديا عنها في حينه كما جرى تكريمه في المركز الثقافي في الناصرة. وكتب قصة للأطفال بعنوان "رمّان والينبوع السحري" عام 2007 وتلتها طبعة ثانية في نفس العام. وقصة للأطفال بعنوان "مرمورة وحبة البندورة" عام 2007.

وكتب قصة قصيرة بعنوان "بحيرة في الأفق" نال عليها جائزة الأديب البيئي من جمعية الجليل ومجموعة القصص التي بين يدينا "فتاة التلال" صدرت هذا العام عن دار بيسان/القاهرة – مكتبة كل شيء/ حيفا 2008. وستصدر قريبا قصة جديدة للأطفال بعنوان: "ثلاث سمكات وسمكة"، عن نفس الدار.

فماذا في هذه المجموعة؟

تحوي مجموعة "فتاة التلال" القصصية والنصّية ست عشرة قصة قصيرة تحمل إحداها اسم الكتاب أي فتاة التلال. بينما يتحدث الكاتب في كل مقطوعة عن تلّة معينة، والقارئ اللبيب يحتار في الوهلة الأولى في فك رموز كل مقطوعة أو صورة قلمية أو حتى قصة وذلك لان الرؤيا عند القراءة لا تتكامل إلا عندما نصل إلى الفصل الأخير من هذا الكتاب.

فما هو الجديد في هذا المجال؟

يبدو أن الكاتب يحاول هنا أن يأتينا بجديد في إبداعه، جديد لم نعرفه في كتبه السابقة، فالأسلوب هنا مختلف حيث نجده يجند الأسطورة وآلهة الإغريق القدامى في نصوصه، ويحتار القارئ هل هو (أي الكاتب) يمارس كتابة الأسطورة؟ أم هو يكتب الرواية مستغلا عنصر آلهة الإغريق وغير الإغريق، الآلهة الكنعانية مثلا؟ حيث يدخل في تفاصيل علاقة الآلهة ببعضها ليقنعنا انه إنما يتحدث عن تلة بعيدة ليست في فلسطين. ولما كان ينشد استكمال الصور في فصول الكتاب فأن ذلك ترك لدينا انطباعا انه إنما يحاول جاهدا كتابة رواية الستة عشر فصلا تدور كلها حول محور واحد وهو الفتاة على التلة المقابلة. من أجل ذلك يجند معلوماته التاريخية والفنية اللغوية لينسج لنا نسيجا جديدا يتركنا بعد كل فصل أو صورة قلمية أو قصة نلهث وراء القصد من كتابة أي منها. والحقيقة انه بالرغم من عنصر التشويق البارز في هذه المجموعة إلا أن الكاتب تعثر أحيانا، فسقطت بعض الهفوات المطبعية والأخطاء التي، كما يبدو، لم يكن بالإمكان إصلاحها قبل إصدار المجموعة.

عن نصوص الكتاب:

يلجأ الأستاذ جودت إلى لغة فنّيّة جميلة مُسخرًا بعض الاستعارات والتشابيه حيث يقلّب ملامح الحبيبة بشكل جريء بين حروفه أو كلماته وفي عروقه يستعير أحواض القرنفل للترميز الى مفاتن جسد بطلته ومع كل دفء الحب يظل البرد لديه قارصًا في العتمة! فمن أين يأتي ذلك البرد خلال العلاقة مع من يحب! فالحب يعني الدفء إنما البرد فيعني اللا-حب!

ينتقل بعد ذلك إلى القول: أن بطله (ص-4) ينهمر بين أصابعها، يتجرّد من كل شيء ليمارس عريه في مدينة نسي فيها الشوارع والمقاهي وشرفات القمر القرميدية وراء الغيم في المغيب...
هنا نعتقد أن ممارسة العُري في المغيب ليس لها ما يميزها ولو قال في العتمة او الظلام ستار العيوب، لقبلنا ذلك فلقاء الحبيب بحبيبته يتم في الغالب تحت جنح الظلام من أجل ممارسة العري!

قصة فتاة التلال:

عن عنوان هذه القصة اخذ المؤلف عنوان كتابه هذا. ومن السطور الأولى يذكر المؤلف انه يرى شعلة من نار بعيدة تشع من بين التلال السبعة قبالته!

والتلال السبعة تذكرنا بالأخوين "ريموس وروموللوس" اللذين رماهما أخو الملك في الصحراء لمنعهما من وراثة العرش، وجدتهما ذئبة مرضعة فأرضعتهما مع صغارها. وهكذا كتبت لهما الحياة على يد هذه الذئبة المفترسة والحنونة ليعودا بعد سنوات لبناء مدينة روما عاصمة ايطاليا على سبعة تلال ويسترجعا عرش أبيهما! فهل شطّ الخيال بشاعرنا الى هذه الأسطورة لدى فتاة التلال تضيء شعلة من نار من أعلى احد هذه التلال؟!

لقد قرر الملك (بطل هذه القصة) أن يبني جسرا يصل الضفّتين بالرغم من أنه كان على دراية بالأسطورة التي تقول أن من يحاول وصول الضفة المقابلة لا يعود ولكن قد تعود عظامه مع مياه النهر! وبعدما اجتاز النهر ليصل الى الكوخ الذي تقيم فيه فتاة التلال حيث وجدها بعد عدة أيام، أعلمها بأنه ترك تاجه الذهبي ومملكته وأمواله وجاء اليها. وجد فتاة أميرة عاشت سابقا في مملكة عظيمة يحكمها العدل والحب، بعيدة عن جشع الإنسان الى أن حلّت لعنة على المكان، اهتزت الأرض وابتلعت كل شيء ولم يبق غيرها مع جدتها التي اعتنت بها وقدّمت لها تاجا خشبيا مصنوعا من خشب الزيتون بدلا من تاج ذهبي كتيجان الملوك.

عندما أهدته الفتاة تاجها شعر أنه أصبح ملكا حقيقيا لأول مرة في حياته. وبالمقابل صهر تاجه الذهبي وحوَّله الى خيوط ذهبية، شبك فيها زهور الياسمين لتلبسها على رأسها كملكة! وهكذا عاد الملك مع فتاة التلال الملكة، الى مملكته ومعه كل الخصب وكل الحب.

هذه القصة ليس فيها كل عوامل القصة القصيرة لان الكاتب يدور احيانا حول الفكرة اكثر من مرة كما لو كان يريد ان يكتب الرواية. هذا الامر يدل على ان لديه طاقات ابداعية كبيرة تصلح لأن يستغلها لكتابة الرواية!

وهو في هذه القصة يرمز الى مملكة الظلم والأنانية من جهة مقابل العدل والمحبة الحقيقية بالمقابل. والاشكال في بناء جسر التقارب والمودة يحتاج الى قليل من الإرادة والتصميم وسوف نجد الشعب، عامة الشعب، مستعدين للتعاون من أجل بناء جسور المحبة والتواصل واحترام الأخر وإرادة الأخر ودينه وعقيدته في ظل نظام ديمقراطي سليم!

تل يافا:

في هذه القصة وجدت لدى الكاتب حنينا خاصا الى مدينة يافا. وهو يربط بينها وبين تل ابيب! فهل يقوم جسر يربط بين المدينتين يافا العربية وتل ابيب اليهودية! نحن نعتقد ان اسم هذه القصة كان يجب ان يكون " حنين" لان الكاتب فيها لديه كثير من الحنين من خلال وصف المكان حسبما تراه نجوان، بطلة القصة، والتي تبني وطنا بين مدينتين من خلال علاقة مميزة بينها وبين البحر الذي يحمل كل القصص وحقيقتها أمام تل يافا الذي يحتضن بيتها وشرفتها "الياسمينية" وذلك من خلال رموز وأوصاف رقيقة وجميلة للغاية.

امراة ورجل:

في هذه القصة يخرج الكاتب الى نهاية حيث يجعل فيها البطلة تهرب من بلدها الى الخارج، الى باريس وحيث يصل البطل الى هناك بالصدفة وعندما يراها يقف مذهولا يضمّها الى صدره بقوة الفرح الذي اعتراه ويضع يديه على وجهها ويمرر أنامله فوق شفتيها، ثم يجلسان ليسمع القصة منذ البداية (ص-38). فهل الهرب هو الحل من أجل الحصول على حرية ما، عندما يعارضها المجتمع والأهل! فنحن نؤمن ان الهرب من مواجهة الواقع هو جبن، وان الشاب الناهض والصبية الناهضة يجب ان يواجها الواقع دون خوف او تردد، من أجل حلّ مشاكل كثيرة في مجتمع يمارس الكبت والعنف والقتل بحجة الحفاظ على شرف العائلة.

لذلك فان الكاتب الذي اختار هذا الحل لم يجد حلا أكثر مناسبة لهذه العقدة. ونحن نعتقد أن مجتمعنا بحاجة الى توعية كبيرة وإحلال ثورة إجتماعية حقيقية.

المجموعة والأساطير:

يلجأ الكثيرون من الكتّاب خاصة كتّاب القصص الى الأساطير لأنها معين لا ينضب من المعلومات خاصة الأساطير اليونانية التي تملأ بطون الكتب بأسماء الآلهة وأنصاف الآلهة حيث كان الإغريق القدامى يؤمنون أن الآلهة تسكن على قمة جبل الأوليمب وان هذه الالهة لها صفات كما البشر فهي تحب وتكره وتبكي وتحزن وتنتقم وتتزوج من بنات وابناء البشر والمولودون من مثل هذا الزواج يكونون أنصاف آلهة لذلك تنسب اليهم الكثير من البطولات التي وردت في الملاحم اليونانية القديمة. وكاتبنا لا يشذ عن هذه القاعدة، لذلك وجدنا أنه وظّف كلا من تموز وفينوس كبطلين في قصة بعنوان " تموز وفينوس".

ان قصة عشق تموز الإله للجميلة الآلهة فينوس ليست جديدة، فقد كان يجمع العشق قلبيهما منذ الولادة، الا أن المؤلف الأستاذ جودت عيد اتخذ من هذا الحب مرتعا خصبا لرواية حكايتهما حيث نزل تموز بعربته وحوله زمرة من جميلات النساء، الى التل الذي نزلت عليه فينوس. وما ان داست قدماه أرض تل الغار حتى نبت العشب الأخضر تحت قدميه واستقبله الحاضرون بحفاوة تليق بهذا الإله. ونظر تموز الى البعيد فالتقت عيناه بعيني فينوس. ولما وجهت نظرها التقت العينان وهمَّ كل منها باتجاه الأخر حتى التصق الحبيبان في عناق واحد مسروق من زمن ليس للآلهة، زمن ليس للعشق كما يذكر المؤلف (ص-41).

ولما افترقا اخذ تموز يبعث لفينوس برسائله. بعث بالرسالة الأولى وبالرسالة الثانية، أما الرسالة الثالثة فلم تكتب، إما لان المؤلف نسي أنه انما يكتب رسائل متبادلة او لأنه أراد ان يقطع علينا حبل قراءة هذه الرسائل التي تنضح حبّا وجمالا وتنتهي الرسائل هكذا حيث يفترش الحبيبان الياسمين ويصعدان بعدها بعطر مقدس عند تل الغار، فيعتنق الكون مذهب الفَراش ولحن الورد ويرتفعان نحو الرؤيا في أسطورة غائبة في أرض الغار والأقحوان.

وظف المؤلف هذه الأسطورة في ترميز الى ان أهمية عودة ارض الوطن الى اتحاد جزئية الممثلين بالبعيدين سياسيا والقريبين جغرافيا في أمنية واحدة. قد يعارضنا المؤلف في هذا التفسير إلا أننا لن نوافقه الرأي، مدركين ان كل كتاب يظل ملكا لكاتبه حتى يرى النور، عندئذ يصبح ملكا لجمهور القراء يفسرونه كما يحلو لهم، غير مهتمين، هنا أيضا، بما قصده الكاتب في كل تل من التلال التي دارت حوله حكاية بشكل رمزي شيق ولغة فنية جذابة.

في الناحية الفنية، يقول جي دي موباسان :" ان هدف الفن هو إعطاء صورة حقيقية للحياة"!

فهل يؤمن كاتبنا بهذا الهدف؟! والنقد الأدبي منذ نشأته جاء ليكمل رسالة الفنان في توضيح ما لم يتضح من خلال النص والسرد. لذلك يعتبر النقد مرحلة اكتمال ثقافي يمكن ان نسمّيه وعيا بالذات بحيث يوجد الفن والفنانون أولا ثم يأتي النقاد لإكمال ما لم يكتمل او للكشف عن خبايا النص كما يرونها. ولما تعدَّدت مدارس النقد وظهر مدَّعون بأنهم هم النقاد وغيرهم لا يعرفون النقد، فلمثل هؤلاء نقول: ارجعوا إلى المصادر والى مدارس النقد تعلموها أولا ومن ثم بادروا إلى النقد ولكن دون تجريح ودون فلسفات زائدة لا تفيد المؤلفين ولا جمهور النّقاد! فمن يهتم بالمضمون ويهمل الاطار والعكس خطأ أيضا، لأن مظهر الإبداع لا يقل أهمية عن المضمون. وهناك نقاد يعتبرون الإبداع فاقدا للجمال لان المضمون قد يتعارض مع أفكارهم ومفاهيمهم! لمثل هؤلاء نقول: على رسلكم لأنكم مخطئون. إن اللجوء إلى النظريات الغربية في النقد ودراسة أدبنا على ضوء هذه النظريات هو ظلم لأدبنا ولإبداعنا!

في دراستي للقب الثالث في موضوع النقد الأدبي توصلت إلى نتيجة أن النظريات المختلفة في النقد الأدبي الغربي لا تنطبق على أدبنا، خاصة وان هذه النظريات تهمل الناحية اللغوية وسلامة هذه اللغة. وقد وجدت في الكثير من الكتب التي تصدر في بلادنا، وهي كثيرة، أخطاء لغوية كثيرة وذلك لان دور الطباعة والنشر تهمل هذه الناحية. إن لغتنا العربية هي واحدة من أعرق اللغات في العالم وفيها قاموس واسع جدا من الكلمات حيث يستطيع المبدع استغلالها والكتابة بشكل مميز!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى