الجمعة ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم إبراهيم جوهر

لا مكان للخراف!

الأيام تذكّر بالأيام كما تذكّر المواقف بشبهها. للأيام ذاكرة خصبة ، وللذاكرة حنينها ودموعها أيضا.

الخميس القادم سيكون (يوم الوقفة)، وقفة عرفات. في مثل هذا اليوم كانت (خطبة الوداع)،
وكانت الأسواق تعمر بالأضاحي، فلا شيء أحب إلى الله من إهراق الدم في مثل هذا اليوم (عيد الأضحى). توزّع اللحوم على الفقراء فيدخل الفرح إلى البيوت المعتمة، وتحصل قيمة التضامن والشعور بالآخر القريب، وتكون غيرية لا تعرف معنى الأنانية السلبي.

كان (سوق الجمعة) يظل عامرا بمعروضاته من الأضاحي طول الأيام التي تسبق يوم العيد.
أستذكر في مثل هذا اليوم (بريجيت باردو) ممثلة الإغراء الفرنسية التي ألهبت مشاعر المراهقين ايام صباها الماجنة وزرعت قيم التحلل وبيع الأجساد رخيصة ! أستذكرها حين أقامت (جمعية الرفق بالأغنام) التي تضامنت معها في مثل هذا اليوم لأنها تتعرض ل(إبادة) جماعية !!

اليوم أوصلت ثمن أضحية إلى زميلي (الشيخ ياسر) لينوب عني في ذبحها وتوزيع لحمها على المحتاجين في العيزرية وأبو ديس والمنطقة القريبة.

لن أتمكن من مداعبة (خروف العيد) كما اعتدت في طفولتي، ولن ينام معي في الغرفة كما كان في تلك الأيام البعيدة!

سينوب الشيخ ياسر عني وعن أمثالي ممن انتهجوا طريقة (الدفع المسبق)،
(أتصور الشيخ وقد اقتاد مجموعة من الأضاحي وقد قرر أن يعيد سيرة رعايتها وتدليلها قبل ذبحها. أتصوره يقودها إلى المرعى المسوّر الممنوع الاقتراب منه، فلا مراعي للبدو في المنطقة. حتى (مدرسة الخيزران) ومدرسة الإطارات التي بنيت على عجل لاستيعاب أبناء البدو، المقتلعين في بداية خمسينات القرن المنصرم من مضاربهم وأراضيهم في النقب، لوحقت وهددت بالهدم!

لم يعد في حيّنا متسع للناس فما بالك بالأغنام! حيث كنت في طفولتي أجد أرضا خلاء تصلح ليرعى الخروف فيها من عشبها قامت (مستوطنة المندوب السامي) ومستوطنة (الشاطئ الذهبي) وصودرت مساحة واسعة لبناء مغفر للشرطة.

لم يعد في المكان متسع للّهو، والمرح، واللعب، ورعي الخراف!

لذا حمّلت الشيخ ياسر مهمة صعبة.

مساء اليوم ناقشنا في ندوتنا الأسبوعية ديوان الشاعر (إياد شماسنة) الذي حمل عنوان (التاريخ السري لفارس الغبار). الشاعر صاحب مشروع يثق به ويسير على طريق تخدمه. واسع الاطلاع معجب بأمهات القصائد في العصر العباسي، لذا تناصت قصائده معها، وقد اتبع أسلوب النص النثري الموازي ليفتتج به كل قصيدة وهو يضع مفاتيحها في يد القارئ.

عدت عند الثامنة مساء فوجدت نسخة من (الأعمال الكاملة) للكاتب (محمود شقير) بإهداء لطيف. أبو خالد أعاد نشر مجموعات قصصه في كتاب واحد ليسهل على الدارس والقارئ المتابع الوصول إلى بداياته والوقوف على مسيرته الإبداعية.

المكان أحد العناصر الأساسية التي تقوم القصة عليها، والمكان يمثل الحاضنة للأشخاص والحدث القصصي. المكان في الواقع يتقلص ويذوب لتقوم أمام الكاتب مهمة البحث عن مكان، كما ستقوم أمام زميلي (الشيخ ياسر) مهمة البحث عن مكان يسرح فيه مع الأضاحي. فماذا لو قرر الذهاب إلى تخوم مستوطنة الخان الأحمر؟! أو إلى تخوم مستوطنة (كيدار)؟!

ماذا سيكون مصير الأضاحي التي سيعتدي المستوطنون عليها؟

والأهم، ماذا سيكون مصير زميلي الشيخ؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى