الأحد ٧ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم أسامة غريب

فى المحكمة

بالأمس فى المحكمة رأيت العدالة وهى تحاول أن تشق لنفسها طريقا وسط ركام الموالسة وأنقاض استعذاب الهوان والحنين للضرب بالجزمة. رأيت قاضيا يسعى لجعل كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، كما رأيت قاتلا إرهابيا، هو حبيب العادلى يغادر القفص ويتوجه نحو سيارة الترحيلات وهو فى أسعد حال من المرح والسرور. رأيته يبتسم فى سعادة، وهو يسلم على أبنائه من رجال الشرطة المدنية والعسكرية الذين انفشخت أساريرهم وكادوا يقبلون يديه الكريمة وهى تصافحهم فى إنسانية غامرة، كانوا كأنهم فى ليلة حب، ولم تنقصهم سوى الشمبانيا حتى يكتمل الاحتفال بحلاوة اللُقا. رأيناهم والفرحة تكاد تنط من الوجوه، لا يصدقون أنفسهم ولا يستوعبون أنهم فى حضرة حبيبهم وقدوتهم وأخيهم الكبير فى العماد! فى الحقيقة إن فرحتهم بالرجل وسعادتهم بالقرب منه والسلام عليه جعلتنى أشعر بأن الحنان والحب أبقى من أى شىء، خصوصا إذا كان هذا الحنان وهذا الحب موجها إلى قدوة خائنة مثل حبيب العادلى. ما بال هؤلاء الناس؟ هل ما زالوا يحنون للإهانة ويرجون عودة أيام هتك العرض ويرفضون العزة والشرف والكرامة التى سعينا لجلبها لهم وهم على مؤخراتهم قعود؟

رأيت فى المحكمة محاميا عن مبارك قد ذاكر واستعد وبحث عن أى ثغرة تساعد رأس موكله على الإفلات من حبل المشنقة، فى الوقت الذى ظهر فيه محامون «على باب الله» من النوع السكافوللى، جاؤوا لتمثيل أسر ضحايا مبارك وعصابته، محامون بدوا فرحين بالكاميرات والميكروفونات التى كشفتهم وقدمت تواضع حالهم وتهافتهم على الهواء، غير معقول كل هذا العدد من محامىّ الادعاء الذين من المفترض أن يكونوا من المحترفين الأكفاء ليستطيعوا مواجهة غيلان مبارك والعادلى، هل يليق أن يمثل الشهداء رجل جاء ليقنع القاضى بأن مبارك مات من سنة 2004، وأن الأفندى المستلقى على المحفة هو مبارك مزيف؟ غير معقول أن يكون محامو الشهداء بهذا الشكل، لا أحد منهم تقريبا أفلح فى تلاوة جملة دون أخطاء! أعتقد أن الشهداء كانوا يستحقون أن يمثلهم أساطين رجال القانون وأساتذته فى مصر بدلا من الصورة المقلقة التى شاهدناها.

كذلك رأينا مبارك المخاتل الأريب الذى ضحك على الدنيا، أو لنقُل شارك آخرين فى خداع الشعب، وأتى إلى المحاكمة فى الوضع «متفشخا»، على الرغم من أن حالته لم تكن تقتضى أى تفشيخ، كلنا نعلم أن صحته طبيعية وأنه لا يشكو من أى سوء. إن من أغرب الأشياء أن يتم القبض على مجرم من البيت وهو فى أتم صحة، ثم نأخذه ونجرى به على المستشفى دون داع، ثم نبدأ فى إصدار تقارير عنه كل ربع ساعة تتحدث عن الأذين المرتعش، والبطين المنتفش، وحالة الاكتئاب، والشهية الضعيفة، والضغط، والسكر، والبلهارسيا، والدودة الشريطية، كل هذا والرجل يضحك فى مكر لأنه يمتلك قلب شاب فى الثلاثين، يعنى بالعربى أقوى من الجن الأحمر.

فى الحقيقة إننا كنا نفهم هذا النصب فى إطار المحاولات التى كانت جارية لحماية مبارك والوفاء بالعهد له بعدم المحاكمة، أما بعد أن فرضت الثورة كلمتها وغيرت السيناريو كله رغم أنف السعودية وإسرائيل، فقد كان يجب إحضار مبارك واقفا على قدميه دون أفلام هندى، أما أن يأتى إلى المحكمة نائما على سرير ويظل طول الوقت يلعب فى مناخيره وينظر إلى السقف فهذا هو الهزل بعينه، وهو تمثيلية لم يصدقها أحد.

نتمنى فى الجلسة القادمة أن يطلبوا من مبارك يبطّل سلبطة، ويقوم يقف على رجليه، ويطلبوا من عشاق العادلى أن يخفوا مشاعر الحب، أمامنا على الأقل!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى