الخميس ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بقلم سليمة مليزي

قصة قصيرة من الواقع الفائزة بالجائزة الثانية مسابقة...

قصة قصيرة من الواقع

الفائزة بالجائزة الثانية مسابقة القصة القصيرة رابطة الكتاب العرب 2014

نشرت في العديد من الجرائد والمجلات الالكترونية والورقية

بدأ الفجر يرسل خيوطه الفضية.. نهضت يمينة متثاقلة وراحت تراقب تسارع صعود النهار في مدى الأفق، ذهبت إلي الإسطبل، حلبت النعجة الوحيدة التي تقتات منها بناتها الثلاثة بعدما استشهد والدهما في ميدان التحرير دفاعا عن الوطن. كانت تهرول يمينا وشمالا بحثا عن قطعة خبز تسد بها رمق ابنتها الصغرى ... سلكت الدرب الذي يحيط بحدائق جدها الهادئة كهدوء الصباح .. فقط كانت أصوات العصافير وصياح الديكة وحفيف الأشجار التي تداعبها نسائم الصباح هى موسيقى اللحظة، لكن رائحة الخبز التي تنبعث من بيوت الفلاحين المستعدين للذهاب إلي حقولهم اثارت جوعا قديما في نفسها، كان الدرب المكلل بأشواك التوت البري التي بدأت براعمه تتفتح لإعلان قدوم الربيع، وهناك في الدروب مروج تتلألأ من بعيد بأزهار الأقحوان والبنفسج وكأنها سجاد حيك بتناسق جميل من إبداع الخالق، لكنها لم تكن مهتمة بها بقدر اهتمامها بحركة الجوع في بطن ابنتها التي قالت: هل شممت هذه الرائحة الشهية؟ كاد قلبها ينفطر لملاحظة ابنتها...

كانت نسائم الصباح الحنون تداعب جسديهما وهما يشقان الدرب مسرعتان قبل أن تفوتهما الحافلة الوحيد التي تقلهما إلي المدينة، كان الهدوء يبعث صمته من كل مكان. مر على مقربة منهما منظف القرية يجر عربته لتنظيف شوارعها الهدائة، كان هناك ايضا حارس الحديقة الكبيرة التي تتوسط ساحة القرية، كان يسقي الحديقة وخرير الماء المتطاير على وريقات الورود يرسل لحناً شجيا يكسر الصمت بجمال رقرقته على الأزهار والأشجار التي كانت تلامس رشات الماء المتطاير عليها بحنين، ورائحة الورد الجوري والتوليب والجاردينا والكاميليا والبنفسج تنبعث وتنعش الهواء برائحتها العطرة ..

لم تكن ابنتها الصغيرة تعلم لماذا تجرها والدتها كل أسبوع إلى المدينة..؟ لقد احتاجت إلي سنوات طويلة كي تعرف أن الصرة التي كانت تخفيها دائما تحت جناح شالها تحتوي على بعض البيضات وقارورة زبدة وبعض العسل، تبيعها لحانوتي في سوق المدينة وتأخذ مقابلها السميد والزيت والصابون والسكر والقهوة احيانا...كانت تتذكر قليلا شذرات من تلك القصة التي طالما حكتها لها امها في طريقهم ذهابا وايابا قصة حزينة يخيم عليها شبح ظلم وقهر أعمامها لهم في انتهاك حقوقهم في ميراث والدهم الشهيد الذي ترك أراضي شاسعة استولوا عليها ظلما وعدوانا.

ويمينة السيدة القوية والذكية التي كانت تطالب بحق بناتها المشروع ..؟ لم تيأس يوما.
اليوم وهي محامية قديرة تنظر الى امها العجوز فترى فيها النور الذي تتبعه لاسترداد وحماية حقوقها، ومن اجل كفاحها العظيم تتمني ان تسود العدالة هذا العالم.

نشرت في الكتاب الجماعي (خبزٌ تحت الحصار) بمشاركة مجموعة من الادباء في القصة القصيرة من مصر والجزائر، صدر عن دار سكرايبت بالقاهر _ مصر


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى