الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم ليلى بورصاص

في باص الجامعـــة

كان يوم سبت..

وقفت انتظر باص الجامعة كعادتي، وكان هنالك طلاب كثيرون ينتظرون أيضا.. وبعد لحظات أقبل الباص من بعيد يمشي الهوينى وكأنى به دهش عندما شاهد هذا الجمع الغفير من الطلاب يحملقون أعينهم به، وكلهم تربص وكأنهم سيخوضون حربا.. توقفت الحافلة وفتحت أبوابها فرميت بنفسي في تيار الزحام ودفعت بكل قوتي وإذا بي قد دخلت التفت يمينا فرأيت كرسيا شاغر أسرعت نحوه وجلست أستريح من عناء صعود الحافلة.. نظرت من النافذة فرأيت الكثير من الطلاب الذين لم يسعفهم الحظ في الركوب.. فحسدت نفسي، لأنه أن تركب باص الجامعة وتجلس ليس بالأمر الهين أبدا، بل يعد بطولة من البطولات.

وانطلق الباص في طريقه إلى الجامعة..

أخذت اشغل نفسي بالاستماع إلى الأحاديث المختلفة بين الطلاب شد انتباهي حديث أحد الطلاب المتخرجين مع صديق له:

  ستجري مسابقة لتوظيف إداريين يخضعون للتربص مدة ثمانية أشهر ثم يتم ترسميهم.

  ممتاز و ما هي شروط التحاق بهذه الوظيفة؟

  عادي، المستوى الدراسي والوضعية بالنسبة للخدمة الوطنية والسن، لكن الجيد أنهم سيأخذون الطلبة الممتازين بعين الاعتبار.

  رائع فرصتنا كبيرة إذ نحن الأوائل على دفعتنا.

  الحمد لله أن لن تذهب دراستنا وتعبنا سدى..

ثم التفت إلى النافذة.. ونظر بعيدا إلى هناك حيث الأفق البعيد.. إلى حيث يستحيل الوصول.. بدا يتطلع بأحلامه إلى هناك.. بعيون تشع أملا بمستقبل لم تأب مخيلته إلا أن تبدأ في رسم معالمه.. آخذة من الخيال القسط الأكبر..

تأملته.. فرأيت فيه مثال الشاب في عنفوانه عظيم الطموحات لا تكاد الأرض تسعها من شدتها.. رأيت ابتسامة أبت إلا أن ترتسم فوق شفتيه لتعبر عما يخالجه من آمال..

لم أفق من تأملاتي إلا لحظة وصولنا الجامعة.. نزلنا من الباص ومنذ ذلك اليوم لم ألتق ذلك الشاب.

مضى قرابة شهر منذ تلك الحادثة..

وفي أحد الأيام..

وقفت أنتظر باص الجامعة كعادتي.. وبعد معركة طاحنة في محاولة للصعود صعدت إلى الباص ولم يسعفني الحظ في الحصول على كرسي فبقيت واقفة.. وإذا بذلك الشاب من جديد لكنه مختلف هذه المرة.. انطفأ الشعاع الذي كان ينطلق من عينيه المعلن عن آمال وأحلام لا حدود لها..
غارت عيناه تحت جبين تعيس ونبتت لحيته بشكل ملفت.. وبدا وجهه مثقلا بالهموم وقد خط الحزن فيه خطوطا بارزة فبدا لي وكأنني لم أره منذ سنين خلت وليس منذ شهر تقريبا..

سلم عليه طالبان يعرفانه ثم أخذا مكانهما واقفين بالقرب مني.. قال أحدهما:

 رأيت رضا المسكين.. لقد يأس..

 ماذا حدث له ليصير إلى هذه الحال؟

 لقد أجرى مسابقة توظيف ونجح فيها..

 ثم ماذا؟

 عين في الوظيفة لكن.. جاءه المدير في اليوم الثاني لتعيينه وأمره بترك الإدارة..

 هكذا ودون سبب؟؟

  جاءت توصية لأحدهم من أعلى.. فعين مكان رضا.. وطرد المسكين ليحل محله من له "معارف" يعول عليها..

  ولكن ألا يوجد قانون ؟
 لم يكن المسكين قد رسم بعد.. وماذا يفعل القانون في دولة "الأكتاف"

 ترى ماذا ينتظرنا بعد التخرج؟

فهمت ماذا حصل للشاب المسكين.. بعدما كانت الدنيا لا تسع أحلامه.. أضحى الكون سجنا مظلما يخنقه.. دفن رأسه بين يديه وكأنه يهرب من عالم لا يريده.. ثم رفعه من جديد نظر نحو الأفق بنظرة أخرى غير تلك التي نظر إليه بها منذ قرابة الشهر.. انه لا يراه لم يعد هناك أفق.. لا يأبى واقع اليم مخز إلا أن يحطم أحلامنا ويقتل طموحاتنا.. إن رضا ضحية وغيره كثيرون.. ليس هذا زماننا وليس هذا مكاننا.. فهل هو ذنبنا أننا لا نزال نحلم.. أم هو ذنب زمن مادي كريه.. ربما من استولى على وظيفة رضا ليس بحاجة إليها.. ولا هو يملك أحلاما وطموحات يريد تحقيقها.. فقط هو يريد الوظيفة وهو من أصحاب النفوذ.

أفقت من تفكيري وقد وصلنا الجامعة..

نزلنا من الباص.. رأيت ذلك الشاب يمضي.. وكأنه دون وجهة.. بدا يجر حلمه المغتال كما تجر اللبؤة شبلها الميت لأنها لا تصدق أنه قد مات.. التفت إلى باص الجامعة فوجدته يعود أدراجه.. سيحمل طلابا آخرون يملكون أحلاما أيضا.. قد تعيش أحلامهم وقد تغتال هي الأخرى.


مشاركة منتدى

  • أختي ليلى الحالمة
    قرأت ما جادت به قريحتك على عجل إلا أن اختصارما كتبت لا يعدو أن يكون اغتيالا آخر لحلم راودك منذ أن وقعت أنظارك على هول الأسر الذي يحياه كل من علقت أنفاسه هواء الوطن السليب.
    أرجوألا أكون قدجانبت الصواب فيما ذهبت إليه.
    وحتى لا يغتال الحلم لا أملك إلا أن أشجعك على الحلم والكتابة.
    ودمت.مع رغبة أكيدة في التواصل مستقبلا.
    أخوك:د.عبدالقادر سلامي
    أستاذ محاضر-قسم اللغة العربية-
    جامعة تلمسان.

    • اخي د عبد القادر سلامي يسعدني ان يقرا لي جزائري لكن لا ادري لم قلت ان الاختصار اغتال الحلم فانا امارس كتابة القصة القصيرة ومن المواضيع اذا طال شرحه وسرده وتحليله ما يعرضه للملل . خاصة اننا كلنا على علم بالسوس الذي ينخر جسد الامة العربية جمعاء- ولا اقول الجزائر هنا فقط- وخاصة ما يسمى بالوسائط والمعارف وغيره من التسميات .فانا تعرضت للحالة النفسية لاحد مغتالي الاحلام وان كنت انا نفسي مغتالة الاحلام وانا نفسي تعرضت لهذا السوس وان كان بيننا تواصل عن قريب ان شاء الله ساحكي لك كل شيء .اختك ليلى بورصاص قالمة
      lailabou@yahoo.fr

  • الكاتبة ليلى بورصاص
    تحية و تقدير لما تناولته المقالة من طرح قضية في غاية الأهمية و هي بلاشك مشكلة تعاني منها كافة المجتمعات العربية دونما إستثناء.
    و المقالة تناولت أكثر من قضية كلها مترابطة و تؤثر كل منها في الأخرى. فأحلام الشباب بين المرحلة الدراسية و المرحلة العملية
    قضية، و قضية المحسوبية و الواسطة في الإدارة العربية، و الأهم من هذا، هو ظاهرة الإحباط السريع لدينا من المحاولة الأولى لأي محاولة. لماذا لا يكون لدينا النفس الطويل في ثقافتنا لإعادة المحاولة المرة تلو الأخرى في سبيل الوصول لغاياتنا في نهاية المطاف، علما بأن ذلك لا يعني أنني أغفر لثقافتنا أو للإدارة العربية تعاطيها لسلوكيات مثل المحسوبية أو الواسطة.
    أريد أن أضيف كذلك أن الكاتبة ليلى طرحت موضوعا أو موضوعات في غاية الأهمية، و تحتاج إلى دراسة أو رواية حتى، فياحبذا لو الكاتبة تبنت هذا الموضوع كتابيا لتكون مقالة "في باص الجامعة" نواة أو بذرة لمشروع ينمو و يترعرع على يد الكاتبة و غيرها ممن لهم الرغبة في الإضافة.
    أخيرا، الكاتبة "ليلى" مشروع روائية كامن يتحرى الظروف و المداومة على تعاطي الكتابة النوعية و لن أفاجأ بروائية بإمكانات و قدرات الروائية العربية "أحلام مستغانمي" خلال فترة أتمنى ألا تطول.
    الود و التقدير

    عبداللطيف الضويحي
    أكاديمي
    الرياض
    المملكة العربية السعودية
    dwaihi@agfund.org

    • اخي عبد اللطيف الضويحي من البقاع المقدسة اولا اشكر لك رايا لوتعلم كم من الثقة يمنحني فانت فعلت ثلاثة اشياء في غاية الاهمية اولا قرات ما كتبت وثانيا اعطيت رايك فيه بعدما استخرجت كل ما قصدته من قصتي هذه وثالثا دفعتني ببضع كلمات لان انشر كل قصصي المحبوسة بين ادراج مكتب مظلم .لاني فعلا كنت اخشى نشرها .لكن ساطلب منك شيئا ان تقرا قصصي الماضية وتدلي برايك بنفس الصراحة .شكرا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى