الأحد ٤ تموز (يوليو) ٢٠١٠
قراءة في ديوان
بقلم محمد الزينو السلوم

قصائد آيلة للقنوط

ديوان (قصائد آيلة للقنوط) للشاعرعلي جمعة الكعود يطرح قضايا الهم الخاص والعام معاً من خلال لغة شعرية بديعة، وإيقاعات أقرب ما تكون إلى الحزن، وكثيراً ما يستخدم الانزياحات اللغوية في شعره بدءاً من العناوين لإصداراته أو لقصائده كما في عنوان هذا الديوان (قصائد آيلة للقنوط)والقنوط هنا بدلاً عن السقوط كما نعلم، وقد بدء الديوان بكلمة للأسرة السريانية الأزخينية، بقلم عبد المسيح قرياقس..!

قسّم القصائد إلى: أجراس الحب – لا تتركني بعد الآن – مدينة عشق – يوميات مواطن عربي – العودة إلى آزخ – أمير الموتى – صرخة عربية وكل قسم يتضمن عدداً من القصائد.

 في أجراس الحب:تتضمن 17 قصيدة عمودية وتفعيلة،غزلها الشاعر ما بين عام(1993 – 1997)وقدّم لها الدكتور أحمد جاسم الحسين واختار قصيدة واحدة لا على التعيين لدراستها (كما في كل قسم) والقصائد ما بين العمودي والتفعيلة.

في قصيدة (الموت عشقاً):

(يا طلّة الوجع العتيّ وخفقة القلب الحزين/إني أكاد أموت عشقاً/فاحفري قبري بفأس عُطّرت بالياسمين/ثمّ اغزلي لي شرشفاً/من شعرك المسحور يا أخت الجمال وكفّنيني/انتهت القصيدة..!

يتكرر مثل هذا الصوت الحزين في قصائده، وهو القائل:

 (إذا صمتّ فإنّ الصمت يقتلني 
 وإن تكلّمت فالأحزان تلهمني)

نعود إلى القصيدة فنجد الشاعر يعتبر أن الوجع يطلّ عليه، والحزن يخفق في قلبه، فيكاد يموت عشقاً ( الموت عشقاً..!) ويسأل من يحب أن تحفر قبره بفأس عُطّرت بالياسمين (صورة بديعة) ويطلب أن تغزل له شرشفاً من شعرها المسحور، ويلقّبها بأخت الجمال، وأخيراً ينهي القصيدة بقول:وكفّنيني..!

تكثيف في لغة تكاد تكون خاصة بالشاعر الذي يموت عشقاً وبمثل هذا البوح الحزين والصادق والمعطّر بالياسمين تتصف أغلب قصائد الشاعر في هذا القسم.
 في (لا تتركني بعد الآن):ويتضمن(15)قصيدة، غزلت ما بين(1994 – 1996) قدّم لها بأسطر الشاعر(حسين حموي)..!

 في قصيدة(انهيار): 

(على شرفات أحزاني 
نجوم الليل...تنتحبُ
ومالي صاحبٌ أبـــداً 
فصحبي كلهم...كذبوا
وللأحزان....أسبابٌ 
وحـزني مـالـه سـبب
فــكـلّ مـعـالمي صـورٌ 
وكلّ عـواطفي خشـب

ونلاحظ في أبيات القصيدة الأربعة الباقية أن شموس الحب غاربة تحتجب وراء الأفق، وخمره يكاد ينسكب، وحياته كلها ملل، وأكوابه محطّمة، وعيشه كله تعب، وفي آخر بيت يرى الشاعر الله(هكذا يقول)ومثله كان ينتحب(هنا يخرج من الخاص إلى العام ليشير بإشارة خفية إلى أن مثله أمثال في المجتمع..!

 ولو قرأنا عناوين القصائد لتبين لنا مدى غرق الشاعر في بحر أحزانه مثل:(البكاء بصمت – انتحار السلام – أحزان ملوّنة..الخ)ولكن هذا لا يعني أن للشاعر قصائد أخرى فيها ما فيها من الخروج من هذه الحالة مثل قصائد:(همستان – أغنيتان – نهداك – نشيد لعرس الحبيبة..الخ).

 في مدينة عشق:وقد غزلها عام 2003 تتضمن(15) قصيدة قدّم لها الصحفي(أحمد اليساوي)..!

 في قصيدة (أحزان شهريار):(وحيدٌ هو الليلُ مثلي وحيد/أُبعثر فيه همومي.../يبعثرني/ثم يصحبني نحو همّ ٍ جديد/أعاتب همّي/فيصفعني الهمُّ/يصفعني/بيد ٍ من حديدْ).

نلاحظ الشاعر هنا يعتمد القافية(وحيد - جديد - حديد) برغم قصرها فهو اتكأ على القافية كعادة أكثر الشعراء..!

 في يوميات مواطن عربي:( 2005)م.يقدّم لها الشاعر أحمد تيناوي..!
/14/قصيدة (12)منها من شعر التفعيلة،وتحت عنوان(قصائد قصيرة جداً)نجد/11/ قصيدة.وبعدها قصيدتين من الشعر العمودي(نعوة – العودة إلى آزخ).

وأختار قصيدة:(يوميات مواطن عربي) عنوان هذا القسم:

(متى أرتاح من وجع ٍ يسافر عبر ذاكرتي؟/متى أرتاحْ؟/همومي كلها نُصِبتْ/وقلبي لا محلّ له من الأفراحْ/متى تحنو على لغتي لغات الأرضِ/تنسى أنني في الصرف ممنوعٌ/وتكتبني على الألواحْ..!).

يطرح الشاعر في قصيدته أسئلته الحيرى..يسأل عن الراحة..بعدها يستخدم انزياحاً لغوياً مصدره من النحو والصرف في لغتنا العربية(جملة ممنوع من الصرف)كما رأينا..
وتعتبر مثل هذه القصائد خفيفة الظل وفيها ما فيها من شحنات يفرّغها الشاعر بطريقته متى وكيف يشاء..!

في(قصائد قصيرة جداً) نجد الشاعر يجرّب كما في (ق.ق.ج) وأكتفي بمثال من هذه القصائد:

(اختلط الحابل بالنابلِْ/ صار البلبل كلباً / وكلاب الصيد بلابلْ..!) وهي قصائد مكثّفة جداً وتتضمّن بعض المسلّمات القديمة(اختلط الحابل بالنابل) والشاعر هنا يجتهد ويجرّب ولا بأس بمثل هذه التجريب فقد يُعطي البعض منها أكله مع الزمن..!

 أمير الموتى:(قصيدة أفردها الشاعر في قسم خاص) 2005م. قدّم لها الناقد (رياض طبرة) في دراسة تجاوزت الصفحتين في الديوان (وبالمناسبة فإن جميع التقديمات نشرت في صحف سورية محددة) لم أجد حاجة لذكرها: وهي قصيدة تذكرنا بحزن الخنساء على أبنائها وإخوتها وفيها تقول: 

(ولولا كثرة الباكين حولي 
على إخوانهم لقتلت نفسي)

وفي القصيدتين من الأسى والحزن ما تحترق له القلوب وتكوى به الأكباد..لكنهما من حيث الفنية فالأمر مختلف..!

وأشير إلى أن كل من يقرأ قصيدة(أمير الموتى) قد لا يجد مناصاً من البكاء أو الحزن الشديد على الأقل، ولكنها من حيث الفنية فقد وجدتها من أضعف قصائد الشاعر في الديوان وقد جاءت بلغة عادية وبسيطة لكن في داخلها براكين والسنة لهب، وبمثل هذه المناسبات قد لا يستطيع الشاعر التقيّد بالفنية والاشتغال عليها،وخاصة وأن الحزن يطغى ويطغى..!

(سلمان قل لي و ربكْ 
ما قيمة العيش بعدكْ؟
الـمـوت حلّ سريعـاً 
وحــال بـيـني وبينكْ
 
إلى أن يقول: 
ســلمان أنت أميــرٌ 
حتى بداخـل نعشـكْ
 رمز الشباب ستبقى 
ويحفظ الـدهـر..ذكرك.

 وأخيراً نأتي إلى صرخة عربية:وهي قصيدة كتبت في عام 2005م:وهي خاصة في القدس وهي/40/بيتاً. في مطلعها يقول:

هي القدس جرحٌ ما لأغواره سبرُ 
ومــدٌ من الأحزان في إثره جزرُ
توالى على مـرّ العصــور غُـزاتها 
فما هـزّها خطبٌ ولاراعها أمـرُ

إلى أن يقول في نهاية القصيدة:

وظلــــي سـيوفاً قاطعـاتٍ شـعارهـا 
هو البترُ والأعـراب عادتهـــــا البترُ
فمن حُسْن ِما أبدعت ِتشدو قصائدي 
ومن طيب ما قدّمت ِفلّيعظـم ِ الفخرُ..!

والقصيدة رائعة بالشكل والمضمون معا، وأجمل بها من قصيدة.؟! وأجمل به من شاعر.؟!

 وفي الختام يمكن القول:كان الشاعر محلقاً ومتألقاً في شعره المتنوع والملوّن بألوانه القزحية من فرح وحزن وقد تجلّى ذلك – كما رأينا – في قصيدة(أمير الموتى)التي يبكي فيها شعراً على أخيه(سلمان)..وهو يعيش كشاعر وكموظف الهم الخاص والعام معاً يتجلّى ذلك من خلال أكثر قصائد الديوان.

وأختم بمقطع من قصيدة بعنوان:(عدت أخيراً) يخاطب فيها بيروت:

(..يا بيروت/يا طلّة عشق ٍ بدوي ٍ/يتملّى خارطة الخوفْ/كان الحزن صغيراً جداً حين حملتُ حقيبة أحلامي ورحلتُ/صار الحزن كبيراً/أيقظ شوقي من غفوته/فطويتُ جراح القلب وعدتُ).

(1) الشاعر:علي جمعة الكعود:مواليد القامشلي – سينان 1972م/يعمل موظفاً/ينشر في الدوريات المحلية والعربية/حاز على عدة جوائز (جائزة الإمام الخميني التقديرية لعام 2004 – جائزة الزبّاء الأولى في الشعر عام 2005 – جائزة سليمان العيسى الثانية في الشعر 2008 - كرّم من قبل الأسرة السريانية الأزخينية – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين).

 دواوينه المنشورة ):قصائد آيلة للقنوط – أجراس الحب – لا تتركني بعد الآن – مدينة عشق – يوميات مواطن عربي – أمير الموتى – آزخ وقصائد أخرى).

(2) ديوان قصائد آيلة للقنوط:من القطع الوسط – يتألف من /220/صفحة – يتضمن العديد من القصائد العمودية والتفعيلة والقصائد القصيرة جداً(كما أسماها الشاعر) – منشورات الأسرة السريانية الأزخينية في القامشلي عام 2007/.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى