الثلاثاء ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم خليل محمود الصمادي

قراءة كتاب طائر في سماء المجد

قبل قراءة الكتاب لا بد من التعريف بالكاتبة، فالأميرة بديعة بنت الأمير مصطفى الحسني الجزائري من أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري نزيل دمشق، ناشطة في المجالي الفكري والأدبي في كل من سورية وبلاد المغرب العربي كتبت العديد من الكتب منها: الأمير عبد القادر الجزائري دمشق 1992، والجذور الخضراء دمشق 1994، والأسس الاقتصادية في الإسلام دمشق 1993 وغيرها من الكتب وكذا نشرت عشرات المقالات في المجلات والجرائد الدمشقية والجزائرية والمهاجرة، كما أنها حاضرت في العديد من الجامعات الجزائرية..

والكاتبة الأميرة بديعة تبدأ كتابها الكبير بمقدمة ترسم خلالها ملامحها الفكرية التي آمنت بها قبل أكثر من سبعة عقود من الزمن وهذه الملامح المشاعر المشتركة ووحدة الأمة بين المسلمة عربها وعجمها ومشارقها ومغاربها، فهي وإن ولدت في تطوان بالمغرب إلا أن رضعت الفكر من المشرق ومزجته بحنينها للموطن الأول مما نتج عن ذلك سمو ورقي في العلاقات الإنسانية وقواسم مشتركة بين أهل المغرب والمشرق وحدتها الدين الواحد واللغة والآلام المشتركة.

الكتاب يحمل سيرة المجاهد عز الدين لكنه يحتوي بين صفحاته على الكثير من القضايا الفكرية والتاريخية التي رأت المؤلفة أنها لا بد منها عند ذكر سيرة الشهيد عز الدين، وقبل الخوض في هذه التفاصيل لا بد من ذكر محتويات الكتاب
تتألف أسفار الكتاب من مقدمة وتمهيد وجزأين وخاتمة وملحقات، وأما الجزآن فهما لب الكتاب في الجزء الأول الذي أخذ نصف الكتاب وسمي بـ: "تاريخ الجهاد على امتداد العصور" يتألف من عدة فصول هامة هي:

الجهاد في سبيل الله
الفتوحات الإسلامية
قوافل الشهداء والمجاهدين من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
مخطط القضاء على الخلافة العثمانية.
حقبة الاحتلال الفرنسي البريطاني.
في سبيل فلسطين.

ولعل أهم فصل في هذا القسم هو" مخطط القضاء على الخلافة العثمانية" وقد استحوذ ما يقارب المئة صفحة أي ربع الكتاب فيبدو أن رد اعتبار الدولة العثمانية تكاثرت منذ عقود من الزمن، إذا كان الدفاع عن الدولة العثمانية في بداية التحرر والمد القومي يعتبر من نواقض العروبة والقومية وظل هذا الفكر سائدا حتى سبعينات القرن الماضي، عندما نشرت مجلة العربي الكويتية رسالة تاريخية مرسلة من السلطان عبد الحميد الثاني إلى الشيخ محمود أبو الشامات يذكر فيها محاولات اليهود الدنيئة في رشوة السلطان والدولة من أجل تسهيل هجرتهم إلى فلسطين.

تكلمت المؤلفة في بداية هذا الباب عن دمشق في عهد الخلافة العثمانية وبينت دور الشام الحضاري آنذاك كما أنها بينت ولاء أسرة عبد القادر الجزائري لخلفاء وسلاطين آل عثمان، وفصلت عن نوايا جمعية الاتحاد والترقي في هدم الخلافة العثمانية ونشر الأفكار القومية التي سارعت في القضاء على الدولة العثمانية، كما ذكرت بشيء من التفصيل عن جمال باشا السفاح قائد الجيش الرابع ودوره في انهيار الدولة، ولم تنس المؤلفة أن تذكر مواقف أفراد أسرتها من جمال باشا السفاح وعدم ارتياحهم من جمال باشا كالأمير سعيد والأمير عبدو، وذكرت في هذا الفصل موقفها من الثورة العربية وخداعها من قبل بريطانيا التي خدعت العرب من أجل تحقيق مصالحها في تقسيم البلاد واستعمارها والسماح لليهود بالهجرة لفلسطين، وتضمن الباب بعض الوثائق النادرة كالرسائل بين الملك فيصل والأمير سعيد وكذا بين جمال باشا،

تابعت المؤلفة خروج القوات العثمانية من دمشق ودخول الأمير فيصل لدمشق، واغتيال الأمير عبدو الجزائري في منطقة العفيف بدمشق، واعتقال الأمير سعيد من قبل القوات البريطانية ومحاولة استمالته إلى جانبهم كونه يمثل المغاربة في الشام ورفضه لذلك، وختمت المؤلفة هذا الباب بعنوان: إهمال الناريخ العثماني هدف استعماري، دافعت فيه مستشهدة بأقوال المؤرخين عم ماضي الدولة العثمانية التي كانت تجمع كل رعاياها من ترك وعرب وكرد وأرناؤؤط وغيرهم بالعدل والحق والمساواة، وذكرت أن الاتحاديين حرقوا الوثائق والسجلات العثمانية التي تحمل في طياتها الكثير عن الدور الحضاري العثماني وذلك لطمس التاريخ الإسلامي لمصلحة أوروبا والصهيونية العالمية.

أما باب " في سبيل فلسطين " فيحسن أن نذكر عنه شيئا فبدأت به بعنوان: "المغاربة وحي البراق في القدس الشريف " وهذا الحي التي هدمته قوات الاحتلال الصهيوني بعد سقوط القدس عام 1967 كان بالنسبة للمغاربة الوقف الخاص بهم وكونه لا يتجزأ عن الحرم الشريف، فندت المؤلفة في هذا الباب الادعاءات اليهودية في حائط البراق، كما ذكرت فيه ما نشرته مجلة الناقد السورية عن مذكرة الأمير سعيد الجزائري أثناء زيارة لجنة " شو " الدولية التي عينتها الأمم المتحدة للتحقيق في قضية البراق وقد بين الأمير في مذكرته موقفه من هذه القضية التي لا يختلف مسلمان على أن حائط البراق هو للمسلمين، كما بين موقفه الرافض من إنشاء وطن قومي لليهود فقد قال للمسيو ( كلفرسكي) عندما طلب منه الشفقة على اليهود ومساعدتهم في إنشاء وطن قومي لهم، فقال الأمير: وهل نحن مرغمون على إنشاء وطن لهم عندنا؟ إذا كان الأمر كذلك فإن المغاربة أحق بأن يطالبوا بوطن قومي. وكذلك الشراكسة والأكراد.....

أما الجزء الثاني فكان تحت عنون ثقافة المقاومة وسيرة الشهيد المير عز الدين وجاء في ثلاثة فصول هي:

ترجمة موجزة لحياة الشهيد.

الأيام الحمراء يوميات المجاهد سعيد العاص.

ينبوع الجهاد.

وبالنسبة للسيرة الذاتية للأمير فهي كما أوردتها المؤلفة:

هو نجل السيد الأمير محي الدين الحسيني الجزائري، وحفيد بطل المغرب المغفور له الأمير عبد القادر الجزائري ولد عام 1319، وتلقى تعليمه في مدارس دمشق ثم أوفده أبوه إلى الكلية الإسلامية ( الكلية العثمانية سابقا) في بيروت، نفي إلى بورصة أيان الاتحاديين، ولما عادت الحرب أوزارها عادت مع أسرته إلى بيروت ودرس هناك في مدرسة (اللاييك)

ولما اندلع لهيب الثورة السورية كا ن في طليعة من لبى النداء، بالرغم من انشغاله بالثورة والدفاع عن البلاد كان له شغف بالشعر والأدب نظم العديد من المقطوعات الشعرية أثبتت المؤلفة بعضا منها.

تناولت المؤلفة سيرة الأمير عز الدين الجزائري بشيء من التفصيل فذكرت عن دوره وجهاده في الثورة السورية ضد الفرنسيين وعن الفصيل الذي كان يرأسه والذي كان جله من المغاربة المحبيين للإسلام والجهاد في سبيل الله، ولك تنس المؤلفة أن تذكر الأيام المرة التي لحقت بعمها صاحب السيرة العطرة الأمير عز الدين وعن السجن الذي تعرض له، وخروجه واستعداده للجهاد وجعل مزرعته في منطقة " حوش بلاس " القريبة من دمشق مركزا لتدريب وتجمع المجاهدين.

كما تحدثت عن علاقته بأبطال الجهاد السوري أمثال سلطان الأطرش وعادل أرسلان وعبد الرحمن الشهبندر وأفردت بابا خاصا عن علاقته بالشهيد سعيد العاص الذي روت دماءه أرض فلسطين عام 1936، إذ كانا أخوين يجمعهما حب الجهاد ومقارعة المحتل، وذكرت في هذا الفصل عن أشهر المعارك التي شارك فيها عمها من معركة اللجاة والصفا ومعارك غوطة دمشق، وجبل العرب، إلى معارك عتيبة، والقاسمية، وأما المعركة الكبيرة بالنسبة للأمير عز الدين ألا وهي معركة زور بالا في غوطة دمشق التي أبلى فيها ورجاله بلاء حسنا ضد القوات الفرنسية، ودحر قوات العدو ثم دخل دمشق بعدها لإشعال الثورة هناك وانتهت حياة المجاهد بمعركة عين الصاحب في الغوطة فبعد أن نفذ سلاحه نادوا عليه أن يستسلم فما كان منه إلا أن أفرغ آخر طلقة بجسد الجندي الذي أمر بالاستسلام وهو ينادي ويصرخ مع جراحه: الله أكبر، تحيا سورية، تحيا الجزائر، فسقط الأمير من جراحة بعد أن غطى انسحاب من بقي معه من المجاهدين فأمسكوه حيا وأجهز من يدعي الحضارة عليه.

وهكذا انتهت حياة المجاهد في ميادين القتال، ولكن الكتاب لم ينه هنا بل اتبعت سيرة الرجل بفصل عنوانه " ينبوع الجهاد " ذكرت فيه بعضا من أولاد وأقارب الأمير ممن ذاق طعم الجهاد ومارسه إما بالقتال أو الكلمة او فتح البيوت والمزارع أو دفع المال، ولا شك أن أفراد أسرة عبد القادر الجزائري برزوا في ميادين عديدة في القضايا القومية والوطنية والدينية وتلاحموا مع المشارقة من أهل دمشق وتصاهروا وتلاحموا وضربوا مثلا للأمة الواحدة وأن تباعدت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى