الخميس ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم بلقاسم بن عبد الله

كرسي الرئيس..كم يساوي؟

.. و إلى أي مدى يسعى الرئيس المنتخب إلى تنفيذ برنامجه الطموح، وتحقيق وعوده المحبوبة والمرغوبة والمطلوبة لفائدة منتخبيه ومؤيديه ومريديه؟.. صافحني هذا التساؤل المشروع،بعد متابعتي باهتمام واعتزاز لحصاد و ثمار إنتفاضة الشعب التونسي الشقيق ، وإزاحة إمبراطور زمانه ومكانه.. وسرعان ما عدت لأتصفح كتابي عن حرقة الكتابة، حيث وجدت صفحة منيرة من أوراقي المتناثرة الهامة التي تناجي بصمات ونبضات الزمن الجميل..

.. وحدد لنا صباح اليوم الموالي من ذات عام، موعدا هاما لمقابلة فخامة أو سيادة الرئيس، لم تفرض علينا بدلة رسمية داكنة اللون، ذهبنا بلباس عادي، نقلنا بسيارة مخصصة لهذا الغرض. مر التفتيش الدقيق بسلام، وإن جردنا من ساعات اليد، لتعقيداتها الالكترونية المزعجة، والتي لا تتناسب والمقام، أو حتى لا نعير امتداد الوقت كبير اهتمام، فكثيرا ما يتوقف الزمن في لحظة ذهبية تاريخية. دخلنا رواق القصر، تعلو سقفه مرآة، وتزين جدرانه لوحات زيتية فاتحة اللون، قدمت إلينا رشفات القهوة، كرما ورمز تقاليد حسن الضيافة.

بعد هنيهة، أطل الرئيس بقامته وشموخه، صافحنا بحرارة، والحق يقال، جلس على كرسي رفيع متميز، تحت صورته الكبيرة، وجلسنا بأماكننا، ابتسم وتكلم، ثم تكلم وابتسم، والجماعة كأن على رأسها الطير. الصمت يحاصر الكلام والمكان والزمان. ظل حديث الرئيس ينساب متماوجا، تعلو نبرته وتنخفض، ويخفت رويدا رويدا، لتتخلله ابتسامة بريئة من حين لحين.

كان الحديث يتشعب عبر التضاريس والمنعرجات، يشد الانتباه حقا، وإن ظل الذهن منشغلا أحيانا، بهوامش اللحظة والمكان، فكرسي الرئيس المتميز والمغاير للكراسي التي نجلس عليها، استرعى نظري وتموقع حجمه وشكله ورونقه بلب الشعور، ليترك لرنة الحديث هامش الشعور.

هذا الكرسي الأنيق الفخم الضخم، لماذا يعلو بقية الكراسي، هل يوفر لجالسه الراحة المنشودة؟.. ترى، من صممه وأنجزه؟.. من نقشه وزينه؟.. كم مكث في صنعه وإتقانه؟.. ما تكلفته وثمنه؟.. هل يدخل التاريخ؟.. أم يوضع في المتحف؟.. أم يباع في المزاد العلني؟..هذا الكرسي العالي المتعالي، من هو هذا الذي يجلس عليه؟.. من كان قبله ، وأين هو الآن؟.. ومن عساه سيفوز به في مستقبل الأعوام؟.. هل سيصله بقوة القانون أم بقانون القوة؟..

توقف الرئيس عن الكلام، بعد طول كلام، ابتسم, فابتسمت بعفوية مبالغ فيها.. ليته علم لماذا قهرت ضحكة في أعماقي، فخرجت ابتسامة فابتسمت..وأدركنا المساء، فعدنا من حيث أتينا، بشعور مبهم غامض، به مزيج من الأمل والإحباط ، استمعنا كثيرا ، ولم ننطق بكلمة واحدة.

وفي طريق العودة الميمونة، بادرني صديقي العزيز: هل لاحظت فخامة الكرسي الرفيع الذي يجلس عليه سيادة الرئيس؟.. صمت ثم ابتسمت. ابتسم هو الآخر وصمت. ولسان حاله في قرارة نفسه يقول: حتى هذه السيارة الفاخرة التي تنقلنا لها آذان صاغية وعيون مخفية..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى