الاثنين ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم محمد متولي محمود

كله تمام

(تحتمس، إبراهيم باشا، الجنرال الجمصي، عين جالوت، رد قلبي، ودولا مين ودولا مين؟ دولا عساكر مصريين) أعلام وأعمال وكلمات أغاني تدور كلها في فلك واحد حول نجم عملاق يتربع وحيدا على عرش مجرة منسحقة غائبة في متاهات الزمان والعصور الغابرة تدور وتدور يجذبها النجم العملاق وتنجذب هي إلى مجرة أخرى وما بين الجذب والشد تتفتت يتناثر فتاتها إلى أسماء أخرى من نفس الجنس والعمل تهرب من الجاذبية تتساقط شظايا ملتهبة من زمانها ومكانها البعيدين تخترق غلافا بكرا لكوكب آخر تائه بلا شمس يحتضن بقشرته الهشة بركانا خامدا، تطرقه الشظايا بالأكف وأعقاب الأقدام في إصرار وعند مهيجة في القشرة صداع ما قبل الانفجار البركاني

وفي الجو صهد فض الغلاف البكر، تتعرق السوائل البركانية على خد الكوكب المنعزل أم هوعرق حمى الأنفلونزا هو ما يسيل محمما جسدي، شظايا الأسماء والأحداث أم هوهذيان الحمى، صهد الاختراق الأول أم أنفاس راكبي الميني باص الأحمر ذو شعار النسر على جانبية؟ أصبح ألم الصداع رهيبا عندما استوقفت يد متحفزة الميني باص عند نقطة الشرطة العسكرية عند مدخل الطريق الموازي لقناة السويس ثم راحت عين عسكري شرطة تطوف متشككة مستريبة بالوجوة المتجهمة المتراصة بعشوائية في الميني باص تحوم حول أكتافها النجوم والنسور ثم انسحب صاحبها تاركا الميني باص يستأنف تحركه فور صدور جملة صارمة في ظاهرها متوسلة في باطنها (الضباط رايحين يفتشوا على نقط تأمين الملاحة)، دقائق قبل أن يتوقف الميني باص عند أول نقطة، أوقفته الرغبة في الانتهاء من المأمورية قبل بدئها

ثم راحت الأرجل المتثاقلة والمثقلة بالمهمة تترجل الواحدة تلوالأخرى من التابوت الأحمر الموصل من عالم الفشل إلى عالم العدم، السخونة تزداد في رأسي والدق يتواصل بإصرار وبلا انقطاع، نتراص أمام جندي سقط من ياقة الاوفارول إلى داخله ثم انشد إلية بقايش"حزام"إلى آخره وسقطت على رأسه خوذه رغما عنه، بنظرات يملؤها الملل أكثر من الجدية راح يتفحص الزوار يبحث عن وجوة جديدة وأدوار جديدة في المسرحية

وأصابعه تتحسس سلاح صدئ حمله متقاطعا حول جسده (أنا أتولى تأمين هذه النقطة) هكذا صاح بصوت مبالغ فيه ولسان الحال يقول إن كان ولا بد أن نمثل المسرحية فلا بد وان نمثل جيدا، ابتسمت، استدرت، واجهت الشريط الأزرق ومن خلفها ارض المجد والبطولات المتناساة، اندفع الدق إلى جبهتي مع السخونة يكادون يخترقونها عابرين الشريط إلى الأرض التي تحتضنها السماء تتطلع إليهم من خلالها عيون مائة ألف من الشهداء، كم تدق الشظايا المنهالة من الفضاء على رأسي تريد الخروج تريد العبور قبل أن تنطفئ جذوتها على قشرة رأسي الخامدة، أتساءل"ما بين الأمس واليوم ليس بالزمن الطويل ولكني أحس بالغربة من موقفي هذا"، هناك صفحة من الجغرافيا ضائعة، يقطع قوس نظري مركب بدائي يقوده صياد قذر لا تحمل سحنته معالم الزمان ولا المكان تدفعه موجات الشريط الأزرق تتخلص منه، ماذا دفع به إلى الالتفات إلينا والابتسام بكراهية عميقة عمق التاريخ ثم رفع ذراعه مشيرا بها إلينا إشارات إباحية قبيحة؟ضغط الكومبارس الذي يلعب دور الجندي على سلاحه مهددا إياة ولكن الآخر ازداد شراسة في إيماءاته القذرة، إنه يدرك أن السلاح بلا ذخيرة، وحتى لوأنه مذخر؟فهل يستطيع الكومبارس لعب دور الشجيع؟بينما جابة الزملاء هذا الأمر بالتجاهل جابهته أنا بقطب مابين حاجبي، لمن يشير هذا الشئ؟ ولم؟ وهل هذا الشئ منا أم من الآخرين؟ تسلل إلى رأسي هاجس بأن الآخرين عادوا إلى احتلال الشريط الأزرق والأرض التي تعانقها الشمس وأن هذا الصياد منهم، أما دق الشظايا فقد اختفى وانحسرت موجات سخونته مع وفاة الشظايا على الذهن الخامد والهمة الهامدة، أخذت أتابع الصياد بنظري وبينما أتابعه لمحت في حائط مخزن السلاح خلفي فجوة يتحرك فأر جبلي قذر منها واليها بحرية بينما أمام الفجوة يرقد قط كسيح ذوفراء أجرب وعين واحدة نصف مغمضة تراقب في استسلام ومهادنة الفأر المتراقص أمامه، غاص ذهني تماما في مشهد الفأر والقط قبل أن ينتزعني منه صوت الجندي صائحا بلهجته المسرحية متمما فيما بينه وبين النقاط الأخرى ومسدلا الستار برغبة منه في إنهاء الأمسية (واحد تمام) لم تمر لحظات حتى أتاه صوت آخر من بعيد ممطوطا مائعا كأصوات بائعي الروبابيكيا في حارة مصابة بالنعاس (أتنين تمام التمام التماااااااام).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى