السبت ٥ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

قانا جرح الإنسانية النازف وحُلم السلام المفقود

ويصبح الحكيم الحليم حيرانًا ....
ويسقط القلم من يد الإنسان..... يشعر بعجز حقيقي عن التعبير......
ربما أُتخم القارئ تحليلاتٍ، وشبع معها مآسي، تُعرض في وسائل الإعلام هنا وهناك...تبلد الإنسان وأصبحت وعود السلام سرابًا .... لعَطِشٍ تُنتَزَعُ روحه على رمضاء حربٍ يتجرعها في كلِّ آن ......
الكلّ يسأل: اين الطريق؟ وكيف الحلّ ...؟
ترى هل يمكن أن يكون الحلّ بسيطًاجدًّا ؟؟ ترى هل يمكن ان يكون خارج أروقة الساسة ممن منحوا أنفسهم اللقب الحصري ل "صنَّاع القرار"؟؟؟؟؟
و هل يكون المخرج قريبًا من الفرد منا ...؟؟؟
ربما....وربما يكون في قلب ذاك الانسان .....
ربما ذنب أطفال قانا أنهم ولدوا في جنوب لبنان !!!!!!!

ذنبنا أننا لبنانيون !!!!! ربما ذنبنا كعرب أننا ضعفاء .....
وقَدرنا أننا جيران كيانٍ، تعيش عليه كائنات خائفة حاقدة توظّف إرثها الإيديولوجي وتاريخ القمع الأوروبي لها.... والإبادة الهتليرية لها..... فتسقط عُقَدها النفسية ... والفوبيا الساكنة في ارواحها ...على رؤوس اطفال أبرياء ....

كائنات ترى ان كل من حلولها يتربص بها الشرّ.... فتسعى غاضبة مستنفرة، تريد ان تمسح كلّ من حولها، وتكسحه وتلغيه عن بكرة ابيه ، حتى لو كان هذا الآخر، زهرة او بستان، شجرًا ام حجرًا ...انها باختصار تدمر الحياة ....
ويبقى القدرالمشترك لجميع البشر على وجه الأرض، القدر الأول والأخير هو أننا ننتمي الى بني البشر , وكائنات تُوصف بالإنسان ...

وقدري أني انسان يحيا بقلبه قبل عقله ....
وتبقى الحياة مستمرة ... ومن حق بني البشر أن يحيوا بسلام ....ومن حق الكائن ان يشعر بأمان ....
سنقاوم الظلم نعم .... وسنواجه العنف نعم... سندافع عن الانسان اينما كان... سنحمي أشكال الحياة.... سنقاوم الهمجية بالحياة ... ربما بالحب وبقلب كبير، لا ينسى لحظة انه انسان .....

لطالما كنت من دعاة السلام ، وممن يركز على المفاهيم الإنسانية المشتركة بين بني البشر، لا لترف فكريٍّ ورهافةِ حسٍّ أتحلى بها، بل لإيمان حقيقي وقناعةٍ راسخةٍ وشعورٍ قلبيٍّ عميق بأنَّه لا شيئ أهم من صون الحياة ولا صون لحياة دون أمان وسلام ، ولا سلام الا في ظلّ عدالة حقيقية .....ولا شيئ يهزم إرادةَ إنسانٍ يحبّ الحياةَ ويعشق السلام...

ويقف الفرد منا اليوم أمام مجريات الأحداث، يُطل بعيونه فيرى ويلات تجر ويلات، تُصبّ على رؤوس البشر يوميًّا، ومآسي تَعرضها الشاشات تقتلع عن وجه الابتسامة، وعاصفة تهز كيانه الإنساني ....
فتدمع العين أسى لفرط المعاناة .....
يقف الانسان امام مجريات الهمجية، يرى ما خلفته الآلة الحربية من دمار هنا وهناك ... فيَعتصر آلآمه، ويكتنز في قلبه دوامة من الحسرة.... على دماء تسفك وطفل يُحرق ....

فلنحول الطاقة المكتنزة بداخلنا الى طاقة ايجابية نهديها للانسان.... ونقاوم العنف بالحياة ....

من السهل ان نفجر الطاقة غضبًا عارمًا، وعنفًا يرتد بعنفٍ، غير ان هذا الغضب سيرتد فيؤذي قلوبنا من جديد ....
فلنقف لحظة صدقٍ مع انفسنا وقلوبنا، ونسأل عن الأسباب والعلل التي أدت ببني البشر للإجرام ، لنار محرقة تمسح الاخضر واليابس ....
هذه المآسي لها مسببات حقيقية بلا شك....
و ما الحلول المعلَّبة والمستوردة من هنا وهناك، إلا كمسكن يُعطى للبشرية لا يلبس ان يزول مفعوله بعد قليل ...وتعود الحروب للاشتعال على الأرض هنا وهناك ....
وخلال قرائتي المتواضعة للحلول التي تسعى لطرحها الدول "النافذة والكبيرة" عبر سفرائها ووزرائها ...لاحظت ان معظم الخيارات المطروحة، لا تؤدي الى الى مزيد من العنف والعنف المضاد مما يسقط المنطقة والعالم بدوامة عنف لا تنتهي .....فهذه الطروحات لا ترقى لمرتبة الحلول المؤقتة حتى...
فهل نشر قوات متعددة الجنسيات هو الحل؟؟؟؟ هل تغيير اسم العدوان يلغيه؟؟؟؟؟؟؟ هل استبدال الاحتلال بانتداب حلّ؟؟؟هل اقتلاع البشر من أرضهم ونصب جدارٍ وسلك شائكٍ هو الحل ؟؟؟؟ لا ... وألف لا ...

لا بد من التفكير من وضع حلول جذرية، تعالج الأزمة "التي توصف اليوم باللبنانية"، وهي في حقيقة الأمر أزمة إنسان عالمية حقيقية، اليوم لبنان هو الساحة وبالأمس العراق ، ولا ندري اين تكون ساحة الوغى والغوغاء غدًا....

وتتلخص الأزمة العالمية هذه بنقاط :
• الظلم وغياب العدالة الانسانية، والإملاءات اليومية التي يفرضها منطق من منح نفسه الحق الحصري "لزعامة البشرية " الذي يفرض ما يشاء باللين مرة وبالعصا مرات، فهل من حقِّ اي كائن ان يمنح الحياة لأحدٍ ويحجبها عن الآخرين؟؟ و هل من حق ادارة دولة ما في طرف الدنيا، ان تقرِّر مصير شعوب المنطقة بأسرها؟؟ انه استهتار بقيمة البشر، واستخفاف بعقول الشعوب، واهدار لكرامة الإنسان، واغتصاب صريح لحقوقه . منطق مصلحيّ عنصريٍّ ، ينطلق من نقطة مفادها المصالح الماديّة فوق كلّ اعتبار ، ويقسم الشعوب البشرية لدرجات فيضع قلّة "نخبوية " على رأس القائمة وبقية الشعوب في أسفل السافلين ، منطق يقوم على مبدأ "فليأمن القليل" وتذهب بقية الشعوب كلها الى جهنم ،وليحيا طفل "مميَّز" وعلى اطفال بقية الشعوب العيش في الجحيم ...
  غياب تام لدور المنظمات الحقوقية والانسانية العالمية ، وغياب دور الأمم المتحدة،ودور الجامعة العربية ، ووَضَعَ إسرائيل فوق جميع القوانين الدولية، فهذه المؤسسات أعجز حتى عن إدانة الإجرام.... وإدانة مجزرة حصدت أرواح الأطفال ومزقت لعبهم وشردت عائلاتهم ....
  القمع، الذي تمارسه بعض الأنظمة على شعوبها يوميًّا، لقمع مشاعرها ولاهدار كرامتها ، فبالامس قُمِعَت بعض المظاهرات التضامنية السلمية في إحدى الدول العربية على سبيل المثال ، وتحصيل حاصل فإن تلك الشعوب تختزن أحقادها وتطوّرها، ويتحول الانسان في ظل هذا القمع " الداخلي "" و"الخارجي " الى قنبلة موقتة تنفجر في أقرب فرصة ويأخذ هذا الانفجار أبعاد وأشكال .....

اننا كشعوب اوجدنا الله في هذه البقعة من الأرض، لنا مشروعيتَنا التاريخية، التي يمكن تلخيصها بـ"السيرورة التاريخية" التي أدت إلى الوضع الحالي، نتجرَّع عاقبةَ استيطان جبري قسريّ، في أرض لنا قديمة قدم التاريخ نفسه، و شاءت الاقدار ان تُحاصر قراراتنا عبر "انظمة قمعية" صادرت قرار شعبها ومارست عليه شتى انواع "التأديب " ...

وللخروج من المأزق الإنساني الذي نعيشه من لبنان الى أفغانستان ، لا بد من نظرة انسانية شمولية خارج كلّ الأيديولوجيات، نظرة لا تكيل بموازين، كل يوم بميزان ، رؤية لا تعتمد ازدواجية في المعايير والمفاهيم..... نظرة تعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها ، وتحترم العهود والمواثيق ، وتحترم الإنسان ، فلنقاوم الهمجية بالحياة .... ومن حقي كإنسان ان أحيا على أرضي بسلام ..... وعلى كلّ معتدٍ مارقٍ الرحيل الآن...

وتحضرني بعضا من أبيات الشاعر محمود درويش يقول فيها :

أيّها المارّون فوق الكلمات العابرة
اجمعوا أسمائكم وانصرفوا
أيها المارّون بين الكلمات العابرة
منكم النار ومنا لحمنا .....
وعلينا نحن ان نحرس أرض الشهداء
وعلينا نحن ان نحيا كما نشاء.....
فانصرفوا
آن ان تنصرفوا ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى