الجمعة ١٩ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم صابرين طه

قراءة في «حمام العين» لعزام أبو السعود

رواية «حمام العين» لعزام توفيق أبو السعود تقع في مئة وستين صفحة تحتوي على تسع وثلاثين فصلاً، وهي من منشورات (الملتقى الفكري العربي) وإخراج وطباعة مؤسسة (أمرزيان) في القدس في العام 2009.

قمت باختيار هذه الرواية للحديث عنها وهي وليدة هذه الأشهر التي ما زالت ظلالها تنسدل على خصال أيامنا لأن كاتبها في نظري استطاع وبجدارة إلقاء الضوء على مرحلة مهمة في تاريخ فلسطين وهي الفترة ما بين 1932 و1937 ، أي الأعوام التي كانت فيها فلسطين تنهش على مهل بلا حساب من أهلها ولا دراية، وإن كانت فلسطين قد قتلت قتلاً رحيماً في حينها فمن غير المعقول ألا يكون هنالك أمثال عزام أبو السعود ليحدثونا نحن عن هذه التغييرات الجوهرية في ذلك الوقت وإن كان هذا على حساب أن نلتهم مئة وستين صفحة أيضاً!.

«حمام العين»، اسم هذه الرواية هو مكان هام يعد اليوم أثرياً في البلدة القديمة في القدس، وقد بني على يد المماليك عام 1307 في مدخل سوق القطانين ، وقد قام الصهاينة بإحراقه، ويفكرون اليوم في تحويله إلى كنيس يهودي. هذا المكان تكرر ذكره كثيراً في هذه الرواية ، فقد كان الناس يرتادونه بكثرة في ذلك الحين وخاصة الدكتور فؤاد وضيوفه. أعتقد أن الكاتب قد قام باختيار هذا الاسم لروايته تأكيداً منه على انتماء شخصياته للقدس، فحتى مع بناء الدكتور فؤاد ذلك المنزل الفخم خارج أسوار مدينة القدس وعيشه فيه مع عائلته لم يتوانى عن زيارة هذا المكان كلما سنحت له الفرصة، وحتى ضيوفه الآتون من شتى بقاع فلسطين كان يعرض عليهم دائماً الذهاب إلى ذلك المكان لينعموا بالراحة رغبة منه بتعريفهم به وزيادة انتمائهم لهذه المدينة.

كاتب «حمام العين» عزام توفيق أبو السعود من مواليد القدس عام 1948،

وهو حامل لدرجة الماجستير في إدارة المؤسسات وبكالوريوس تجارة وهو يعمل حالياً مديراً للغرفة التجارية بالقدس، قام بكتابة ما يزيد عن 1400 مقال و8 مسرحيات قدم بعضها على خشبة المسرح .

فصول هذه الرواية احتوت على العديد من الأحداث المهمة سواء على صعيد فلسطين والنضال الذي كان يدور في أرجائها ، أو على صعيد الحياة الاجتماعية الخاصة بأبناء فلسطين، فترى الكاتب يحملنا ويقفز بنا من قصة إلى قصة، من حدث إلى حدث، حتى نرتشف من منبع كل حدث ما يلهمنا لإكمال الأحداث الباقية، وإن الشغف الذي كان يزرعه داخلنا من لحظة إلى أخرى كان كافياً لشدنا نحو التفاصيل باهتمام لم نعهده من قبل.

تحدثت هذه الرواية وهي الجزء الثاني لرواية عزام الأولى (صبري) عن العديد من القضايا المهمة وقد بدأها بعائلة" أبا محمود" ، وهو فلاح من خربة مبروك في العفولة وكيف كان يعتاش من أرضه الصغيرة إلى أن حاولت مجموعة من الصهاينة والإنجليز سلبه أرضه فراح هو ضحية حبه للأرض التي عشقته، فكانت تقدم له كل ما كان يحتاج إليه وأسرته ، وجعلنا الكاتب في هذه الرواية نشاهد كيف أن انتماء الآباء لأرضهم كفيل بأن ينتقل لأبنائهم ، وكيف أن ابن أبو محمود وهو "علي" كان على استعداد لتقديم روحه فداء الأرض وكيف أن قضية سلب أرض والده جعلته أيضاً ينخرط في الدفاع عن الوطن الذي احتضنه بأرضه وشمسه وبحره وأن لا يقتصر دفاعه فقط عن الأرض التي تعود ملكيتها لوالده ، ولهذا فقد انضم لمجموعة نضالية آثر الكاتب أن يشعرنا أن لها

يداً في قتل مختار القرية والذي شاهدنا كيف أنه كان على استعداد لبيع نفسه للصهاينة مقابل بعض الأموال، ثم وبحركة خفيفة لا تكاد تلحظها يحملك الكاتب وعلي إلى القدس، بعدما يفر هارباً من أيدي الصهاينة في(خربة مبروك) ليريك أن الأمل لا زال باق حتى بالرغم من اعتقادك بانتهائه، فتستمع بقراءة تفاصيل قصة عشق بدأت بين علي وابنة الدكتور فؤاد وهو صديق أبو محمود (جيهان) التي كانت ولا تزال في هذه الرواية محوراً هاماً لربط الأحداث ببعضها،وقد كانت تشعرنا منذ البداية أنها تلك الفتاة التي أبت وهي مجهولة النسب أن تصافح يداً مدت لسلب هذه الأرض روحها، ومن ناحية أخرى فأنت في طيات هذه الرواية، تلمس حنانها وخوفها على علي فيجذبك الالتقاء بينهما في نقطة واحدة حتى توّج الكاتب قصتهما بالزواج لينجبا "عزّ " والذي سمّاه والده هذا الاسم تيمناً بالشيخ "عز" زميله في النضال.

ذكاء الكاتب جعل القارئ تواقاً لمعرفة التفاصيل ، إضافة إلى أن ذكاءه جعله يستعمل اللغة العامية في بعض الأحيان ومثال ذلك حديث علي مع "شتيوي" الفلاح الذي قابله أثناء هروبه وكان الكاتب يفاجئنا في بعض الأحيان في استعماله بعض الألفاظ الجريئة على لسان شخصياته التي تكاتفت معاً لتمنح هذه الرواية وهجاً وجمالاً.ومن جهة ثانية فإن الصور الجمالية المفصلة والوصف الدقيق للمواقع أثناء هروب علي من خربة مبروك في العفولة إلى القدس مروراً بالعيسوية وغور الأردن وغيرها من المواقع جعلنا نتعرف على هذه المناطق بشكل دقيق إضافة إلى أننا استطعنا التعرف على شرائح مختلفة من مجتمعنا الفلسطيني في حينها خاصة شتيوي وزوجته اللذين قد مر ببيتهما أثناء هروبه في مناطق قريبة من غور الأردن والراعي العيساوي في العيسوية.

ومن جهة أخرى فإن هذه الرواية سلطت الضوء على قضية مهمة في ذلك الحين، وهو النزاع الحاصل بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي المقدسيتين والذي استطاع الكاتب وبجدارة جعلنا نتعرف على تفاصيل هذا النزاع في ذلك الوقت ونجد في وصفه لهذا النزاع ما يبرهن مدى انخراط الكاتب في البحث التاريخي ليعود لنا بهذا الكم من التفاصيل.

لهذه الرواية وقع كبير في نفسي، فمنذ قراءتي لها وأنا أعشق القدس أكثر، لأن الكاتب في نظري أجاد وصفها، فجعلني قادرة على ملاحظة التفاصيل في حجارة هذه المدينة، جعلني أتمنى أن أكون جيهان، أو حتى أن أنخرط في تفاصيلها، أن أعود إلى ذلك الوقت لأعيش معهم فتات الحياة، بمرارتها، حرقتها وبهائها. أنهى الكاتب روايته بجرعة أمل كبيرة، جعلنا نحتسيها قبل أن نقلب آخر صفحة في هذه الرواية، ألا وهي عودة علي لجيهان بعد غياب، وبهذا التفصيل الذكي استطاع أن يرسخ كل ما قرأنا سابقاً في عقولنا ، ويقنعنا أن الأمل في العودة باقٍ لا محالة، وأن علينا نفض التاريخ من أغبرته ليظهر لنا واضحاً لا يحتاج إلى قواميس لترجمته، وأننا مهما غبنا وتفرقنا، ستجمعنا أزقة القدس في حضنها الدافئ.

فهنيئاً لك يا عزام قلمك الذكي والمبدع !


مشاركة منتدى

  • أشكر الكاتبة صابرين طه على هذه القراءة النقدية الجميلة لرواية حمام العين.
    حمام العين هي الجزء الثاني من رواية صبري التي وقعت احداثها بين عامي 1914-1929 ، وقد صدرت قبل اسبوعين رواية الستيفادور كجزء ثالث من هذه السلسلة المأخوذة من التاريخ الشفوي الحقيقي لمدينة القدس، وتقع احداث الستيفادور بين عامي 1937-1945 .
    أرجو من الكاتبة الاتصال بي لتأمين نسخة لها من الرواية الجديدة، ويمكنها الاتصال بي عبر البريد الالكتروني التالي :
    azzamco127@hotmail.com
    عزام ابو السعود
    www.azzam-abusaud.com

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى