الأربعاء ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم عمر يوسف سليمان

لغة الموت في (إشراقات)

لم يكن عبثاً أن يتجسد الموت والمعاناة والألم والغربة في نصوص المهرجان الأدبي لطلبة سورية (إشراقات)!! لهذا العام 2009، كما لم يكن عبثاً أن تُسمعَ لهجةُ الحزن الموتِ في قاعة المركز الثقافي بطرطوس طوال فعاليات المهرجان.

فالمطلع على الأدب الجديد منذ بداية القرن العشرين لا يكاد يجده إلا ألماً ومعاناةً ومآسٍ وفقداناً، يختصر العالم بنظرة سوداوية لا تعرف الفرح والتفاؤل والسعادة، مما يشكل إرثاً كاملاً لقارئ هذا الكم الهائل من الأدب العربي خلال هذا القرن، طبعاً هذا في العصر الحديث، فكيف إذا اطلعنا على التراث العربي كله منذ الجاهلية؟ ...الجواب عندكم!

نستطيع أن نقول إن الضياع والغربة والتشرد وفقدان الانتماء هو ما يحكم جيل الشباب الجديد، والذي نحكم عليه من خلال الأعمال المقدمة إلى المهرجان، خمسون عملاً أدبياً بين الشعر والقصة والمسرح والخاطرة والشعر الشعبي وحد الألم والحزن ومعاني الفراق والمعاناة واليأس أغلبها.

لا أنكر أن الوجدان والعاطفة الحارة المعانية هما المولدان الرئيسان لأي عمل أدبي عذب وراقٍ وعظيم، ولكن الحزن لا يعني التشاؤم والموت، بل هناك حزن شفيف رهيف مبتسم، ومن يقرأ أشعار طاغور العظيم يعرف ذلك حق المعرفة.

إن أعمق لغة في العالم هي البكاء، فحين يبكي الإنسان ينقش بدموعِهِ ما تريد الحياة أن تكتبه في صفحاتها، حين يبكي تبكي معه الطيور والأرض وأوراق الشجر، لكن شتان بين البكاء يأساً وخوفاً ورعباً، وبين البكاء فرحاً وحباً ولوعة إلى المزيد من الجمال.

وشتان بين أن يصرخَ الإنسانُ وهو يائس وبين صراخه ثورةً لأنه يطمحُ إلى مزيدٍ من الألق.
ترى هل أصبحت المعاناة تقليداً يُتَّبَعُ ويسيطر على الأدب الجديد؟ .

وإذا كانت شريحة الشباب تقع تحت سيطرة هذه المآسي والضياع والتشتت، فما معنى الحياة؟
مع العلم أن الأمر ليس عبارة عن مراهقات ووهم، تظن منها هذه الشريحة أنها الحياة انتهت، بل هو أبعد من ذلك بكثير، إنه صورة تعكس الواقع من جهة وما خلفته لنا الأجيال السابقة من جهة أخرى.

الرعب...الشيء الوحيد الذي ينتاب من ينظر إلى الجيل الجديد وهو من أبنائه، نعم، وكيف سننظر إلى هذا الكم الهائل من الحزن والموت والتشاؤم الذي يحكمنا ولا نستطيع أن نسيطر عليه ونبعده ونعيش مرحلتنا بكامل عنفوانها وفرحها وتفاؤلها، هذه الأشياء التي تُعَدُّ لازمةً وطبيعية لهذه المرحلة من العمر.

هذه ليست مرثاة...ولا دعوة إلى إنقاذ الجيل من النظرة السوداوية التي أصبحت تقليديةً لديه، فنحن لسنا بحاجةٍ إلى أحد، والسعادة والمستقبل لا يصنعهما إلا نحن.

من يمشي في الوحل يستطيع أن ينظر إلى الأفق الأزرق.

ترى هل كانت نظرة الأجيال السابقة كنظرة جيلنا؟

لا يهم، بل ما يهم هو أن الأجيال السابقة لم تفعل خيراً قط طالما أنها تركت لنا هذه النظرة المتشائمة الخائفة الباكية.

رجاء...أيها الجيل الجديد، دعونا نضحك ونضحك ونرقص، ولتملأ ضحكاتنا الدنيا، على الأقل كرد فعلٍ ساخرٍ على الواقع، ولنسر بكامل جنوننا إلى ما هو أبعد وأبعد من الأفق، لنكسر كل شيء ونهدمه ثم نبنيه بجنوننا العذب، لا شيء ثابث على الأرض، فلماذا ندخل في سبات الألم؟

لا أنكر حلكة المرحلة وبشاعتها، ولكن لو فرضنا أننا نموت الآن، فما معنى أن نندبَ حظنا وندعوَ ونديمَ الصراخَ والخوفِ والتشاؤم؟ ولو لم تبقَ إلا لحظة واحدة قبل النهاية، فلنضحك، ولنخرج ألسنتنا لهذا الواقع العبثي الواقع، حتى نجعل من كل هذا العبثِ معنى...
المفارقة تكمن في أنه كان لأجيالٍ سبقت انتماء، ومع أنه اتضح فيما بعد أن هذا الانتماء لم يكن إلا وهماً، فإنهم كانوا يندبون الواقع ويدعون إلى تغييره باتجاه صورة أخرى كلٌ حسبَ انتمائه...أما نحن فلمن ننتمي؟ وإلى أي شيءٍ ندعو؟ ، ثم ما معنى أن تسيطر علينا لغة الموتِ ونحن لا نملك رؤيا جاهزة وواضحة لتغيير مسيرة الحياة؟ .

فلننتم لنا فقط، ولنصنع انتماءنا بأنفسنا.

شخصياً أدعو إلى التحطيم والسير ضاحكين، إذ لم يعد هنالك من معنى للترميم أو الإصلاح، وحتى التحطيم يحتاج إلى تحطيم أيضاً، فحين نحطم السائد ونثور عليه، علينا أن لا نقتنع بما فعلنا، إنه شيءٌ آخر، شيءٌ معناه أن نعيشَ لكي نعيش...

ولنخلق أدباً جديداً خالياً من لغةِ الموتِ والخوفِ والتشاؤم والسوداوية والشعور بأن كل شيءٍ انتهى وأننا على حافة الهاوية.

نحن لا نعيشُ في عصر الظلام أو الردة، بل في عصر العبث والتقلب والجنون والفوضى.
بغض النظر عن كل شيء، لم يزل هنالك صبحٌ يغرد للدوالي في سفوحٍ بعيدة، هنالك بحر وزرقة ونسائم وغزلان ونيسان وماء يرشرش على الصفصاف من عبث النهر الضاحك الهازئ الخائن العابث المحِب...إنني أرى كل ذلك، أراه بوضوح لا حد لانطلاقه...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى