قائد أول ثورة مصرية فى العصر الحديث
تعد الثورة العرابية بقيادة الزعيم أحمد عرابي أول ثورة مصرية في العصر الحديث وإحدى الحلقات الرئيسية في تاريخنا الوطني وإليها يرجع الفضل في وضع الدستور وقد كان شعارها (مصر للمصريين)
والسطر الأول من حياة أحمد عرابي سجلته دفاتر المواليد في هرية رزنة بمحافظة الشرقية في السابع من شهر صفر سنة 1257 هـ الموافق لآخر مارس 1874 مـ وينتمي لعائلة تعدادها يبلغ ربع تعداد هرية رزنة آنذاك.
وعن مولده يقول أحمد عرابي في مذكراته:
(ولدت من أبوين شريفين من ذرية العارف بالله السيد صالح البلاسي البطائحي ومقامه الشريف بفاقوس شرقية واسم والدي محمد عرابي ابن السيد محمد وفي ابن السيد محمد غنيم ابن السيد إبراهيم ابن السيد عبد الله واسم والدتي فاطمة بنت السيد سليمان ابن السيد زيد وتجتمع مع والدي في جدي الثالث عشر المسمى إبراهيم مقلد والعارف بالله السيد صالح جاء إلى مصر في منتصف القرن السابع للهجرة ويعد أول من قدم لمصر من بلاد العراق وينتمي إلى نسل الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم من سلالة الإمام الحسين ابن علي بن أبي طالب وابن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ووالد الزعيم كان عالما فاضلا وشيخ هرية رزنة فقد تعلم وأقام بالجامع الأزهر 20 سنة ولذلك حرص على تعليم ابنه (أحمد) فألحقه بالكتاب وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.
في شهر شعبان 1265هـ توفى الشيخ محمد عرابي تاركا 3 نسوة و4 أولاد و6 بنات و74 فدانا وكان ترتيب أحمد عرابي ثاني الأولاد الذكور فكفله شقيقه الأكبر السيد محمد عرابي الذي توفى في الخامس والعشرين من شهر شعبان عام 1318هـ.
التحق أحمد عرابي بالأزهر الشريف ودرس به لمدة 4 سنوات ثم عاد إلى بلدته هرية رزنة.
وفي الخامس عشر من شهر شوال سنة 1270 هـ - 1854 تولى محمد سعيد باشا ابن محمد علي الحكومة الخديوية خلفا لعباس حلمي الأول ابن أحمد طوسون باشا حفيد محمد علي وأكبر ذكور الأسرة العلوية فأمر بدخول مشايخ البلاد وأقاربهم في الجيش فأنضم أحمد عرابي إلى صفوف الجيش في الخامس عشر من شهر ربيع الأول عام 1271 هـ ولكن رفض القيام بالأعمال الكتابية وفي سنوات قليلة وصل إلى رتبة (نقيب) وعمره لم يتجاوز 17 سنة وبعد عامين وصل إلى رتبة (رائد) ليكون أول مصري يحصل على هذه الرتبة وفي سنة 1277 سافر مع محمد سعيد باشا إلى المدينة المنورة كما أهداه أيضا كتاب (تاريخ نابليون) باللغة العربية فسعد عرابي به كما كان يشركه في ترتيب المناورات الحربية وفي السابع والعشرين من شهر رجب 1279 هـ توفى محمد سعيد باشا بمرض السرطان ووصل جثمانه من أوروبا ودفن بالمدافن المجاورة لمسجد النبي دانيال بالإسكندرية وفي عام 1863 م تولى إسماعيل بن إبراهيم باشا ابن محمد علي الحكم فزاد نفوذ إنجلترا وفرنسا انطلاقا من الأموال التي جلبها منهما لشق قناة السويس ومال الخديوي للضباط والجنود الشراكسة والأتراك مما أدى إلى أصطدام بين عرابي وقائده الشركسي الذي فصله من الجيش وبعد 3 سنوات عاد للجيش وظل بدون ترقية لمدة 8 سنوات وفي عام 1291 هـ سافر إلى الحبشة مأمورا لحملة مصوع .. وفي السابع عشر من نوفمبر عام 1869 م تم الافتتاح الرسمي لقناة السويس وصاحبه من مظاهر الإسراف والبزخ ما لا تعرفه مصر من قبل. [1]
وبعد عودة أحمد عرابى من الحبشة قام الضباط بمظاهرة فى فبراير 1878 بسبب عدم صرف مرتباتهم وأثناء المظاهرة تواجد عرابى برشيد فأجتمع الخديوى بالضباط وطمأنهم ثم أمرهم بنقلهم إلى المناطق النائية وكانت الإسكندرية من نصيب أحمد عرابى .. ثم قام الخديوى إسماعيل بإنشاء مجلس الشورى وفى عام 1879 أصدر العهد الدستورى مما اسعد الشعب المصرى فاعترضت فرنسا وانجلترا على ذلك .. وقام السلطان عبد الحميد الثانى بعزل الخديوى إسماعيل نتيجة لسياسته السيئة وضغط انجلترا وفرنسا على السلطان ثم نفى الخديوى إلى ايطاليا وتوفى عام 1895 بالأستانة وتم دفنه بالقاهرة.
عندما تولى الخديوى محمد توفيق بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا الحكومة الخديوية بدأ بتسريح مجموعة كبيرة من الجنود المصريين من الجيش وقام عثمان رفقي الشركسي بحجب الترقية عن المصريين ونقلهم إلى أعمال أخرى فاجتمع أحمد عرابى بمنزله مع الضباط وكتبوا عريضة وقدموها إلى مصطفى رياض باشا رئيس الوزراء وفى ذلك يقول أحمد عرابى فى مذكراته التى كتبها بعد عودته من المنفى فى ظل حكم أسرة محمد على (وفى الحال كتبت العريضة إلى رئيس النظار رياض باشا مقتضاها:
1) الشكوى من تعصب عثمان رفقي والإجحاف بحقوق الوطنيين والتمست فيها تشكيل مجلس نواب من نبهاء الأمة المصرية تنفيذا للأمر الخديوى الصادر إبان توليته.
2) إبلاغ الجيش إلى 18000 تطبيقا إلى منطوق الفرمان السلطانى.
3) تعديل القوانين العسكرية بحيث تكون كافلة للمساواة بين جميع أصناف الموظفين بصرف النظر عن الأجناس والأديان والمذاهب.
4) تعيين ناظر الجهادية _ وزير الحربية _ من أبناء البلاد على حسب القوانين التى بأيدينا.. ثم تلوت العريضة هذه على مسامع الجميع فوافقوا كلهم عليها) .. وتم تقديم هذه العريضة إلى رئيس الوزراء فراوغ إلى أن جاء الأول من فبراير عام 1881 حيث تم استدعاء الضباط إلى الوزارة بقصر النيل بدعوة زفاف إحدى الأميرات ولكن تم القبض عليهم.
يقول أحمد عرابى فى مذكراته (أرسل ناظر الجهادية لكل منا يدعونا إلى الحضور إلى ديوان الجهادية بقصر النيل فى الثانى من شوال سنة 1298 هجرية لنشهد الاحتفال بزفاف شقيقة الحضرة الخديوية المرحومة جميلة هانم وكان وقت زفافها لم يحن فتيقنا أن يريد خدعتنا والبطش بنا فألتجئنا إلى جانب الحق وأخذنا حذرنا ثم اعددنا مايلزم لنجاتنا إذا قضت الحال ذلك)
ثم يقول عرابى (فلما حضرنا ساقونا إلى السجن فى قاعة بقصر النيل وبعد اقفال السجن جاء خسرو باشا وكان رجلا جاهلا فوقف خارج السجن وقال: إيه زنبيل هرفلر _يعنى: فلاحين شغالين بالمقاطف _ ولما أقفل علينا باب الغرفة قال علي فهمي: والله لا نجاة لنا من الموت وأولادنا صغار فأردت تثبيته وقلت له متمثلا بقول الإمام الشافعى رضى الله عنه:
ولرب نازلة يضيق بها الفتىذرعا وعند الله منها المخرجضاقت ولما استحكمت حلقاتهافرجت وكنت أظنها لاتفرج)
وأنتشر الخبر بين الجيش فقامت مجموعة من الجيش بمحاصرة قصر النيل وأسرع الجنود والضباط وفتحوا الأبواب وأخرجوا عرابى ورفاقه من السجن.
ووافق الخديوى على عزل عثمان رفقى وتم تعيين محمود سامى البارودى وزيرا للحربية مع وزارة الأوقاف فبدأ فى سن القوانين العادلة وإصلاح أحوال الجيش ولكن شاعت الأراجيف الكاذبة وطلب الخديوى سفر فرقة عبد العاطى حلمى إلى السودان وحفر الرياح التوفيقى فاستقال محمود سامى البارودى وتم تعيين داود باشا يكن عديل الخديوى فنفرت منه القلوب لجهله والتفت حول عرابى والبارودى ورفاقهما فقرر عرابى الذهاب إلى قصر عابدين مع الشعب والجيش لعرض مطالب الشعب على الخديوى.
وبالفعل وصلوا إلى قصر عابدين فى الساعة الرابعة عصر يوم الجمعة الموافق التاسع من سبتمبر عام 1881 وبلغ تعداد الجنود 4000 وجموع الشعب تجاوزت الآلاف وعرض احمد عرابى مطالب الشعب فقال الخديوى محمد توفيق:
لاحق لكم فى هذه المطالب فانا ورثت هذه البلاد عن آبائى وأجدادى وماأنتم سوى عبيد إحساناتنا.
فقال احمد عرابى فى شجاعة وكرامة : لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أوعقارا فوالله الذى لاإله إلا هوإننا لانورث ولانستعبد بعد اليوم.
وبعد ذلك شاور الخديوي مع حاشيته في مطالب الشعب التي عرضها أحمد عرابي ثم وعد بإجابتها فشكر عرابي ثم انصرف الى موطنه هرية رزنة بمحافظة الشرقية بعد أن ودعه أهل القاهرة بالحب والتقديروالموسيقي وعندما وصل موكب الزعيم أحمد عرابي إلى مدينة الزقازيق استقبله شعب الشرقية بالتأييد فخطب أحمد عرابي خطبة طويلة نذكر منها:
(أنا أخوكم في الوطنية وها أنذا واقف بين أيدي الأهل والخلان وقد بلغكم ماطلبناه من قطع عرق الاستبداد وتحرير البلاد وأهلها وبعناية الله سبحانه وتعالى منحنا الخديوي هذه الأمنية فنحن لم نخرج من القاهرة عصيانا ولا تظاهرا بعدوان وأعلموا أن البلاد محتاجة إلى الخدمة بالقوة والفكر والعمل أما القوة فنحن رجالها ولا ننثني عن عزمنا وفي الجسم نفس وأما الفكر فهو منوط بالأمير الأعظم ووزرائه الكرام وهم لا يهنأ لهم عيش إلا إذا طاب لنا ولايدركون الراحة إلا بأمننا وأما العمل فهو منوط بكم فإن القوة والفكر يعطلان بفقد ثروة تربتنا الطيبة المباركة …)
وبالفعل تم تعيين شريف باشا رئيسا للوزارة ومحمود سامي البارودي وزيرا للحربية وأحمد عرابي وكيلا لها كما انشئت القوانين العادلة وتعدلت الماهيات والرواتب وتم صرف الحقوق الموقوفة وأنشئ مجلس النواب برئاسة ابوسلطان باشا وعم العدل وعرض على أحمد عرابي رتبة (اللواء) فرفض حتى لا يقال أنه يسعى لمصلحته الشخصية.
وقد رصد ذلك المستشرق الأجنبي ـ ولفريد بلنت ـ فقال :
(لم يكن عرابي يخطوخطوة واحدة بدافع الطمع الشخصي وقد تجلى ذلك في حرصه الشديد الذي هومن صفات الزعامة الصادقة علي قضية مصر وهوفي محنته ، فلكم عاش شديد الاهتمام بان يرد كل مطعن يوجه إلى الثورة دون أن يعني قليلا أوكثير بما يقال عن شخصه ولم أر في حياتي رجلا يستطيع أن يكسب إجماع القلوب من النظرة الأولى مثلما رأيت في شخص عرابي .. فقد كان واضح الإخلاص في كل قول ينطقه وكل حركة يخطوها) .
ثم يقول أيضا (لقد كانت فكرتي في البداية عن عرابي أنه رجل جامد .. متعصب الفهم .. يحركه الحقد الأهوج فإذا بي بعد عشر سنين اكتشف فيه فطنة سياسية وتحررا فكريا وروحا إنسانية ويقظة علمية ومعرفة مبهرة لتاريخ الثورات وفهما واعيا للحرية)
وفي السادس والعشرين من شهر ديسمبر عام 1881 تم افتتاح مجلس الشورى مما أثار خوف فرنسا وانجلترا من هذه اليقظة الوطنية فقامتا بإصدار مذكرة المشتركة في يناير عام 1882 والتي تتضمن إخماد كل ما يربك أطماعهما ،ولكن الشعب المصري رفضها برغم موافقة الخديوي.
وفي الخامس من فبراير عام 1882 اختير محمود سامي البارودي لرئاسة الوزارة، واحمد عرابي لوزارة الحربية وتم إصدار أول دستور بحكم مصر ومنح عرابي (لواء باشا)
وبعد تولى أحمد عرابى وزارة الحربية قال بلنت (قفلت راجعا من لندن إلى القاهرة فى فترة تولية وزارة الحربية وأدركت فى الحال لماذا قبل ان يشغل منصبه هذا .. ؟ وهى رغبته فى حماية مكاسب الحركة التى قام بها لتحقيق آمال مواطنيه) [2]
وقال أحمد لطفى السيد (لعرابى حسنات رضيت عنها الأمة وفرحت بها ورضى الخديوى بها _ توفيق باشا _ والحسنة الكبرى هى .. الدستور فالدستور المصرى من عمله ومن صنع يده ومن آثار جرأته .. طلبه عرابى لابوصف أنه عسكرى ثائر ولكن بوصف انه وكيل وكلته الأمة فى ذلك فإن عريضة طلب الدستور كانت ممضاة من وجهاء الأمة ومشايخها فعرابى حقق آمال الأمة بالدستور ولم يرتكب فى ذلك جريمة ولم يسفك دما بل كانت الحركة فى حقيقتها سلاما لابسا كسوة عسكرية).
وبعد صدور الدستور سعت فرنسا وانحلترا للإطاحة بالوزارة الوطنية واحتلال مصر ففي الخامس عشر من شهر مايوعام 1882 أرسلت كل من فرنسا وانجلترا سفنهما إلى الإسكندرية فاحتج أحمد عرابي وثارت الوزارة فأصدرت فرنسا وانجلترا المذكرة المشتركة في الخامس والعشرين من شهر مايوعام 1882 وتضمنت خروج عرابي ورفاقه من مصر وإقالة الوزارة فوافق الخديوي ولكن الشعب ثار بسبب موقف الخديوي وأقالة الوزارة ولكن سرعان ما أصدر الخديوي قراره بتولي أحمدعرابي وزارة الحربية ثم منحه الوسام المجيدي الأكبر في الرابع من شهر يوليوعام 1882 .
في الحادي عشر من شهر يوليوعام 1882 [3] قام الجنرال سيمور قائد الأسطول الإنجليزي بضرب الإسكندرية واستشهد 2000 من المصريين ولذلك قرر أحمد عرابي وجنوده اتخاذ كفر الدوار خطا دفاعيا ،وفي الخامس من شهر أغسطس 1882 هاجمت القوات الإنجليزية كفر الدوار ولكن صمد الشعب مع الجنود مما اجبر القوات الإنجليزية علي العودة للإسكندرية ، وفي العشرين من أغسطس عام 1882 أنزلت انجلترا ويقرب من 30000 جنديا ببورسعيد وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على الإسماعيلية فتجمع أحمد عرابي مع 13000 جنديا في التل الكبير وهاجموا مواقع الإنجليز وضربوا الكثير منها وقرر أحمد عرابي تكرار الضربة ليلا فأخذ يوسف خنفس خطة عرابي وأذاعها لقادة الانجليز وبالتالي انكشفت الخطة وكانت الهزيمة بعد قتال عنيف ، ثم وصل عرابي إلي القاهرة للدفاع عنها وتقدم بطلب للخديوي توفيق لوقف الحرب فرفض وفي الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 1882 دخلت القوات الإنجليزية القاهرة وتم القبض علي أحمد عرابي ورفاقه واحيل للمحاكمة في الثالث من ديسمبر عام 1882 واستمرت محاكمته 15 دقيقة ثم حكمت المحكمة باعدام احمد عرابي مع تجريده ورفاقه من الرتب والأملاك ولكن الخديوي خفض الحكم إلى النفي.
وفي التاسع من شهر يناير عام 1883 وصل الزعيم أحمد عرابي ورفاقه الي منفاهم بسرنديب [4] ففوجئوا بحسن استقبال شعبها وحاكمها.
يقول أحمد عرابي في مذكراته (واستدام الحرب الي ان قدر الله تعالي الخذلان في التل الكبير كما هومعلوم للجميع وتم الأمر بنفينا وخرجنا من مصر في يوم 19 صفر 1300 هـ على قطار مخصوص إلى السويس وبارحنا الثغر علي مركب انجليزي اسمه مربوطة)
وفي المنفى هاجت قريحة محمود سامي البارودي الشعرية بسبب قسوة الفراق والغربة والحنين للوطن والأهل فكتب قائلا:
ومن عجائب ما لاقيت من زمنيإني منيت بخطب أمره عجبلم أقترف زلة تقضي على بماأصبحت فيه .. فماذا الويل والحرب؟!فهل دفاعي عن ديني وعن وطنيذنب أدان به ظلما وأغترب؟!
وفي المنفى توفى عبد العال حلمي عام 1891 وفي 17 يوليو1894 توفى محمود فهمي وفي أكتوبر 1900 توفى يعقوب باشا سامي ودفنوا هناك.
وقضى محمود سامي البارودي في المنفى 18 عاما ولما بدأت صحته تعتل وبصره يزوي قرر الخديوي عباس حلمي الثاني ابن الخديوي محمد توفيق ابن إسماعيل والذي تولى الحكم في الثامن من شهر يناير عام 1892 قرر العفوعن محمود سامي البارودي وعودته لمصر وبالفعل عاد في مطلع القرن العشرين ثم ذهب بصره وتوفى في أواخر شهر ديسمبر عام 1904.
خلال نفي الزعيم أحمد عرابي زاره الدوق كرنوال دريورك ولي عهد الحكومة الإنجليزية فطلب منه السعي للعفوعنه وعودته لمصر .. وفي ذلك يقول أحمد عرابي (تشرف بزيارة الدوق كرنوال دريورك ولي عهد الحكومة الإنجليزية وتفضل بالسؤال عن حالي وما اقاسيه من تباريح الغربة وذل المنفى فقلت لسموه: إني أعتبر تشريف سموك إلى هذه الجزيرة سببا عظيما لإنالتي نعمة الحرية والعود إلى وطني العزيز من لدن الخديوي عباس باشا حلمي الثاني) وبالفعل تم إصدار قرار العفوعن الزعيم أحمد عرابي في الرابع والعشرين من شهر مايوم عام 1901 بعد أن قضى 19 سنة في المنفى أستطاع خلالها تعلم بعض اللغات الأجنبية وتعليم أهالي الجزيرة اللغة العربية وأمور الدين الإسلامي كما أسس المدرسة الإسلامية بالجزيرة.
وفي التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1901 وصل الزعيم الوطني أحمد عرابي إلى مصر واستقر ببيته بالمنيرة واهبا وقته للعبادة والصلاة حتى فاضت روحه إلى بارئها في 22 سبتمبر عام 1911 تاركا كفاحه الوطني للتاريخ يتدارسه جيلا بعد جيل.
قال سلطان باشا : لم أكن أحترم عرابي لأنه جندي ولكنني كنت أوقره لوطنيته ولمقدرته السياسية.
وقال كرومر -عميد الاحتلال -: لا شك أن حركة عرابي في كثير من الوجوه حركة قومية مخلصة.
وقال برودلي: لا شك أن عرابي وأصحابه كانت لديهم القدرة على أن ينهضوا بحكم أمتهم حكما شعبيا وأن ينفذه بجدارة كل التغيرات والإصلاحات التي نادوا بها.
وقال لأوكلند كلفن -المراقب الإنجليزي-: إن الأثر الذي تركه عرابي في نفسي باعتداله في كلامه وبرزانته ولهجته السليمة ، وهوأنه رجل مخلص ماضي الهزيمة.
ويقول الدكتور يواقيم رزق : رغم أن الثورة العرابية لم تفلح عسكريا بسبب الضغط من الداخل والخارج والظروف الغير مواتية لها إلا أن الثورة العرابية كانت لبنة واضحة في البناء الوطني ضد الاحتلال .. ظلت جذوتها مستعرة تحت رماد الزمن وصروخه لتهب مرة أخرى عام 1919 وتثبت وجودها بشكل شعبي أكثر إيجابية وتحبوقليلا تحت ظروف سياسية معينة لتعود للظهور بشكل حاسم ونهائي في عام 1952 لتضع نهاية لهذا الطاغوت الذي جثم على صدر مصر سنين عددا.
وتخليدا للثورة العرابية وزعيمها الوطني أحمد عرابي اتخذت محافظة الشرقية من وقفة ابنها البار ضد الخديوي توفيق يوم التاسع من سبتمبر عيدا قوميا لها وعيدا للفلاح المصري.
كما أقامت متحفا يحمل اسمه تخليدا لذكراه ويضم هذا المتحف بعض اللوحات التاريخية لأشهر مواقف الثورة العرابية مع مجموعة من التماثيل لوزراء وقادة الثورة. هذا بالإضافة إلى بانوراما مجسمة لموقف الزعيم الوطني أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق بميدان عابدين.
نعم فالشعوب لا تنسى أبطالها الأوفياء.