الخميس ٦ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم يونس أحمد عفنان

مثلث برمودا المتوسط

عندما قرأت لفرويد (أبوالطب النفسي) في مطلع سنوات المراهقة ووجدت أنه يبني الكثير من أفكاره على الخاصية الجنسية عند الإنسان، رفضت هذا الرجل جملة وتفصيلا واعتبرته قد أضاع حياته في رسم خريطة العالم على صفحة الماء، لكنني بعد ذلك لما دخلت سوق النساء بكامل قواي العقلية لأخرج فاقدا صوابي بسبب كثرة الأعطال في اللوحة الدماغية المركزية، وقوله الشهير (سأموت وثمة سؤال لم أستطع الإجابة علية: ما الذي تريده المرأة؟) يقرع كجرس عملاق في دماغي، عرفت بأنني يجب أن أعيد تقييم هذا الرجل من جديد، ثم لما رأيت الشباب يفعلون بأنفسهم العجب العجاب لينالوا أعجاب امرأة أوابتسامة منها أولفته، وأن الحب يفضي إلى الجنس والجنس يفضي إلى الحب، والقمة تفضي إلى القاع”والجنس”والقاع إلى القمة”والجنس"، وأن نابليون بونابرت وغيره من مشاهير التاريخ كانوا يصنعون التاريخ وهم بين أحضان عشيقاتهم، أدركت أن هذا الرجل أسطورة بطريقة ما ويستحق أن يكون أبوالطب النفسي وأمه وعمه وخالة.
ما الذي تريده المرأة ؟ سؤال بلا جواب، وسيضل كذلك حتى لا تفقد المرأة أغلى وأهم ميزة لديها: قدرتها على تكرار الجاذبية.

وكنت استرجع ذكريات أخرى وأنا أحملق في جدار المقهى بانزعاج بعد خروجي فورا من أخر تجاربي مع المرأة، وهذه التجربة باختصار هي أن أحدى زميلاتي السابقات في العمل وهي طبعا من نفس نوعنا نحن أبناء المشرق في هذه الأيام.

لا هي متدينة ولا هي غير متدينة، لا هي (على الموضة) ولا هي (مش على الموضة)، لا هي موالية ولا هي معارضه، لا هي تريدك أن تتغزل بها ولا هي تريدك أن لا تتغزل بها، ولا أن تشتهيها ولا أن لا تشتهيها...... أطلعت صدفة على بعض كتاباتي فأعجبت بها، وبعد وقت دعتني للخروج معها في نزهة في المدينة ثم تناول القهوة في أحدى مقاهيها، فقلت لها وبأي صفة سنقوم بهذا ؟ فقالت بصفتنا أصدقاء صداقة بريئة، فقلت: أصدقاء في العمل على عيني ثم رأسي أما بنزهة خارج العمل فهذا موضوع لا صداقة ولا براءة فيه بالنسبة لي، كما أنني أصلا لا أؤمن بالصداقة (البريئة) بين الرجل والمرأة بل أن الصداقة أصلا لا علاقة لها بالبرأة.

فتساءلت مندهشة: وكيف ذلك ؟ قلت: ما دامت”المصلحة”كانت منذ الأزل ولا زالت هي العمود الفقري للعلاقة بين الكائنات فأنها هي التي يمكن وصفها بالبراءة أوعدم البراءة، وهكذا فأنه عندما تكون المصلحة بريئة تكون الصداقة إنسانية وجميلة، وعندما تكون المصلحة دنيئة تكون الصداقة مجرد خازوق.

ولما ألحت مستهجنة إجابتي طالبة المزيد من التوضيح قلت لها: بدون نقاش عويص وكلمات كبيرة، بصراحة أنا رجل تعنيني النهاية أكثر من البداية وبما أنني ذكر وأنت أنثى فحتما سأشتهيك في لحظة ما ولا سيما أنك تدعينني لعلاقة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولأن هذا الأمر خطا أحمرا بالنسبة لي فأنني أفضل عدم السير باتجاهه ولا ملليمتر واحد، فقالت ولكنني أدعوك لعلاقة واضحة هي الصداقة المفتوحة فقط على ما هوأخلاقي وأنساني وبرئ، قلت لها وهل شهوة الرجل للمرأة وشهوة المرأة للرجل موضوع غير أخلاقي وغير أنساني وغير برئ ؟ أنه موضوع طبيعي وأنساني وأخلاقي وبرئ، لكن حدوثه في خارج الأطر المتعارف عليها دينيا واجتماعيا هوالذي يجعله غير أخلاقي وأنساني وبرئ، ألسنا نعتبر عدم رغبة الرجل في المرأة ورغبة المرأة بالرجل خللا ينافي الطبيعة والضوابط الإنسانية ؟ وأنه خلل فضيع قد يقود أحيانا للشذوذ والخروج عن ما تستسيغه النفس البشرية السليمة؟ ألا تغضب المرأة عندما لا تجد من يشتهيها ويرغب فيها وكذلك الرجل؟ أما تعرفين أن 90 بالمائة أذا لم يكن 99 بالمائة من حالات الطلاق يكون مردها شرخ في العلاقة الجنسية بين الزوجين؟ فقاطعتني بقولها: على رسلك قليلا، لماذا تصر على حشر الجنس في الصداقة البسيطة بين الرجل والمرأة؟ قلت لها بل السؤال هو: لماذا تصرين أنت على حذف الجنس من الصداقة والصداقة من الجنس في العلاقة بين الرجل والمرأة؟ ألا يمكن أن تكون الزوجة صديقة وعشيقة؟ ثم مها كانت تلك الضوابط الوهمية التي تشيرين أليها في صنع علاقة خالية من الرغبات الجسدية بين ذكر وأنثى ضوابط راقية وملونه بالأحمر فأنها تبقى مجرد هراء مطلق لا أكثر ولا أقل، لأنه ومهما طال الوقت بين رجل وامرأة يلتقيان في أماكن عامة وخاصة ويتبادلان الأفكار المشتركة والانطباعات المشتركة والنصائح والنكات والاستشارات فأن أحدهما بالتأكيد في لحظة ما سيشتهي الآخر ولومن باب الملل والتغيير، وأي كلام غير هذا هوبرأيي مجرد أساليب خبيثة يستعملها الرجال عادة للإيقاع بالمرأة، ولذلك فأنني أرجو منك توخي الحذر مع الذكور اللذين قد يستدرجونك بمثل هذه الأفكار للوقوع بالمحذور.

وتكرر مثل هذا الحوار بيني وبينها مرات عدة وبتفاصيل مختلفة وكانت تركز دائما على فكرة فحواها كيف أن شخص حضاري الفكر مثلي يستطيع أن يفكر بهذه الطريقة المتخلفة ؟! وكنت أقول في نفسي لا أعرف ما علاقة الجنس بالحضارة والقرطاسية في هذا المضمار ؟ هل الإنسان الحضاري جدار بلا أحاسيس ؟ أم هل عليّ بما أنني أكتب أن أقطع علاقتي بجهازي التناسلي؟
وتحت تكرارها لدعوتي ومجادلتي من جهة، وضجري من روتين الحياة اليومية من جهة أخرى خرجت معها بضع مرات متعاملا معها بحذر ودبلوماسية، وكان ما خمنته سلفا وهوأنني اشتهيتها من أول مصافحة في أول مشوار ! وعرفت أنني عما قريب سأضيق ذرعا بها وبدبلوماسيتي الطارئة كالحب المتبادل بين الشعب والسلطة في”الأعراس الوطنية”و”المنعطفات التاريخية”، وذات مساء بعثت لي برسالة هاتفية تقول فيها: (اشتقنا لك، ما اشتقتلنا؟) فرددت على الفور برسالة أقول فيها:(وما نفع الأشواق بدون قبلات ولحمسات)، فما كان الإ أن أغرقتني بأقذع الشتائم من قبيل: منحط / حقير/ سافل..

وكنت أضحك وأنا أقرأ شتائمها المتوالية، لأنها النتيجة المتعارف عليها، ولكن لما (شتمتني) بقولها: ابن شوارع (على أساس أنها شتيمة)اعتراني الغضب، لأنني أولا أحب الشوارع وأبناءها حبا جما، وثانيا لأنني لا أعرف أحدا على وجه الأرض ليس أبنا للشوارع ! و(لأنهم) عندما يرموننا بهذه التسمية يعتبرون أنفسهم من (شوارع) أخرى مختلفة تماما، أرقى وأجمل، وذات ثقافة مختلفة عن ثقافتنا، حتى أسفلتها وحفرها و(مطباتها) مختلفة عن أسفلت وحفر ومطبات (شوارعنا نحن)، وأنهم أنما يمرون (بشوارعنا) فقط تواضعا وجبرا للخواطر، ومن (هم) ومن (نحن)؟ الفرق (بيننا) و(بينهم) وبين (شوارعنا) و(شوارعهم) مهما كانت لا يتجاوز الفرق بين فردتي الحذاء الواحد حين تكون الأولى في مقدمة الخطوة والثانية في نهايتها.

والكريه في الأمر أنهم عندما يريدون الترويج لمسؤول أومستحضر مهما كان نوعه، لعلاج السرطان أولفتح المجارير، أوعندما يريدون أجراء استفتاء حول ندوة تلفزيونية أومسابقة لملكات الجمال أوالترويج لانتخابات ما أوهزيمة أومعركة ما، أوعندما يريدون جمع التبرعات لبيت دعارة أومدرسة فأنهم على الفور يحملون عدتهم ويأتون (للشوارع) التي (نحن أبناءها)، مما يجعلني أقرر ودون مشورة أحد أننا نحن أبناء الشوارع سنظل بالرغم من كل شئ، أسياد المستجدات والخرائط المستقبلية، وسنظل نقطة مرجعية كخط الاستواء وتوقيت جرينتش.
وبالعودة للقصة ذاتها، فأنني بعد شتائمها تلك وبينما أنا في مقهاي أتأمل الجدران والضياع الفكري الذي نعيشه، وكيف أن الأفكار في عصرنا سالت على بعضها البعض كالحلوى الفاسدة في بقالية نائية، راحت تلك الجمل الرنانة التي أسمعها وأقرأها في وسائل الأعلام تتهاوى فوق ذاكرتي كالقذائف:

تحرير المرأة العربية..

تحرير الأراضي العربية..

تحرير الفكر العربي..

تحرير الإنسان العربي..

تحرير الشعر العربي..

تحرير الاقتصاد العربي...

وتحرير وتحرير.. ودون أن يتفق مسؤولان عربيان أوناقدان عربيان، أومفكران، أوصيّرفيان، أوفرّاشان أوفتاتان، أوجدتان، أوجارتان، على معنى واحد لكلمة تحرير، فهذا يريد من المرأة العربية أن تخرج عارية، وآخر يريدها أن لا تخرج من الغسالة، وثالث وسطي يريدها أن تكون حضارية بحيث لا تأوي لفراش أحد غيره سوى لفراش زوجها، ثم هذا الناقد يريد للفكر أن يمر من أمام شرفته وذاك أن يمر من أمام مجلس النواب، وآخر يريده أن يمر كالنسيم وغيره يريده كالعاصفة، ثم هذا المسؤول يريد أن يكون التحرير أنيقا كسفير، وذاك المسؤول يريده سريعا كطاغية، وآخر يريده على أساس خطة 2- 4 -2 ومعارضيه على أساس خطة 4-2-4، بينما أنا وأي بائع متجول في هذا الشرق نقسم بالله أننا نريد أن نكون (ممتازين) و(على مستوى المرحلة) ولكن لا أحد يشعل لنا ولوعود ثقاب كي نرى طريقنا إلى التحرير بل إلى أي تحرير، فجل ما نرى ونعيش هوأنصاف أشياء:

نصف تحرير - نصف ثقافة - نصف إنسان - نصف أديان - نصف أوطان - نصف حقيقة - نصف مستقبل – نصف تاريخ – نصف فكرة ولا شئ كامل وواضح الإ القبر والضباب.

وبينما أنا في ليل الفكر العربي أكاد لا أهتدي حتى إلى الثدي الذي أرضعني، دخل المقهى أحد معارفي من المدمنين على الهاتف النقال، والذي هوفي أمس الحاجة لتحريره على وجه السرعة من وكالات أجهزة الهواتف النقالة و(بالات) العولمة التي تشحن إلى الشرق من أصقاع الأرض وذلك قبل أن يجن أويموت بالسكتة القلبية في أحد المراحيض العامة، وعلى الفور أتجه نحوي وباشر وهومحدودب فوق هاتفه بإلقاء التحيات والسلامات والأشواق، ثم ودون أن يرفع عينيه عن الهاتف أطلق مشطا من رصاص الشتائم على أخت أحدهم وأم جارتهم أوحارتهم - لم يتسنى لي أن أفهم- وعلى جدة معلمه في العمل وعرض سائقهم وكاد يشتمني أنا نفسي وهويرفع عيونه إلي لولا أن تبين له في اللحظة الأخيرة أن لا علاقة لي بمعركته الهاتفية تلك، وبدون تفاصيل أخرى وقبل أن يسألني أية سؤال سردت له على الفور حالي مع تلك الفتاه لأنني أعرف أنه يملك من السماجة وبرودة الدم الأستخباراتية ما يجعلك تعترف له بأنك أي شيء، كأن تعترف بأنك من وشى بعمر المختار مثلا فقط كي تتخلص من نضرته الفجة وأسئلته التي تذكرك بفتحة الشرج، وبعد أن أصغى بسكينة الحكماء وضع هاتفه جانبا وتحدث لي قائلا:

لا أعرف لماذا تحب تضخيم الأمور وتعقيدها ؟ كل ما في الأمر أن المخلوقة دعتك لفنجان فهوة فجعلت من الأمر منعطف أفلاطوني ومأزق فكري، لماذا تصر أن تكون عربي متخلف لا يفكر ألا بما تحت السره ؟!!، تحرر يا رجل فهوزمن الانفتاح وفهم الآخرين.

وعندما ضحكت بشراسة امتعض وسأل عن مبررات ضحكي فقلت له: لا أعرف لماذا تحب تبسيط الأمور وتسهيلها لحد الغثيان؟ كل ما في الأمر أنك ستجري مكالمة هاتفيه وتحلق ذقنك ثم تحرر فلسطين، لكننا جميعا دونك أنت على عجلة من أمرنا، ثم انك تتحدث وكأنك لواختليت بعنزة لتركتها بحالها...!! وأنا وأنت نعرف بأننا كلانا نتمنى لوكان وراء فنجان القهوة كأس فدوار ففراش، كما نعرف كلانا بأن تأكيدات الفتى لزميلته في الجامعة مثلا بأنها مثل أخته هي مثل تأكيدات المصنعين المحليين العرب لنا بأنهم مهتمون كثيرا بنعومة بشرتنا وخصلات شعرنا ونظارة ثيابنا وصحة أطفالنا وعقامة بيوتنا ومتانة سياراتنا إلى آخره من هراء الإعلانات التجارية، وأنهم حين يصورون امرأة جميلة بجانب حذاء تافه أوملطف جوكريه أوقاتل حشرات مؤذي أوعلبة سردين منتهية الصلاحية أوعلبة سجائر رديئة أوشفرة حلاقة رجالية مثلمة أوقطع محركات مستعملة هومجرد صدفه وليس زجا للسم في العسل أبدا، ولا يقصدون مطلقا من وجود المرأة بجانب تلك الخردوات تحريك الهوى لدينا بحيث نصدق أن ما تقف بجانبه هوقطع فريدة ولوكان مجرد بصاق...، أسكت يا رجل نحن شعوب لم تعد تعرف حتى أين تأكل وأين تتغوط، ولوأن أختك مثلا هي التي دعتني لفنجان قهوة لكان الأمر عندها فعلا مأزق أفلاطوني وتاريخي وأخلاقي وفكري ولا يمكن الخروج منه الإ بربطها كالكلب في المطبخ أوالمرحاض، وبالتالي فأنك مع هاتفك النقال لا تعدوبالنسبة لي أكثر من كيس خيش ملئ بعلب الببسي الفارغة تماما كدول العالم الثالث، وأنه مهما حاول أن يغرد فلن نسمع منه ألا قرع التنك وهويضرب بعضه بعضا، ولمعلوماتك لقد كنت سابقا أستعمل نفس المبرر العتيق عندما أرتكب حماقة ما تتعارض مع شخصية المهندس المثقف ذوالرجاحة والاتزان وبقية الأفلاطونيات، وكنت أقول: أنا في النهاية عربي يا جماعة...، ولكن على ما يبدومن الآن فصاعدا سيكون شعاري (نعم عربي ومتخلف)، أما أذا كنت أظلمك فعلا وأنك قادر على أن تجلس مع فتاة جميلة تلف فخذا دسما ملفوفا بجينز فوق فخذ لتحتسي القهوة واضعة أثداءها فوق طاولتك، وشعرها قرب فنجانك، وشفتاها تحت أنف خيالك، ويداها قرب يديك، وعروق عنقها تكاد تنبض بين شفتيك، ثم لا يتحرك فيك ساكنا، أذا كان هذا حقيقة فعليك أن تراجع أقرب طبيب تناسليه إلى هذا المقهى.... ولكن قبل ذلك دعني أذكرك بإنجازاتكم التاريخية، أنتم قادة التحرر، يا من لا تعقدون الأمور وتمرون بسلاسة على المنعطفات الأفلاطونية كشفرات (جليت):

لقد حررتم العاهرة من عارها، بحيث يمكن كتابة كلمة (عاهرة) في خانة المهنة في الوثائق الرسمية دون أن يرف جفن أي شعب من شعوب هذه المنطقة.

وحررتم الأوطان من شعوبها، بحيث لم توفيت – لا قدر الله – الحدود في دولة عربية لغادرها شعبها عريا تاركا لوطنه”الحبيب”ثيابه الداخلية.

وعلى غرار ذلك، حررتم العقائد من دينها، والأجيال من أمها وأبيها، والمناهج من طلابها، والمدارس من هيبتها ووقارها، واللصوصية من عيبها وحرامها، والأنثى من أنوثتها وبكارتها، والطفولة من عفويتها وفطرتها، والزوجة من زوجها وبيتها، والأم من أثدائها وجنتها، حتى الرصاص حررتموه من عنفوانه وسخطه فصار يزغرد في الأعراس وحفلات الطهور.

وبينما كان هويبتسم ويهز رأسه بحكمة كبوذا، كنت قد لملمت أغراضي وغادرت المقهى بتخلفي وأمراضي، ثم وبعد أن تورمت قدماي من التسكع وبعد أن جلست في الحافلة المهترئة بعد طول انتظار وتدافع بالأكتاف والحوافر، توقف السائق لتصعد امرأة من نسائنا المحتشمات، ولما كانت المقاعد كلها مشغولة ضلت المرأة واقفة متمسكة بما تيسر لها من حديد، وكدت أنهض لأعطيها مقعدي لولا أن تدخلت نذالتي بكل قواها فبقيت جالسا وأنا أقول في نفسي: لن أعيق أية بريق للتحرر، ولن أنغص على أية امرأة فرحها بإنجازات التحرير والتقدم، ولن أكون حجر العثرة في مسيرة الاتحادات النسائية الطامحة ولا في مسيرة المرأة العربية نحو(الزفت أوالانتصار)...

وبينما كان ضميري يعنفني حتى اعتقدت بأن الناس قادرين على رؤية بصاقه فوق وجهي، توقف السائق لتصعد امرأة أخرى من نسائنا المحتشمات وتقف قرب زميلتها بين الرجال، ثم صعدت ووقفت ثالثة ورابعة.. هكذا حتى اختفى ضميري في الزحام ولم أعد أرى له أثرا، وذلك بحجة سخيفة هي أن مقعدي اليتيم هذا كرامة وشرف من أومن سينقذ في هذه الحفلة الصاخبة ؟!
وأخيرا وبينما أنا أضع قدمي اليمنى داخل البيت وأتهيئ لتنفس الصعداء، هاجمتني زوجتي بتحقيقها المعتاد:

 أين كنت ؟
 أتسكع.
 مع من ؟
- مع الأسف !.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى